أقلام

قلوب وبطاريات 

أمير الصالح

يحرص كل من يخطط لشراء سيارة هجين (وقود وكهرباء) أو سيارة كهربائية على معرفة ما يمكن للسيارة أن تقطعة من مسافة لكامل الشحنة قبل إعادة الشحن من جديد. حاليًا يتنافس صُناع السيارات وصناع معظم أجهزة الاتصالات الخلوية في تزويد سياراتهم الهجين والكهربائية والجوالات بأفضل أنواع البطاريات أداءً وكفاءة، لكون كل بطارية تنفع لقطع مسافة أو فترة تشغيلية معينة قبل إعادة الشحن من جديد؛ ويحرص مالك تلكم السيارات على مراعاة تحديد أماكن ومحطات الشحن مسبقًا لضمان استمرارية التشغيل وتفادي الانقطاع على قارعة أحد الطريق. في عالم البشر، القلوب ليست فقط عضلة تضخ الدم داخل عروق الإنسان لتبل القلب أشبه بالبطارية تكتنف جملة من المشاعر والأحاسيس والقدرات والطاقات والعزائم والهمم والطهارة … إلخ.

عند حدوث التواصل البشري داخل أي مجتمع، نرى أن الكرم والعطاء والبذل خصال جميلة وممدوحة والكل يسعى ويتمنى أن يوصف بها. بل إن البعض من الشعوب والجماعات والأفراد يبذلون لأجل التسويق إعلاميًا أو رياءً الكثير من المال والبروباجندا ليحصلوا على هكذا لقب إعلامي من بعض المنتفعين أو المُراءين أو الإمعات أو المتواطئين.

إلا أن البعض من الناس يحجمون عن البذل ولو بعد حين لأنهم اصطدموا بجدار النكران أو الحسد أو الكيد أو الإحباط أو الإهمال أو الإساءة أو الاستخفاف بما جادوا أو النبذ أو الانحيازات التفضيلية أو المفاضلات الشخصية أو التهميش أو التسخيف لانعدام التقدير أو اختفاء الاحتضان أو انتشار آفة الحسد أو الشك بحقيقة الانتماء الذي تنشُده أنفسهم الباذلة أو ضمور المحفزات وتلاشي البيئات السليمة، كل هذا أو بعض ذاك حجبتهم عن الاستمرار، ويشعرون أنهم مصداق للمثل الشعبي الخليجي : “عومة، مأكولة ومذمومة “.

وهنا نستجلي مجددًا مثال البطارية الكهربائية للسيارات/ الجوال، كما البطاريات الكهربائية تتدفق فيها شحنات الإلكترونيات حيث التيار من الجهة الأعلى للأدنى، كذلك العطاء والبذل والكرم بالمال أو العلم أو الوعي أو الحنان يحتاج إلى فائض من المادة أو المعنويات لدى الشخص الباذل وقد قال أحد الكتاب ما مفاده إنك إذا رغبت أن تعطي أعطِ من ” بطاريتك المُمتلئة حتى لا تشعر بالإحباط ونفاذ الطاقة وجفاف التدفق!!

فيا عزيزي القارئ/عزيزتي القارئة،

أنفق من البطارية الممتلئة لديك مع مراقبة مستوى الشحن لتفادي إفراغ كامل شحنتك (لا تستح من إعطاء القليل، فالحرمان أقل منه) …. الإمام علي(ع)، فبطاريتك قد تكون ممتلئة بالعلم فأعط علمًا ؛ أو ممتلئة بالمال فأعط مالًا أو ممتلئة بالإحسان فأعطه، أو ممتلئة بالوعي فابذل الوعي لأهله، أو ممتلئة بالثقافة القانونية فابذل التنبيهات والاحترازات القانونية للاخرين، أو قلمك مدرار، فواصل الكتابة التافعة وشارك بها.

ويقينًا سيعود لك هذا السخاء والبذل والعطاء يومًا ما، ولكن ليس مشروطًا بالمكان نفسه أو الأشخاص أنفسهم ولا من المحطة الزمنية نفسها، فقد يكون رد الجميل من أخرين وأماكن أخرى وأزمان متناثرة ولو في عقبك وذريتك أو آخرتك. عندما يخرج منك الحسن سيأتيك المزيد والجديد منه ولو بعد حين.

‏الآن إن كان قلبك وعقلك وروحك ولسانك وفكرك ممتلئ بشيء حسن، فماهو ذلك؟ حدد نقاط قوتك ومجالات إحسانك للاخرين منه وإلا فأكرم الجميع بالصمت عن الحقد وبنبذ الكراهية والابتعاد عن التهكم على الآخرين. الإبداع، الوعي، الثقافة العامة، المال، العلم، الرأفة، الحس الأمني/ الذكاء المالي/ الفطنة الإدارية، الشفقة، الرحمة، الحب، البشاشة، الرعاية … قد تكون هي منصتك الأقوى فانطلق منها وابذل بسخاء وترفق بنفسك، وتذكر أن ما ستقدمه للأخرين يجب أن يكون بأدب ودون مْنّ أو أذى أو رياء أو نفاق. فلنجعل من وجودنا وجود مُعزز ومُحفز، ولا يكون وجودنا مُنفر ومُقزز؛ فبطارياتنا يومًا ما ستنتهي!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى