أقلام

عصا نبي الله موسى عليه السلام

زاهر العبد الله

قال تعالى: { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى (18) قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى (19) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20) قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى}[1]. وفي موضع أخر:

{وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78)}طه. وفي موضع أخر: {وَإِذِ اسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ }[2].

كل الآيات تتكلم عن جماد وهي عصا النبي موسى التي سخرها الله لأن تكون حية، وتشق البحر لنبيه وقومه، وتخرج العيون الجارية لهم، كل ذلك بإذن الله سبحانه.

فلو تأملنا جميع هذه الآيات نجد أنها تحمل في طياتها دروسًا وعبرًا لمن له قلب سليم منها:

١-أن الله الواحد الأحد لم يزل ولا يزال، قهر فغلب فهو القادر على كل شيء وبيده أسباب كل شيء وله أن يبطل كل شيء ويعدم كل شيء ويحي ويميت.

٢-أن الله سبحانه له الحجة البالغة على خلقه وهو الحليم الغني عن عباده يعطيهم بفضله ويدلهم عليه ويرغبهم في طاعته ويحذرهم معصيته لا لحاجة منه سبحانه بل لصالح عباده.

٣-يظهر عناد الجاحدين الذين مهما أنعم الله عليهم يتكبرون ويجحدون كفرعون والسامري وقوم نبي الله موسى الذين يتزلزل إيمانهم لأقل طارئ تجدهم يتقلبون من حال إلى حال.

ولو وقفنا علي بيان تفسير بعض هذه الآيات المباركة كتفسير الميزان للعلامة الطباطبائي (قدس): في تفسير انقلاب العصي حية أمر سبحانه موسى أن يلقى عصاه عن يمينه وهو قوله: ” قال ألقها يا موسى ” فلما ألقى العصا صارت حية تتحرك بجد وجلادة وذلك أمر غير مترقب من جماد لا حياة له وهو قوله: ” فألقاها فإذا هي حية تسعى ” وقد عبر تعالى عن سعيها في موضع آخر من كلامه بقوله رآها تهتز كأنها جان ” القصص: 31، وعبر عن الحية أيضا في موضع آخر بقوله: فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ” الأعراف:

١٠٧، الشعراء: 32 والثعبان: الحية العظيمة.

وقوله: ” قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها ” أي حالتها ” الأولى ” وهي أنها عصا فيه دلالة على خوفه عليه السلام مما شاهده من حية ساعية وقد قصه تعالى في موضع آخر إذ قال: ” فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرًا ولم يعقب يا موسى أقبل ولا تخف ” القصص: 31، والخوف وهو الاخذ بمقدمات التحرز عن الشر غير الخشية التي هي تأثر القلب واضطرابه فإن الخشية رذيلة تنافى فضيلة الشجاعة بخلاف الخوف والأنبياء عليهم السلام يجوز عليهم الخوف دون الخشية كما قال الله تعالى: ” الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدًا إلا الله ” ٣٩الأحزاب. [3]

ووجه العلاقة بين توحيده وقاهريته وقدرته تكمن خلف جعل العصا جماد ظاهرها لا تضر ولا تنفع دون فعل الإنسان في الأمور العادية كالهش علي الغنم تكون آية بقدرته وقدرته سبحانه تشق البحر وتتحول لحية تلقف ما يأفكون من خدع السحرة فتوجب توحيده سبحانه وتعالي.

[1] طه،(21)

[2] البقرة،(٦٠)

[3]السيد الطباطبائي، تفسير الميزان ، ج ١٤ ، الصفحة ١٤٤

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى