أغصان متدلية

السيد فاضل آل درويش
الإنسان وليد أفكاره وتصوراته حول المفاهيم المتعددة ومجمل مسار حياته وأسس إقامة علاقاته الاجتماعية وطريقة تعامله مع الآخرين، وتقديم المساعدة وصنع المعروف وإن كان المتصف بالأنانية وشح النفس لا يرى له محلًا في قلبه و كيانه، إلا أن أصحاب الفطرة السليمة ممن لم تتلوّث نفوسهم بالشغف بالمظاهر المادية والحياة المترفة والتقوقع حول الذات ، يرون سعادتهم وأوقاتًا جميلة يقضونها عندما يميلون إلى مهموم أو محتاج لتقديم المساعدة المناسبة له وإعادة رسم الابتسامة على محياه، فمدرسة الرقي الإنساني ونهج القيم تعلي شأن الإنسانية النبيلة وترى في مد يد العون لمسة بيانية في الحياة، فالإنسان حكاية لها تفاصيلها ومسارها وأحداثها ولن نجد منعطفًا زاخرًا كلحظات صنع المعروف، فالسلوك الإنساني إما أن يتسافل إلى البهيمية الحيوانية وقانون الغاب وتبلد الوجدان تجاه آلام وتأوهات الآخرين، وإما أن ترتقي إلى أعلى درجات النبل والوجود المعطاء، فهو العطر الفواح الذي يبقى أريجه يبث الراحة والسكينة في كل مكان حلّ فيه، ويبقى أثرًا في النفوس الطيبة لا يمكنها أن تنساه كيف وقد أعاد لهم روح الحياة والشعور بالانتماء والطمأنينة في المحيط من حولهم!!
ويدعونا الإمام (ع) بتشجيع منقطع النظير – عندما يأخذنا إلى موقف مستقبلي في عالم الآخرة – لنرى المكان المرموق والمميز والخصوصية في الجنان لمن كانوا عونًا وسندًا للآخرين، باب لأهل المعروف يختصون به للدخول إلى الجنة إعلاءً لما كانوا عليه في الدنيا من ضمير حي ونفوس طيبة لا تكلّ ولا تملّ من تقديم المساعدة للمحتاج، هم أصحاب الأيادي البيضاء والقلوب النقية التي رفعت الهموم والآلام عن الغير لا لغاية سوى سعادتهم بصنع المعروف وأنسهم بإعادة الحياة لغيرهم، ما كان لهم غرض مادي ولا طلب لوجاهة اجتماعية بين الناس بل كل همهم رضا المعبود، وها هم في يوم المحشر يمرون على الصراط إلى رضوان الله تعالى عبر باب التكريم والتقدير لأرواحهم الطيبة ومسعاهم المشكور.
وهكذا نلج في ميدان التنافس والتسابق في صنع المعروف وتحقيق الطمأنينة لأصحاب الحاجات، فهناك باب ينتظر الذين عملوا الخير والمعروف للآخرين وفق منظومة القيم و المباديء الإنسانية التي تحلوا بها، فهم ينفتحون على حاجات الآخرين المادية والمعنوية ويبذلون جزءًا من أوقاتهم وجهودهم في سبيل إسعاد الغير وتخفيف الهموم و الآلام النفسية عنه، وروح العطاء الذي يمتازون به ينعكس على تعاملهم على مستوى الأسرة والأرحام وعلى المستوى الاجتماعي مع جيرانهم وأصدقائهم، فالمعروف جزء من أسس تقوية العلاقات الاجتماعية واستظلال الجميع تحت مظلة التكاتف والتعاون والمعروف، والمعروف يبدأ من أمور بسيطة كاحترام الغير و إشاعة روح التسامح والابتسامة الصادقة والكلمة الطيبة والتعامل بلطف وحسن.