أقلام

مكبرات الصوت في الأعراس تخنق بهجة اللقاء وتشوه أناقة الفرح

حسين حسن الحاجي

في حفلات الزفاف، حيث تلتقي الوجوه المشتاقة وتتعانق الأرواح بعد غياب، يتوقع المدعو أن يعيش لحظة استثنائية عنوانها البهجة والوصال، لا أن يُحاصر بصخبٍ يكتم الأنفاس ويُعطّل الكلام. ومن العجيب أن يتحول صوت الإنشاد، ذلك الفن الطاهر الذي يُبهج القلوب، إلى مصدر إزعاج لا يُطاق حين يُضاعف عبر مكبرات الصوت ليغدو صخبًا يتعدى حدّ الذوق، ويُقاطع الحديث، ويُنغّص جمال اللقاء.

لا أحد يُنكر جمال أصوات المنشدين وروعة أدائهم، لكن الجمال إذا انفلت من عقال التوازن فقد نكهته، وتحول إلى عبء. فالمشكلة ليست في الإنشاد ذاته، بل في الوسيلة التي يُقدَّم بها؛ فحين تُرفع درجات مكبر الصوت، يتحول الحفل من واحة تواصل إلى ساحة ضجيج، تتعطل فيها لغة التواصل، وتضيع فيها حكايا الشوق بين الأقارب والأصدقاء، ويفقد العرس معناه الإنساني العميق.

 

بحسب تقديري، فإن سلبيات مكبرات الصوت في الزواجات لا تقف عند حدود الإزعاج فقط، بل تتعداها إلى مشكلات أكبر:

 

أولًا: طمس الهدف الاجتماعي للمناسبة، حيث يأتي كثير من الحضور لا لمجرد الأكل أو الاستماع، بل للتواصل مع الأقارب والتلاقي مع الأصدقاء.

ثانيًا: إثارة التوتر والانزعاج النفسي، خصوصًا لدى كبار السن والأطفال وأصحاب المزاج الحساس.

ثالثًا: تشويش على الأصوات الطبيعية؛ فلا يُسمع حديث ولا يُفهم كلام، بل يُضطر المدعو إما للصمت أو لمغادرة القاعة.

رابعًا: الإضرار بالصحة السمعية لمن يجلسون بالقرب من مكبرات الصوت.

 

من المؤسف أن يُختزل نجاح الحفلات في علوّ الصوت لا في جمال التقديم، وأن يُقاس حضور الفرقة بقوة الأجهزة لا برقي الأداء.

 

بكل تأكيد، إن الحل لا يكمن في المنع بل في الموازنة والذوق. فما الضير أن يصدح المنشدون بأصواتهم الطبيعية دون مضخمات؟ أليس في الصوت البشري الخالص بهجة تكفي؟ ألا تستحق آذان الضيوف أن تُكرَّم كما تُكرَّم بطونهم؟ وهل يعجز منشد محترف أن يُمتع من حوله دون أن يُغلق كل الأبواب على الحوار؟

 

البدائل التي يمكن طرحها هنا لمعالجة المشكلة:

 

أولًا: الاقتصار على الصوت الطبيعي للمنشدين دون مكبرات، خاصة في المساحات المغلقة والمتوسطة الحجم.

ثانيًا: تقنين وقت النشيد، وتقسيمه على فترات محدودة تتيح للناس وقتًا كافيًا للحديث واللقاء.

ثالثًا: استخدام مكبرات صوت منخفضة، بعناية هندسية، بحيث لا تُشوش على المحيط ولا تعتدي على مساحة التواصل.

رابعًا: تخصيص مكان للفرقة في طرف القاعة، يكون مهيأً للاستماع الطوعي لا الإجباري.

خامسًا: الاستعانة بأنظمة صوت ذكية، تُوجّه الصوت للجهة الراغبة في الاستماع دون تعميمه على الجميع.

نؤكد في الختام أن حفلات الأعراس تمثل ملتقيات إنسانية نادرة في عصر السرعة والانشغال، ومن الظلم أن نحرم الناس متعة اللقاء بدعوى الإمتاع السمعي. فلنعد قليلًا إلى الأصالة، ولنُحيِ روح الزواجات القديمة، حيث كانت الأصوات هادئة، والقلوب دافئة، والمجالس عامرة بالضحك والحديث، لا بالضجيج والإرباك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى