في محراب المحبة الإلهية: قلوب تهيم عشقًا نحو السماء

أحمد الطويل
مقدمة:
حين تصرخ السماء باسمك، في زحمة الحياة، حيث الضجيج لا يهدأ، والغفلة تزاحم النبض، هناك قلوب تنبض، ولكنها لا تعيش. تمشي بين الناس ولكنها تائهة، تبحث عن شيء لا يُرى، ولا يُلمس، تبحث عن الله.
حين يناديك الله، ليس بصوت، بل بنداء في الأعماق، برجفة في القلب، بدمعة تسقط دون سبب، فاعلم أن الرحلة بدأت. رحلة العودة، رحلة العاشق إلى محبوبه الأزلي.
غبار التعلّق القاتل الصامت للنور
القلب خُلِق لله، ولكن كم أثقلته التعلّقات! كم خنقته أهواء صغيرة، وربطات واهية بغير الله!
يقول آية الله جوادي آملي: “القلب ميّال للحق، لكن التعلّق بغير الله يغدو غبارًا يعكر صفاءه.”
ويا لها من مأساة، أن تمتلك مرآة ولا ترى فيها وجه النور!
الخطوة الأولى ليست بكثرة السجود، بل بغسل القلب من حبّ ما لا يدوم. حينها، يتجلى النور.
العشق الإلهي، نار لا يُطفئها إلا القرب.
علامة العشق؟ أنه لا يُنسى، لا يُهدأ، لا يُشبع!
العلامة مصباح اليزدي قالها بوضوح: “من ذاق حبّ الله الحقيقي، لم يعد يحتاج زادًا ولا ماءً، ذلك الحب وحده حياة.”
إنه عشق يُشعل القلب، ويقلب الحياة. إنه لهفة دائمة، شوق لا يبرد.
ذاقوه فنسوا الدنيا واطمأنوا.
الرحمة باب لا يُغلق، حتى لو أغلقت كل الأبواب.
يقول الإمام الباقر (ع): “كلما عاد المؤمن بالتوبة، عاد الله بالمغفرة.”
عدْ مهما أخطأت، مهما انكسرت، مهما سقطت.
الله لا يملّ من سماع: “يا رب، اغفر لي”.
الحقيقة؟ ليس المؤمن من لا يُخطئ، بل من لا يفقد الأمل في العودة.
القناعة أن تمتلك الغنى دون أن تملكه
قال الإمام الصادق (ع): “انظر لمن هو دونك، تقنع بما قسمه الله لك.”
القناعة ليست فقراً، بل حرية!
هي أن تبتسم دون مقارنة، أن تفرح دون سبب مادي، أن تقول: “الحمد لله” من أعماق الرضا.
العودة إلى الله، أن تحيا بصدق، لا بظاهر الحياة لا تبدأ من شهادة ميلادك، بل من أول دمعة خشية، من أول سجدة شوق، من أول “يا رب” تخرج من قلبك لا من لسانك.
الله لا ينظر إلى حجم عبادتك، بل إلى حرارة قلبك حين تذكره.
الخلاصة:
النور يبدأ من قلبك، لا من حولك.
حين تطهّر داخلك من شوائب التعلّق، حين تمسح الغبار عن مرآة روحك، حين تشتهي الله كما لم تشتهِ شيئًا من قبل،
حينها، تعرف المعنى الحقيقي للحياة.
العشق الإلهي لا يعطيك سعادة مؤقتة، بل يملأك طمأنينة، ويحوّل كل ألم إلى قرب، وكل حرمان إلى هدية.
والتوبة؟ ليست بابًا يُطرق مرة، بل طريقًا لا يُغلق أبدًا لمن عاد بندمٍ وصدق.
وفي القناعة يكمن سرّ الغنى، لأنك تملك كل شيء حين تملك الرضا.
العودة إلى الله ليست لحظة بكاء فقط، بل نمط حياة. أن تسير في الأرض وقلبك في السماء، أن ترى الدنيا ولا تسكنها، أن تعيش له، به، فيه.
اللهم، اجعل قلوبنا مرايا تعكس نورك.
يا مقلب القلوب، يا نور الأرواح، طهّرنا من غبار التعلّق، واشرح صدورنا بنورك. ازرع فينا شوقًا لا يخبو، وعشقًا لا يفتر، وصدقًا لا يتلوّن. اجعلنا ممن إذا ذُكرتَ خشع، وإذا دُعيتَ لبّى، وإذا ناديتَ أجاب. اجعلنا نورًا في الدنيا، وأهل قُربٍ في الآخرة. يا الله اجعل قلوبنا لا تعشق سواك.