أقلام

الحيوان بين الإفراط والتفريط

كميل السلطان

منذ أن خلق الله سبحانه وتعالى آدم عليه السلام وهبط به إلى الأرض ارتبط وجود الحيوان بالإنسان، فسخر له بهيمة الأنعام يعيش ويأكل منها؛ فاشتغل ابني آدم هابيل وقابيل في رعي الأغنام والزراعة، فكانت هي القربان التي فصلت بين هابيل وقابيل فيما شجر بينهما، وكانت هي المعلم للإنسان. حينها عندما بعث الله الغراب ليعلم قابيل كيف يواري جثمان أخيه بعد قتله.

لا يمكن فصل وجود الحيوان عن الإنسان فالعلاقة بينمها تكاملية وسببية، واستمرت إلى يومنا هذا فوجود الحيوانات سبب لاستمرارية الإنسان وتكامل معيشته، ولا يمكن للإنسان أن يعيش دونها، بل وهي سبب تطور الإنسان واكتشافه لكثير من الاختراعات الي أسهمت في تذليل الصعوبات وتذليل العقبات في حياته، فاستفاد من نمط معيشة الحيوانات ليقوم بمحاكاتها تارة أو صنع أمور على غرار ما تمتلكه الحيوانات للاستفادة منها في التكيف، وتسهيل المعيشة، وتطوير ذاته وحياته، على سبيل المثال فقد استفاد الإنسان من الطير بمحاكاته وتقليده إلى أن وصلنا اليوم إلى هذا التطور الهائل في مجال المواصلات الجوية والتنقلات، فالعلاقة كما وصفتها هي علاقة تكاملية فكما استفاد الإنسان من وجود الحيوان فالحيوانات أيضًا استفادت من وجود الإنسان، فبعض الحيوانات تحتاج إلى الإنسان في حياتها لتقديم الرعاية والعناية والحماية لها، فتضمن بذلك تكاثرها وبقائها، ومما لا شك فيه أن وجود بعض الحيوانات قريبة من الإنسان يعد خطرًا وكسرًا لتنظيم البيئة والغريب حقًّا قيام البعض بتدجين السباع وتدريبها، إلا أنه لا يمكن تغيير فطرتها فتبقى خطرة في أية لحظة، وهذا برأيي تمادٍ في العلاقة بين الحيوان والبشر.

وعلى سبيل المثال أيضًا، ومن هذا المثال تتضح أهمية وجود الحيوانات في حياة الإنسان وهو ما أمر الله سبحانه وتعالى نبيه نوح عليه السلام بأن يأخذ في سفينته من كل زوجين اثنين حفاظًا على حياة تلك الحيوانات في الأرض وضمانًا لاستمرارية تكاثرها، لأهمية وجودها سواء من ناحية التوازن البيئي أو لمنافع الكون والإنسان، التي توفرها تلك الحيوانات له بما سخره الله فيها.

﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ﴾. (سورة الأنعام آية 38)، في هذه الآية إشارة ودلالة على أن حياة الحيوانات حياة تحكمها قوانين وسنن أودعها الله فيها لتنظيم نمط معيشتها وهو نمط يتضح من خلال الآية الكريمة بأن الحيوانات لا تعيش الفوضى كما قد يتصور البعض، وبتتبع بعض أنماط الحيوانات وصورها الآن مع تقدم العلم نستطيع اكتشاف الكثير من تلك الأنماط التي تدل على عظمة الخالق وإبداعه، فسلوكيات بعض الحيوانات مرهونة بعلة الحيوانات وغريزتها، وفطرتها دلالة واضحة أيضًا على العناية الإلهية لهذه الحيوانات، وهذا باب يطول الحديث عنه وفيه، ولا يسع المجال لذكر الشواهد هنا، وإن كنت أراهن أنها لا تغيب عن أحد.

ذكرت قصص كثيرة للحيوانات في كتاب الله، وكان لها دور بارز في أحداث مفصلية في تاريخ البشرية، فمثلت دور المعلم كما فعل الغراب، ودور الجند كما هو حال طيور الأبابيل، ودور العبرة. فضرب الله بها الأمثال، ودعا للتفكر فيها دعوة تأمل في عظمته، فسميت كثير من السور القرآنية بأسمائها، ناهيك عن ذكر الكثير من الحيوانات في كتاب الله، كما أن الله سبحانه وتعالى أوحى إليها مثل النحل حين أوحى الله إليها بأن تتخذ من الجبال بيوتًا وقد سخر الله سبحانه وتعالى الكثير من الحيوانات للإنسان في كثير من الآيات قال تعالى: {وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (٨) )- سورة النحل – وكثير من الآيات صرحت بما يمكن للإنسان أن يستفيد منها في مواطن ومواضع كثيرة، من ناحية المأكل والملبس والاستفادة منها في المسكن والتنقلات والعلاج والزراعة والمهن والحراسة والصيد بل حتى الزينة، هذه العلقة بين الحيوان والإنسان علقة أبدية فهي أمر فطري لا يمكن التخلي عنه أو تجاوزه ناهيك عن إنكاره، حقيقة إن وجود الحيوانات هي نعمه من نعم الله سبحانه التي منَّ الله بها على الإنسان .

ظل الإنسان في هذه العلاقة بينه وبين الحيوان منذ القدم فكانت الحيوانات ملازمة للإنسان طيلة حياته، بل حتى في الوقت القريب كانت في البيوت أماكن مخصصة للحيوانات تعيش فيها مع الإنسان يعولها ويقوم على رعايتها والاهتمام بها والاستفادة من منتجاتها، ومع تغير أنماط المعيشة غادرت الحيوانات أو بالأحرى هُجَّرت من بيوتنا ربما إلى أماكن غير سكنى الإنسان كالمزارع، واقعًا فقدت بيوتنا بركة وجود هذه الحيوانات وأثرها، فاصبحنا نهتم بطرق وأساليب إبعادها ومنع تواجدها بأي سبيل في بيوتنا أو حتى ما ينفعهم فيها، فتصاميم البيوت الهندسية الآن تأخذ بعين الاعتبار عدم ترك مجال للطيور بأن تجد لها سبيلًا على النوافذ، وسدت الأبواب على القطط لئلا تجد لها مأوى أو طعام يسد جوعها. وهي ما عبرت عنها الروايات بأنهم من الطوافين والطوافات علينا في البيوت وأمرنا بإطعامها، كما أن الله يدفع البلاء عن أهل الدار بموتها، واقعًا أن افتقادنا لكثير من البركة في حياتنا المعاصرة ربما يكون أحد أسبابها هو إبعادنا هذه الحيوانات عن منازلنا ومحاربة تواجدها فيها، فحبذا لو كان في كل بيت حيوان وإن كان طيرًا فتحل فيه البركة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى