أقلام

فاتورة زواج بصفقة فاخرة

عماد آل عبيدان

برُكن قلبِ عاشقٍ صادق، لا تزال الحكاية تتكرر

شابٌ يشعل روحه شغفًا، يحلم ببيتٍ صغيرٍ فيه دفءُ المودة ووسادة واحدة تكفي اثنين.

لكن، ما إن يطرق بابًا حتى يُفتَح له دفتر حساب!

هل أصبحت القلوب تُشترى؟ أم أن الحب يُغلف بكروت الفيزا؟

كلما همّ أحدهم ببناء حياة، صادف على الطريق معرضًا للأثاث، وآخر للفساتين، وثالثًا للمطالب التي تتكاثر كالفطر بعد المطر:

مقدم، مؤخر، سيارة، سكن مستقل باسم العروس، ذهب لا يقل عن ١٠٠ غرام، ومصور بعيون أربعة عدسات، ووليمة تكفي قبيلتين معًا.

والمصيبة؟ أن هذه اللائحة الطويلة ليست نهاية المطاف، بل بدايته.

وإذا أردت الصراحة – دون زعل من أحد – فبعض هذه الطلبات ليست مجرد تفاصيل، بل ألغام موقوتة تُزرع في طريق الزوجين، قد تنفجر بعد أشهر من العُرس حين يهبط الحماس، وتبقى الأقساط تطرق الباب كل أوّل شهر دون موعد مسبق.

من الحب إلى الحسب: كيف فقد الزواج براءته؟

تُرى، منذ متى أصبح العريس مرشحًا في مزاد؟

تُفحص كفاءته لا بما يحمل من قيم، بل بما يحمل في جيبه.

وتُقوّم أهليته لا بخلقه وعقله، بل بماركة سيارته وسقف شقته وعدد علب الحلوى التي يستطيع دفع ثمنها.

لكن لحظة… خلونا نضحك شوي!

هل تعلم أن بعض الشباب بات يُجيب بصدق تام إذا سُئل عن حالته الاجتماعية:

“أنا متزوّج من القسط الشهري، وعايش مع الحُلم… في بيت الإيجار.”

ولعلّ هذه الضغوطات غير المنطقية – واللي ظاهرها تهنئة وباطنها قصف أعصاب – هي ما أدّت إلى *العزوف عن الزواج* عند الكثير من الشباب.

لا لأنه لا يريد أن يتزوّج، بل لأنه لا يستطيع التقدّم لمقابلة والد العروس إلا برفقة البنك!

ومن هنا صار الحب مشروعًا مؤجّلًا، والزواج خطة ما بعد التقاعد.

الخطوبة: حبّ تحت المجهر أم إعلان نوايا مزيفة؟

آه الخطوبة… تلك المرحلة التي يُفترض أن تكون وردية، فإذا بها تتحوّل إلى مسلسل تحقيق درامي، بطولة الأهل، وضيوفه الجيران، ونهايته غالبًا :

“مو مرتاحين… نعتذر.”

هي ليست دائمًا حبًّا تحت المجهر… بل احيانًا مزاد نوايا.

هي ليست لقاء الأرواح، بل اختبار قدرات البنت على طبخ الكبسة، والبَحث في آخر واتساب العريس.

هي ليست مرحلة تقارب، بل مقارنة بين “ويش لبست أختك” و”متى بيجيب الذهب؟”.

الخطوبة يا سادة… تحوّلت عند البعض إلى إعلان تجاري طويل المدى، ينتهي بانسحاب المعلنين!

الزواج الحقيقي والزواج السينمائي: فرق بين الواقع والإخراج

الزواج الحقيقي يشبه وجبة منزلية دافئة… قد لا تبدو “انستغرامية”، ولكنها مشبعة.

أما الزواج السينمائي؟ فدعنا نقول: هو ذاك الذي يبدأ بصورة على سطح القمر وينتهي بمكالمة على سطح المحكمة!

الزواج الحقيقي ينهض من نومه ليتجادل حول نوع الجبن، ويضحك لأن القهوة انسكبت على الطاولة، ويغفر لأن القلب أكبر من الغضب.

أما الزواج السينمائي؟

فهو ينام على موسيقى تصويرية، ويصحو على “ستوريات”، وينكسر على أول فاتورة!

المشكلة ليست في الحب، بل في التوقعات.

حين نطلب من الزواج أن يكون فيلمًا رومانسيًا مستمرًا، نكتشف أنه فيلم واقعي جدًا… بدون مونتاج!

عزيزي المجتمع: أنت تضع العقبات ثم تستغرب لماذا لا يطرق الشباب الأبواب!

متى ننتبه أن ما نفعله احيانًا باسم “العادات” و”الوجاهة” هو في الواقع ما يدفع بنا إلى ارتفاع نسب الطلاق؟

نعم، لنقُلها بوضوح:

زواجٌ يبدأ تحت ضغط التكاليف، كثيرًا ما ينتهي تحت ركام المشكلات.

فذاك الذي اقترض ليتزوج، وأجّل قسط التعليم، ووقف على أطراف أصابعه كي “يُرضي العُرف”، قد لا يملك نفسًا طويلًا لتحمّل مسؤوليات الزواج بعد أن ينقضي حفل الزفاف وتبدأ الحياة الحقيقية.

وحين تصطدم الأحلام بجدران الواقع، يكون أول خلاف بسيط… هو آخر صفحة في الرواية.

الآثار الجانبية لعُرسٍ مُترف:

1. زواج يبدأ بالدّين، ينتهي بالأنين.

2. قلق لا ينتهي بعد الزفاف.

3. وهم التوقعات المبالغ فيها.

4. زواج بلا روح، مليء بالمظاهر.

5. طلاق بارد، يبدأ من “فستان بـ١٠ آلاف” وينتهي بـ “أنا ما اتزوجت ديون”!

الحل؟ أن نستعيد الوعي، لا نُخفض المهر فقط!

لسنا ضدّ الفرح ولا الجَمال، ولسنا ضدّ أن تتأنق ابنتكم وتُزف على صهوة الفرح،

ولكننا مع أن يبقى الزواج “مُمكنًا”، لا معجزة من السماء.

مع أن نختار الرجل لا الرصيد.

مع أن نفهم أن البيت لا يُبنى بالمفروشات بل بالمعاني.

أن القلوب إذا تحابّت، لا تحتاج أكثر من سقف من طمأنينة، لا رخام أبيض بنقشة إيطالية.

والأهم… دعوا الحب يُزف أولًا.

ليكن العرس احتفالًا برباط أرواح، لا صفقة مساومة.

وليرقص القلب أولًا، لا الضيف فقط.

فمن نَسِيَ أن الحبّ يبدأ من “نعم”، سيتذكّره حين يصبح في قلب الطلاق يقول: “كفى!”

الحب لا يُقاس بعدد الضيوف، ولا بماركة الكوشة.

بل بقدرة اثنين على مواجهة الحياة سويًا، بيدين متشابكتين، وقلوب تعرف أن “الحياة الزوجية” ليست سهرة واحدة… بل عمرٌ كامل من التفاهم، والمغفرة، وبعض البساطة.

أجمل زواج، هو ذلك الذي يبدأ بخاتمٍ بسيط… ولكن يحمله رجلٌ عظيم.

والبساطة… ليست فقرًا، بل أناقة الروح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى