أقلام

النوادر الياسرية 3.. ألقاب مجانية

ياسر بوصالح

قلت: ورحل رمز العطاء، ورحل شيخ العطاء، ورحل رجل العطاء، ورحل سيد العطاء، ورحل عم العطاء، ورحل ابن خالة عمّ جد أم العطاء!

ألا تلاحظون، أنتم معاشر إعلاميي برامج التواصل الاجتماعي، أنكم تجيدون فنّ توزيع الألقاب الرنانة كلما رحلت شخصية ذات ثقلٍ ماديٍّ من مجتمعها؟ ولا أدري: أهو مجاملة لذوي المرحوم، أم سينالكم من الحب جانب؟ أم – إذا أحسنا الظن بكم – لعلكم تشجعون ذويه على السير على خطى فقيدهم في العطاء؟

لكني، في الوقت ذاته، أبقى متسائلًا: هل هذه الألقاب ممدوحة أم مذمومة؟ وهل ينبغي أن يتبارى الناس لتسجيل مكارم كل من ساهم في بناء مسجدٍ أو صرحٍ خيري؟ أم بالعكس، لا ينبغي ذلك؟ فالأصل أن المرحوم عندما تبرّع كان يهدف بذلك إلى وجه الله خالصًا، مخلصًا له سبحانه.

فرد صاحبي الإعلامي مزمجرًا، وسجل نقطة نظام كما يُقال، وقال: ”نعم، بالتأكيد، الأصل في العطاء أن يكون خالصًا مخلصًا لوجهه الكريم، ولكن حنانيكَ، بعضُ الشرّ أهونُ من بعض [1] ؛ فذلك شأنُ الأنبياء والصالحين والأولياء، أما الإنسان العادي، بطبيعته، يحبُّ المدح، ويرتاح إلى أن تُدَغدَغ مشاعره بالثناء، فتراه يرفع سقف كرمه مع كل إطراء، على طريقة: يا غلام، أعطه ألف دينار، وأرفقها بجبة خز من أقمشة محلات بوصالح الفاخرة!“

ولعلّ —كما يقول النحاة— تفيد الترجي والإشفاق، وأكرر: لعلّ الشريعة عندما أفردت عنوانين: عنوان لصدقة السر، وآخر لصدقة العلن، كانت آخذةً بهذا اللحاظ؛ أي أن المتصدق يحب أن يُمدَح في العلن حينما يتصدق بشيء كبير، أو يتبرع لأمرٍ خيريّ.

أما قرأت قوله سبحانه ﴿وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ﴾ [2] ؟

فقلت له: لعلّك أيها المتحذلق تجيد فن المغالطات، فبكل بساطة، صدقة السر أقرب إلى الإخلاص، وصدقة العلن هي من باب تشجيع الآخرين على العطاء؛ ففي أيّ خبّاز خبزت فكرتك حين قلت إنّ صدقة العلن شُرعت لكي يُمدَح المتصدق؟!

فردّ بنبرة غاضبة: ”أنت قلتها بنفسك… تشجيع الآخرين على العطاء؟“

لذلك، نحن معاشر الإعلاميين، عندما نهب هذه الألقاب المجانية لهذا أو ذاك، فهي من باب تكريس حالة العطاء في المجتمع.

قلت: ”ما أشدّ براعتك في اقتطاع ما يحلو لك من عناوين وتوظيفها في غير مكانها!.

فرد عليّ قائلًا: ”وأنتم، معاشر المتحذلقين، ما أكثر ثرثرتكم، وما أكثر نقدكم، وكأنكم وكلاء الله في أرضه [3] دون أن يكون لكم أثر فاعل في المجتمع!“

وبقينا هكذا في حالةٍ من المناكفة حتى الصباح، إلى أن انتهى فيلم السهرة العربي، ومضى كلٌّ منا إلى سبيله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى