المترجم : عدنان أحمد الحاجي
بقلم ميغان ويليس، أستاذة مشاركة، كلية العلوم السلوكية والصحية، الجامعة الكاثوليكية الأسترالية.
أصبح تشخيص النرجسية تشخيصًا يعتمد الرأي الشخصي الخالي من الخبرة أو التخصص في هذا الزمان. تعج وسائل التواصل الاجتماعي بناس يلصقون النرجسية بأي كان. يبدو أن كل شريك سابق نرجسي، وبعض الأزواج قد يكونون موضع شك، وحتى زميل العمل الشرير؟ قد ينطبق عليهم وصف النرجسية أيضًا.
دقة هذه التشخيصات المتفشية تسوغ للشك فيها. لكن الحقيقة هي أن النرجسيين موجودون بالفعل. في أقصى حالاتها، تُعد النرجسية (1) تشخيصًا نادرًا للاضطرابات العقلية، يُعرف باسم اضطراب الشخصية النرجسية (2). لكن النرجسية تنطبق أيضًا على مجموعة من سمات الشخصية، والتي نتعرض لها جميعًا بدرجات متفاوتة.
بالنسبة لأولئك الذين هم على مقربة لصيقة بشخص يحمل درجات عالية من سمات النرجسية، نادرًا ما يخرجون سالمين منه. لكن قد تترك هذه التجربة أسئلة عالقة في الذهن. على سبيل المثال، ما السبب الذي جعله بهذه الصفة؟
في دراسة حديثة انطوت على تحليلٍ تلويٍ (3)، جمعتُ أنا وزملائي دراساتٍ تبحث في العلاقة بين النرجسية وأنماط التعلق لدى الراشدين [20 سنة وأكبر]، بما فيها الصداقات والعلاقات بين شركاء الحياة (4). تُقدّم نتائجنا قرينة مهمة، لا سيما فيما يتعلق بالأسباب المحتملة للنرجسية الخفية (5).
أنواع النرجسية
هناك نوعان رئيسان للنرجسية.
نرجسية العظمة [أو هوس العظمة] (6) هي ما يتبادر إلى الذهن عادةً. تتميز بأسلوب علاقات شخصية علنية وعدوانية ومسيطرة بشكل واضح. في المقابل، تتميز النرجسية الخفية بالانطواء، وفرط الحساسية للنقد [لا يقبل أن ينتقده أحد] واتقائي [عادة يحمي نفسه بتبرير أفعاله وتصرفاته]، والشعور بالعظمة يستبطن حالة متزعزعة وغير آمنة تُخفي هشاشة في تقدير الذات (7).
السمات العدائية، مثل الشعور بالاستحقاق النفسي المتضخم (8)، والتلاعب [نوع من التأثير الاجتماعي الذي يهدف إلى تغيير نظرة أو سلوك الآخرين من خلال تكتيكات مسيئة أو خادعة أو خفية] (9)، وألامبالاة وعدم الاكتراث (10) بالآخرين، تكمن في جوهر كلا النوعين من النرجسية. وهذا يُساعد على تفسير صعوبات العلاقات الاجتماعية البينية المرتبطة بكل من نوعي النرجسية (11).
وقد ارتبطت النرجسية الخفية، على وجه الخصوص، بمجموعة من السلوكيات الضارة في العلاقات العاطفية. فالأفراد الذين لديهم مستوى عالٍ من هذه السمة هم أكثر عرضة للانخراط في قصف الحب [محاولة لـتأثير شخص ما من خلال إظهار الاهتمام والمودة. يمكن استخدامه بطرق مختلفة ولأغراض إيجابية أو سلبية.] (12)، والاختفاء [التوقف عن الاتصال والتواصل مع شريك أو صديق من دون أي تحذير واضح أو مبرر وبالتالي تجاهل أي محاولات للوصول أو الاتصال به] (13)، التواصل المتقطع للحفاظ على اهتمام الشريك أو الصديق دون الالتزام بعلاقة جادة. مما يسبب حالة من عدم اليقين وخيبة أمل لدى الشريك أو الصديق. (14).
كما أنهم يميلون إلى الإبلاغ عن انخفاض في مستوى رضاهم عن علاقاتهم البينية (15)، وتبني مواقف أكثر تساهلاً تجاه الخيانة الزوجية (16)، وارتكاب عنف شركاء الحياة بمعدلات عالية (17، 18).
تقترح نظرية التعلق (19) أن تجاربنا الأولى (في مرحلة الطفولة) مع الوالدين تُشكل معتقداتنا الأساسية عن أنفسنا والآخرين [المعتقدات الأساسية هي أهم الأفكار التي يحملها الشخص عن نفسه والآخرين ومحيطه. وهي بمثابة عدسة ينظر من خلالها إلى كل موقف وتجربة في حياته (20)]. ويُعتقد أن هذه المعتقدات تستمر حتى مرحلة الرشد (20 سنة وأكبر]، وتؤثر في كيفية ممارستنا لعلاقاتنا مع الآخرين في مرحلة الرشد وكيفية تعاملنا معها وإدارتها. لو شعرنا بالأمان والمحبة والدعم في طفولتنا، فمن المرجح أن تكون لدينا نظرة إيجابية لأنفسنا والآخرين. هذه هي السمة المميزة للتعلق الآمن (20)، الذي من شأنه أن يُرسي أسس علاقات صحية ومستقرة في مرحلة الرشد.
ولكن عندما تتسم العلاقات في مرحلة الطفولة بالإهمال أو التناقض في السلوك [تقلب في السلوك فمرة بنحو الإيجاب وأخرى بنحو السلب] أو إساءة المعاملة، فقد تُؤدي إلى أنماط تعلق غير آمنة. نماذج التعلق لدى الراشدين (4، 21) عادةً تنطوي على ثلاثة أنواع من التعلق غير الآمن.
تنشأ الشخصية التجنبية من نظرة سلبية للذات ونظرة إيجابية للآخرين. غالبًا ما يشعر الذين يتبنون هذا النمط بعدم استحقاق الحب، ويبحثون عن الطمأنينة الدائمة في العلاقات، خوفًا من الرفض والهجر.
ينشأ التعلق الرافض (التجنبي) من نظرة إيجابية للذات ونظرة سلبية للآخرين. يميل هؤلاء الأفراد إلى إعطاء الأولوية للاستقلال بمفردهم على تكوين علاقة حميمة. ونتيجة لذلك، غالبًا ما يجدون صعوبة في تكوين روابط اجتماعية عميقة.
ينطوي التعلق القلق على آراء سلبية تجاه الذات والآخرين. عادةً ما يتوق أصحاب هذا النمط للتواصل مع بعضهم بعض، لكنهم يخشونه في الوقت نفسه، مما يؤدي إلى ديناميكيات دفع وجذب في العلاقات.
نمط مثير للاهتمام
في تحليلنا التلوي، جمعنا نتائج 33 دراسة نشرت سابقًا شملت أكثر من 10 ألاف مشارك لدراسة مدى ارتباط النرجسية بكل من أنماط التعلق الأربعة للراشدين (22). وبشكل عام، ارتبطت النرجسية بكل من أنماط التعلق الثلاثة غير الآمنة.
ولكن عند الأخذ في الاعتبار نوعي النرجسية كل على حدة، ظهر نمط مثير للاهتمام. فقد ارتبطت النرجسية الخفية باستمرار بأنماط التعلق غير الآمن، مع اقترانات متوسطة القوة بأنماط التعلق المَرٓضي والقلق [التعلق المرضي أو القلق preoccupied attachment هي أن يكون لدى الشخص شعور مبالغ فيه بالتعلق بالأشخاص المهمين في حياته أو بشريكه العاطفي، ما يجعله يشعر برغبة شديدة في القرب من المحبوب (سواء الأم في الطفولة أو الزوج والزوجة في سن الرشد)]. في المقابل، لا يبدو أن هناك علاقة بين هوس العظمة وبن أنماط التعلق غير الآمن.
هل يعني هذا أن التعلق غير الآمن يُسبب النرجسية الخفية؟ ليس بالضرورة. الدراسات التي راجعناها كانت “ذات علاقة تلازمية”، أي أنها بحثت في العلاقات التلازمية، لا في العلاقات السببية. لذا، لا يمكننا القول أن أنماط التعلق تُسبب النرجسية الخفية. للإجابة على ذلك، نحتاج إلى بحث طولي يتتبع الأشخاص لفترة زمنية طويلة.
مع ذلك، تشير نتائجنا إلى أن التعلق غير الآمن – وخاصةً أنماط التعلق المٓرٓضي والقلق – قد يُشكل عامل احتمال مهم في الإصابة بالنرجسية الخفية.
بالطبع، ليس كل من لديه نمط تعلق غير آمن لديه مستويات عالية من النرجسية الخفية. ومع ذلك، قد تظهر النرجسية الخفية لدى البعض كاستراتيجية اتقائية للتكيف، وتنشأ عندما تتسم علاقاتهم في مرحلة الطفولة بالتناقض (مرة ايجابًا ومرة سلبًا] أو الإهمال أو إساءة المعاملة.
الشفاء من الصدمات النفسية في مرحلة الطفولة
أنماط التعلق تميل نحو الثبات طوال حياة الشخص (23)، إلا أن التغيير وارد. يمكن للعلاجات التي تركز على التعلق، مثل العلاج بالمخططات (24، 25) والعلاج المرتكز على العاطفة (26)، أن تساعد الأفراد على الشفاء من صدمات التعلق النفسية وبناء أنماط علاقات أكثر أمانًا. قد تكون هذه الأساليب نافعة بشكل خاص لمن لديهم مستوى مرتفع من النرجسية الخفية.
في الوقت نفسه، من المهم أن تحصل العائلات على رعاية صحية نفسية مجانية وفي الوقت المناسب، حتى يتم دعم الأطفال لمعالجة الصدمات النفسية والتعافي منها قبل أن تؤثر في علاقاتهم الاجتماعية في مرحلة الرشد، وعندما يكبرون، يستفيدون منها في طريقة تربيتهم للأجيال القادمة.
لكن الوقاية خير من العلاج.
دعم أولياء الأمور لتوطيد علاقات آمنة مع أطفالهم وتزويدهم بالأدوات اللازمة لتربية أطفالهم بفعالية (وعاطفيًا) يعد أمرًا بالغ الأهمية. وهذا أمرٌ مُلِحٌّ بشكل خاص في ظلّ الارتفاع المُقلق لمعدلات إساءة معاملة الأطفال في بعض الدول، بما في ذلك العنف النفسي (27) والجسدي والإهمال – وكلها مرتبطة بالإصابة بالنرجسية الخفية.
لا داعي للانتظار طويلًا لتشهد تكلفة غضّ الطرف عن هكذا ممارسات خاطئة.
مصادر من داخل وخارج النص
1- https://ar.wikipedia.org/wiki/نرجسية
2- https://ar.wikipedia.org/wiki/اضطراب_الشخصية_النرجسية
3- https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S019188692500217X?via=ihub
4- https://ar.wikipedia.org/wiki/التعلق_في_الراشدين
5- “النرجسية الخفية: covert (vulnerable) النرجسي الخفي هو شخص تظهر عليه أعراض وعلامات اضطراب الشخصية النرجسية بحيث يرغب في الحصول على الإعجاب أو الأهمية من قبل الآخرين، ولكن غالباً ما يخفي العلامات الأكثر وضوحاً، لذلك قد يكون من الصعب التعرف عليه في بعض الأحيان. مقتبس من نص ورد على هذا العنوان:
https://blog.arabtherapy.com/النرجسي-الخفي-المعلومات-الكاملة/
6- https://ar.wikipedia.org/wiki/هوس_العظمة
7- https://ar.wikipedia.org/wiki/تقدير_الذات
8- https://ar.wikipedia.org/wiki/استحقاق
9- https://ar.wikipedia.org/wiki/تلاعب_نفسي
10- https://ar.wikipedia.org/wiki/لا_مبالاة
11- https://psycnet.apa.org/doiLanding?doi=10.1037/abn0000298
12- https://ar.wikipedia.org/wiki/قصف_الحب
13- https://ar.wikipedia.org/wiki/اختفاء_(في_العلاقات)
14- https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/S0736585323000497?via=ihub
15- https://www.tandfonline.com/doi/full/10.1080/15298868.2019.1707272
16- https://psycnet.apa.org/doiLanding?doi=10.1037/fam0001126
17- https://journals.sagepub.com/doi/10.1177/15248380231196115
18- https://ar.wikipedia.org/wiki/عنف_الشريك_الحميم
19- https://ar.wikipedia.org/wiki/نظرية_التعلق
20- https://www.therapistaid.com/worksheets/core-beliefs-info-sheet
21- https://psycnet.apa.org/record/1991-33075-001
22- https://ar.wikipedia.org/wiki/اضطراب_الشخصية_الاجتنابي
23- https://journals.sagepub.com/doi/10.1207/S15327957PSPR0602_03
24- https://theconversation.com/im-a-failure-how-schema-therapy-tackles-the-deep-rooted-beliefs-that-affect-our-mental-health-250789
25- https://ar.wikipedia.org/wiki/علاج_تخطيطي
26- https://ar.wikipedia.org/wiki/علاج_مركز_عاطفيا
27- https://ar.wikipedia.org/wiki/عنف_نفسي
المصدر الرئيس
https://theconversation.com/what-makes-somebody-a-narcissist-mounting-evidence-suggests-links-to-insecure-attachment-styles-257468
