الشيخ الساعي: الانضباط الذاتي مفتاح الاستقامة وتحقيق الأهداف

زينب المطاوعة : الدمام
في ليلة الثامن من شهر محرم 1447هـ، ومن على منبر حسينية الإمام الباقر “ع”، قدّم سماحة الشيخ محمود الساعي رؤية تربوية عميقة حول مفهوم “الانضباط الذاتي” باعتباره تجليًا للاستقامة التي أمر الله بها رسوله الكريم (ص): «فاستقم كما أُمرت».
استهلّ الساعي حديثه بتأمل قرآني يسلّط الضوء على التكرار الإلهي لأمر الاستقامة، وبيّن أن الاستقامة لا تتحقق إلا بالمداومة والثبات، لا بالالتزام الموسمي أو اللحظي، تمامًا كما لا يوصف الإنسان بالصدق أو العفّة إذا كانت سلوكياته متذبذبة.
وانطلق الساعي من هذا الأصل ليؤسس لما أسماه بـ”العضلة الغائبة”: الانضباط الذاتي، والذي عرّفه بأنه القدرة على الالتزام بسلوك معين لتحقيق هدف، رغم تقلبات المزاج والظروف. وبيّن أن كثيرًا من المشاريع الفردية، كقراءة كتاب أو المداومة على أوراد أو الدراسة، تنهار ليس بسبب الضغوط الخارجية، بل لضعف هذه العضلة.
وطرح سماحته نماذج ممن بلغوا الذرى عبر الالتزام والانضباط، كالسيد الشهيد الصدر الذي كان يكتب مؤلفاته بعد نوم أسرته، والشيخ جعفر كاشف الغطاء الذي كان يتأمل الساعة الرملية كي لا يضيع وقته، وصولًا إلى الشهيد الأول الذي ألّف اللمعة الدمشقية في السجن على أوراق الشجر.
وأكد الشيخ أن الانضباط ليس مجرد سلوك إداري، بل هو جوهر أخلاقي يحقق الانسجام الداخلي، إذ يربط بين القيم التي نؤمن بها، والسلوكيات التي نمارسها، مشددًا أن غياب هذا الانسجام هو أحد أبرز أسباب ضعف تقدير الذات.
وختم الساعي بالقول: إن أعظم النجاحات ليست وليدة الرغبة أو الشغف، بل ثمرة الالتزام الصارم بسلوك يومي، مهما كان بسيطًا، وهو ما عبّر عنه الإمام علي (ع): «أفضل الأعمال ما أكرهت نفسك عليه». مؤكّدًا أن النجومية، سواء في العلم أو الحياة، تُصنع من الصبر على التكرار والروتين، والانضباط اليومي الثابت، وأن مدرسة كربلاء إنما أنجبت حبيبًا القارئ لليل كله، والمجاهد حتى الشهادة، لأنه كان إنسانًا منسجمًا بين القيم والفعل.