الحروب آفة الشعوب

أمير بوخمسين
كل الحروب أو معظمها إنما نشبت للاستيلاء والاستعمار والسيطرة والاخذ بالقوة، ولربما للانتقام والأخذ بالثأر، ولكن الأكثر بشاعة وفظاعة والأطول أمدًا تلك الصراعات المرتبطة بالانتماء والهوية والنزاعات العرقية او العقائدية الدينية، لتبقي تأثيرات هذه الحروب على المجتمعات كبيرة ومتعددة الأوجه، تمتد لعدة أجيال وتتطلب جهدًا مضنيًا وجبارًا لتلافي هذه التأثيرات والوصول للتعافي، فالعنف يولد العنف والدماء تجر خلفها شلالات من الدماء.
وإثارة الحروب تجعل أشكالًا أخرى من العنف والانتهاكات أكثر قبولًا واحتمالًا. وهذا التأثير ليس على المتقاتلين والمتحاربين فقط، بل إنها تؤثر على جوانب عدة في الحياة الاجتماعية والإنسانية والسياسية والاقتصادية، وتسلك عبرها الأمم أنفاقًا مظلمة تنتهي بتدمير كل شيء، يتجسد هذا الدمار والخراب في أن الصراعات تلتهم الحق في الحياة، وتقضي على الإنسانية.
الحرب لا تستسثني أحدًا، لا بشرًا ولا حجرًا، لا صلبًا ولا لينًا، بل تقضي على الأخضر واليابس، ولا ينجو منها حتى أولئك الذين حادوا عنها، ولم تكن لهم فيها ناقة ولا جمل.
أول حرب قبل التاريخ المسجّل حدثت في منطقة تقع ضمن حدود العالم العربي، وجرى التعرف عليها من خلال الحفريات التي وجدت في منطقة (جبل الصحابة) الواقعة على حدود السودان الشمالية مع مصر. هذا الموقع الآن غارق تحت بحيرة ناصر الصناعية، وتم اكتشافه من قبل عالم الآثار الأميركي ” فريد ويندوف” عام 1964. وفي أحدث تحليل للهياكل العظمية 61 التي عُثر عليها في الموقع، وجد أنه من المرجح أن المنطقة لم تشهد فقط أول حرب حقيقية في تاريخ البشر، بل كانت أيضًا منطقة صراعات عنيفة متكررة. (المصدر الجزيرة نت – التقارير العلمية).
وحرب البسوس التي دارت رحاها قبل أكثر من ١٥٠٠ عام تركت لنا تاريخًا مليئًا بالترهات، ودروسًا وعبر، ولكنها لم تجد عقولًا تعي، ولا آذانًا تصغي، ولا قلوبًا تخشى وتخشع.
ولم يكن قتل سراب ناقة البسوس خالة جساس قاتل كليب إلا نارًا انطلقت شرارتها في مؤانسة ومواددة بين الجليلة وزوجها كليب حين سألها، أهناك في العرب من هو أشجع مني.؟ لترد له بمكايدة نسائية وغنج..
نعم. أخي جساس..
لتثور ثائرة كليب وتشتعل روحه حنقًا وحقدًا وكرهًا لهذا الجساس إلى أن قُتل، فقتلت الجليلة بهذا الرد الآلاف من قومها.
واختلف المفكرون والفلاسفة والساسة والمحللون حول نقطة انطلاقة النزاعات والحروب. فمنهم من أكد على أن الطبيعة تقتضي أن يكون هناك صراع دائمًا، ويرى استحالة استمرار الجميع في سعادة أبدية، وأن سعادة الفرد ترتبط دائمًا بتعاسة الآخر وشقائه.
وليس هناك أتعس وأشقى من أولئك الذين عاصروا حروبًا وعايشوها واكتووا بنيرانها وعانوا آثارها المدمرة.
الحرب بشعة لأبعد الحدود ومهلكة، تملأ روحك بالخوف، الخوف بمعناه الواسع، ذلك الخوف المرعب، ذلك الذي يقتل فيك الحياة حتى وإن كنت على قيد الحياة.. ترى حتفك رأي العين.. تتداعي فيها أحلامك حلمًا حلمًا، ولا تتفرق الأمم والشعوب ويتمزق شملها إلا حين يتسلّط بعضها على بعض.