قصة المجاملة التي أكلت عمري! حين تتحول الطيبة إلى مقبرة للوقت والطاقة والكرامة أحيانًا!

عماد آل عبيدان
يحكون أن رجلًا طيّبًا دخل مجلسًا، فنهض الجميع له احترامًا،
ليس لأنه مهم بل لأن الكرسي الذي جلس عليه كان يخصّ عمدة الحارة!
فابتسم وقال: “أنا آسف لم أنتبه.”
فردّوا عليه: “ما في مشكلة بس لا تسويها مرة ثانية!”
ومن يومها، قرر أن يكون مؤدبًا جدًا
حتى أكلت المجاملة لسانه ووقته وعمره كاملًا!
أهلًا بك في نادي “الناس الزينين اللي تعبوا”
إن كنت قد فعلت التالي، فأنت عضو ذهبي:
• قلت “نعم” وأنت تتمنى أن تصرخ “لاااا!”
• ضحكت على نكتة سخيفة احترامًا لقائلها.
• حضرت مناسبة لا تطيقها… خوفًا من أن يزعلوا.
• وافقت على عمل إضافي دون مقابل… مجاملة للمسؤول.
• استقبلت ضيوفًا في يوم راحة… وحرمت نفسك من النوم.
أما تزال تبتسم؟
أنت مثلنا إذن
طيّب بس حافي!
المجاملة مرض اجتماعي؟ لا… بل عادة مُعدية!
قد تظن أن المجاملة مجرد “لباقة”،
ولكنها في بعض الأحيان تتحوّل إلى:
• تزييف مشاعر : تقول “رائع” لما لا يعجبك!
• ضياع وقت : تقف في طابور المجاملات وتتأخر عن أولوياتك.
• استنزاف نفسي : تحمّل نفسك فوق طاقتها فقط لتُرضي الآخرين.
• دَوس على الذات : تختفي شخصيتك وسط “الإتيكيت الجماهيري”.
ولكن لماذا نجامل؟
• لأننا نخاف أن “يزعلوا علينا”.
• لأننا نخشى لقب “أناني”.
• لأن المجتمع يقدّس “اللي يرضي الكل”.
• لأننا نُربّى على الطيبة المطلقة دون فرامل!
لكن في الحقيقة، من يرضي الجميع
يخسر نفسه أولًا، والجميع لاحقًا!
قالوا: “كُن لطيفًا!”، ولم يقولوا: “كُن ضعيفًا!”
فرق بين أن تكون محترمًا
وبين أن تكون “أريكة مجانية” لكل من يمرّ بك!
الذي يرفض بإحسان محترم.
والذي يقول “لا” بابتسامة حكيم.
والذي لا يسمح لأحد أن يستهلك عمره يحب نفسه!
صديقي لا تُربّي ضباعًا بابتسامتك!
في إحدى المرات، وافقتُ على عمل إضافي لا يناسبني،
فقالوا: “ما شاء الله فلان ما يقول لا!”
ثم صار كل شيء يرمى على ظهري
ولما تعبت ورفضت مرة قالوا: “متغير ما عاد مثل أول!”
أوه حقًا؟!
طبعًا متغير، لأني كنت أستهلك عمري لأكون جيدًا في أعينكم،
حتى كدت أنسى ملامح وجهي الحقيقي في المرآة!
المجاملة التي تأكل وقتك… هي لص مقنّع بـ”كلمة طيبة”
قل لي بصدق:
كم مرة أجّلت شغلك، دراستك، راحتك، صحتك، زيارتك لأهلك، نومك،
فقط لأن شخصًا ما قال لك: “الله يعافيك بس لو تمرّ علينا شوي!”
والنتيجة؟
تمّ تمريرك
ولم يعافِك أحد.
الحل؟ كن لطيفًا… ولكن واضحًا
• قل “لا أستطيع الآن” بثقة.
• إذا لم يعجبك شيء، لا تُبالغ بالمديح.
• لا تحضر مناسبة فقط لأنك خائف من رأي الناس.
• راعِ نفسك… مثلما تراعي مشاعر الآخرين.
• لا تظن أن الصراحة عيب… العيب أن تبتسم وأنت تتألم!
المجاملة ليست أخلاقًا دائمًا… أحيانًا هي ضعف إداري في حياتك!
تخيّل مديرًا في حياتك اسمه “الناس”.
هو يوقّع إجازاتك
ويحدد متى تنام،
ومتى ترتاح،
ومتى تضحك،
ومتى تكون صامتًا.
أنت موظف عند من؟
عند المجتمع؟
أم عند نفسك وكرامتك وروحك؟
نبضة صادقة: لا تفقد نفسك على مذبح التهذيب!
كلما قلت “نعم” وأنت لا تريد،
فأنت توزّع من عمرك على الآخرين…
وأنت لا تدري.
احترمهم
لكن احترم نفسك أكثر.
ابتسم لهم
لكن لا تُطفئ نورك الداخلي من أجل إضاءة وجوههم.
لا تكن مثل تلك الشمعة
التي أضاءت الطريق للجميع،
ثم ذابت وحدها في صمت!