أقلام

التمهيد والتأسيس في الأعمال العبادية طريقٌ إلى السعادة الأبدية

أحمد الطويل

إن الإنسان في مسيرته نحو الكمال يحتاج إلى التمهيد والتأسيس لكل عمل يقوم به، وخاصة في الأمور العبادية، حتى يكون قادراً على الاستجابة للنداء الإلهي والوصول إلى السعادة الأبدية. وكما لا يمكن بناء مجتمع قوي دون أساس متين، كذلك لا يمكن للإنسان أن يرتقي روحيًا دون تمهيدٍ مسبق. وهذا ما نراه جليًا في سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، حيث نشأ في ظل عناية الله وحفظه من أدران الجاهلية، مهيئًا بذلك ليكون أفضل قومه خلقًا وأكرمهم حسبًا. وقد عبّر الإمام الجواد عليه السلام عن هذا التمهيد بقوله: “إن الله مهد لنبيه الأسباب وهيأ له الأمور حتى بلغ رسالته وأدى أمانته”. وهذا ينسجم مع قول الله تعالى في محكم كتابه:”وَمَهَّدتُ لَهُ تَمْهِيدًا”.

و كذلك في العبادات، فإنها تحتاج إلى تمهيد وتأسيس حتى تؤتي ثمارها المرجوة. فشهر رمضان المبارك الذي يعد محطة روحية عظيمة، يسبقه شهران من التهيئة والاستعداد، هما شهرا رجب وشعبان. فالله سبحانه وتعالى قد جعل شهر رجب شهر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وشهر شعبان شهر النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، و ذلك لتهيئة القلوب والنفوس لدخول شهر الله، شهر رمضان. فمن أراد سماع نداء النبي صلى الله عليه و آله و سلم، فعليه أن يدخل من باب أمير المؤمنين عليه السلام، فإذا وصل إلى النبي وصل إلى الله، ومن صام شهر شعبان حبًا بالنبي فقد تقرب إلى الله. قال تعالى: “وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ”.

وقد أمرنا الله بالصيام كوسيلة للتقوى والارتقاء الروحي، فقال تعالى: *”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”*. فالتقوى ليست مجرد حالة لحظية، بل تحتاج إلى تأسيس وبناء متواصل.

وكما هو الحال في أمور الدنيا، فلا يستطيع الإنسان دخول الجامعة قبل اجتياز المراحل الدراسية الأولى كالمتوسطة والثانوية، كذلك في السير إلى الله لا بد من اجتياز مراحل التهيئة الروحية والعبادية. وهذا يدل على أن الأعمال العبادية لا يمكن أن تحقق ثمارها المرجوة دون تحضير مسبق واستعداد قلبي وعقلي.

وعليه، فإن على المؤمنين أن يستجيبوا لنداء الله، ويحبوا محمدًا وآل محمد، ويسيروا في طريقهم، واضعين في حسبانهم أهمية التمهيد والتأسيس لكل عمل، ليصلوا إلى الكمال المنشود والسعادة الأبدية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى