أقلام

العقول بين البصيرة والانغلاق

السيد فاضل آل درويش

هناك دور مهم يقدّمه الصديق المقرب في استبصار الأحداث واتخاذ بعض القرارات المهمة والمشاركة في رسم خريطة الخروج من الأزمات، وهذا ما يجعل دوره المحوري لا غنى عنه و يساعد كثيرًا في تجاوز الظروف الحياتية الصعبة، و إذا ما تساءلنا عن أقرب الأصدقاء لك في دوره و تأثيره فلمن ستشير في اختيارك الموجّه لأحدهم؟!

إنه عقل الإنسان الذي يتحرك بين خطي الصداقة والعداوة في دوره وتأثيره ومدى الاعتماد عليه في استشراف الخطى المستقبلية، فالعقل الواعي هو الذي يبصّرنا الخطوات العقلائية ويأخذ بأيدينا لاتخاذ القرار الذي يراعى المصالح وتجنب الخسائر قدر الإمكان، فالمواقف الحياتية على المستوى الأسري والاجتماعي تعتمد في تثمينها على مسارها المحافظ على الاستقرار والنجاح في التوصل لنتائج مفيدة ومثمرة، والمواقف المتسمة بالحكمة والموضوعية تخضع في ذلك إلى أصحاب عقول تستطيع أن تدير المشاهد بضبط الخطى والمشاعر والانفعال، فمشهد التوتر وتجاهل الآخرين وانتقادهم سلبيًا والدخول معهم في صراعات وخلافات هي نتاج عقول متحجرة أو متلحفة بعباءة الجهل، فالجهل هو العدو الحقيقي للإنسان وذلك أنه يقوده نحو الضياع والخسائر واتخاذ المواقف والقرارات الانفعالية التي ينجلي عنها بعد ذلك الغبار وتسفر عن مشهد الخسائر الفادحة، فمعيار الصداقة والعداوة هو ما ينتج عنه في مسيرة الإنسان المتأرجحة بين النجاح والتفوق أو الوصول إلى حافة الإخفاق وتسلسل المشاكل والأخطاء المتكررة.

العلاقة بين الإنسان وعقله علاقة مميزة وعميقة في تأثيرها، وهذا ما يطرح مسألة تكوين الزاد المعرفي والثقافي الذي يستطيع من خلاله أن يدير خطاه وقراراته وعلاقاته بإيجابية، فالمستقبل الواعد ليس بعبارة رنانة ترسمها الأحلام الوردية والأماني الواهمة، بل هو إدراك للحقائق وتوظيف للقدرات وتنميتها وفق الخطوط المرسومة للأهداف والغايات، كما أن المواقف الحياتية تحتاج إلى مرشد نرجع إليه لنستفهم حول المعطيات والحيثيات والاحتمالات والنتائج المتوقعة واختيار الأقرب منها والمتصف بالعقلائية والمنطقية قدر الإمكان، فالوقائع الحياتية لا يمكن فهمها وتمييزها وفق قواعد الإيجابية والسلبية إلا من خلال العقول الراقية المدركة للأحداث بصورة منطقية، فالظواهر والأحداث تخضع لنظام الأسباب والمعطيات والنتائج المترتبة عليها، وتحمّل المسئولية واتخاذ المواقف يعتمد بشكل رئيس على عقول تتصف بالبصيرة والحكمة والقدرة على مواجهة التحديات، فشخصية الإنسان تخضع في التوصيف بين القوة والضعف على المعيار العقلي وتوظيفه في المواقف الحياتية، إذ المواقف تتطلب قدرة على اتخاذ القرار الحاسم والسير بخطى ثابتة لا تخبّط ولا استهتار فيها.

وحالة الجهالة – التي تغمض العيون عن الحقيقة – لا تقتصر على جانب ضحالة المعرفة والانفتاح على القراءة والافتقار إلى مطالعة تجارب وخبرات الآخرين، بل تشمل مسار الغفلة عن الحقائق وتغييب العقل الرشيد عن الوقائع والتعامل بالأهواء والعواطف المتأججة (السلبية) وتحكمها في مسار الإنسان، كما أن الانغلاق الفكري وتجاهل رؤية الآخر وخلاصة أفكاره من طرق الجهل الذي يعادي به الفرد نفسه ويقودها نحو العمى الفكري والسلوكي، والنظر في عواقب الأمور ونتائجها والاتجاهات المحتملة لأية فكرة أو خطوة تحدد مسار الإنسان بين النجاح والإخفاق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى