لعبة الفهد – الحلقة الثامنة: تسلل غير مسبوق

إبراهيم الرمضان
اجتمع فهد مع أفراد خليته، حيث كان خالد من بين الحاضرين، مستمعًا باهتمام بينما كان فهد يشرح خطته الجريئة.
فهد (بجدية وهو ينظر للجميع):
– إسقاط الطاغية أبي مشاري لن يكون بالأمر السهل، علينا أن نتحرك بحذر وذكاء، وإلا فإننا سنصبح هدفًا سهلًا له.
كان الجميع ينصت بتركيز، مدركين أن أية مواجهة مباشرة مقبلة مع أبي مشاري ستكون انتحارًا، ومن ناحية أخرى تلك الرقابة اللصيقة التي يفرضها البحث الجنائي بقيادة النقيب مدرك لتحركات فهد. لذلك، قرر فهد اللجوء إلى حيلة ذكية تتيح له التحرر من المراقبة، وتضليل أعين أبي مشاري.
فهد (مكملًا الخطة):
– لإرباك مصادره وأعينه، من الأفضل أن أكون من الناحية الرسمية والنظامية خارج البلاد، ولكن في الواقع، سأكون أقرب مما يتخيل.
خالد (رافعًا حاجبه بدهشة):
– تقصد أنك ستختفي عن الرادارات وتعيد الدخول بطريقة غير نظامية؟! ألهذا سألتني عن جلمود؟
فهد (بابتسامة جانبية):
– بالضبط.
سبق لخالد أن أخبر فهد بوجود قريب له في الدولة المجاورة يُدعى “جلمود”، وهو على علاقة وطيدة بالمهربين، الأمر الذي سيجعل التسلل سهلًا بمجرد أن يصل إليه. ولكن كانت هناك مشكلة؛ فلا يمكن لفهد مغادرة البلاد ببساطة ثم العودة خلسة، فعيون أبي مشاري تراقب كل شيء، كما أن البحث الجنائي بقيادة النقيب مدرك قد لا يغفل عن تحركاته. ولذا، كان لا بد من خطة تجعل الجميع يعتقد أنه غادر رسميًا إلى دولة إفريقية بعيدة، لا تربطها اتفاقيات تبادل معلومات مع بلاده، بينما في الواقع، يجب أن تهبط الطائرة اضطراريًا في الدولة المجاورة، ليتمكن من التسلل هناك.
أبو موسى، بعد تفكير قصير:
– يمكنك أن تجعلهم يصدقون أنك غادرت، في هذه الحالة سنحتاج إلى فاعل خير إلكتروني… نفسه الذي جربتموه سابقًا.
قام أبو موسى حينها بفتح الشاشة ليتواصل مع المجرم الإلكتروني الغامض، معروف في الأوساط المظلمة بـ”X-Shadow”، مجرم إلكتروني مختص في اختراق الأنظمة والتلاعب بالبيانات، وسبق أن ساعد العصابة في تعطيل أنظمة المراقبة بفندق أبي مشاري وكذلك قصره، وتلاعب بأجراس الإنذار وقطع الكهرباء.
أبو موسى (مخاطبًا الفريق):
– هذا الرجل سيجعل الطائرة التي سيستقلها فهد تهبط اضطراريًا في الدولة المجاورة بحجة وجود قنبلة على متنها، مما سيسمح لفهد بالنزول والاختفاء في الفوضى.
وصل فهد إلى المطار، وأنهى إجراءات السفر دون أية مشكلة. صعد إلى الطائرة وهو يراجع التفاصيل الأخيرة في ذهنه، وما أن استقرت الطائرة في الأجواء حتى بدأ العد التنازلي.
في مكانٍ ما، داخل غرفة مُظلمة، جلس X-Shadow أمام شاشاته، وبدأ بإنشاء مكالمة وهمية باستخدام رقم دولي مزيف، اتصل بمركز مراقبة الطيران في الدولة المجاورة بصوت مُشوَّه:
X-Shadow (بصوت مقلد):
– أنا فاعل خير، الطائرة المتجهة برقم XXX-221 تحمل قنبلة، عليكم إنزالها فورًا!
وصل البلاغ إلى الطيار، وما هي إلا دقائق حتى بدأ صوت الإنذار في الطائرة.
الطيار عبر المكبر الصوتي:
– أيها السادة الركاب، لأسباب تقنية سنضطر للهبوط في أقرب مطار، نشكر تفهمكم.
هبطت الطائرة اضطراريًا في الدولة المجاورة، وبينما كان الركاب ينزلون، لاحظ فهد الإرباك في وجوه طاقم الطائرة وعناصر الأمن، كانوا يتعاملون بحذر شديد، ولكن لم يكن هناك تفتيش علني حتى لا يثيرون الذعر.
حينها، لاحظ وجود اثنين من رجال الأمن يتبادلان النظرات القلقة بالقرب من مدخل المطار، فاقترب منهما قبل أن يصرخ فجأة بصوت مرتعب:
فهد (بفزع متصنع):
– ماذا؟؟!! هل قال أحدهم إن هناك قنبلة وستنفجر؟؟!
رجل الأمن الأول (مذهولًاً):
– قنبلة؟؟!! قنبلة!!
رجل الأمن الثاني (مرعوبًا وهو ينظر حوله):
– يا ساتر!! اهربوااااا!
انتشر الذعر كالنار في الهشيم، وأخذ الجميع يركض بحثًا عن ملجأ، حتى الموظفين الأمنيين هربوا مع الركاب. استغل فهد الفوضى، وسارع نحو مخرج المطار، عبر البوابة التي تُركت مفتوحة وسط الهلع.
بمجرد خروجه، قام بشراء شريحة هاتف جديدة، ومن ثم ركب سيارة أجرة ليطلب منه أخذه إلى المدينة الحدودية حيث يوجد جلمود، بينما هم بالطريق، أخرج الرقم الذي أعطاه له خالد للاتصال بجلمود. أدخل الأرقام، ثم انتظر الرنين… ولكنه تفاجأ بأن الرسالة تقول: “الرقم غير صحيح!”
تسمرت عينا فهد في شاشة الهاتف غير مصدق. حاول إدخال الرقم مجددًا، ولكن دون جدوى. فجأة، شعر بثقل الموقف… رقم ناقص!
فهد (يحدث نفسه وهو يضع يده على جبينه):
– يا إلهي، هل أوقعني خالد في ورطة بسبب غبائه؟!
لم يكن لديه سوى معلومتين مؤكدتين: “جلمود يسكن في المدينة الحدودية” و “له قريب أحمق اسمه خالد”!! ولم يكن له خيار خطر في باله غير أن ينتظر وصوله للمدينة الحدودية للبحث عن أي شخص اسمه جلمود، لأن الاسم يبدو غير شائع، بعد 10 ساعات من السفر المضني، وصلوا أخيرًا للمدينة الحدودية، ليسأل السائق فهد عن وجهته بالضبط.
فهد ببساطة:
– إني أبحث عن شخص هنا يدعى جلمود.
نظر السائق إليه مستغربًا قبل أن يضحك ضحكة طويلة.
السائق (متأملًا فهد بسخرية):
– جلمود؟ يا بني، عندنا هنا نصف المدينة اسمهم جلمود! هناك متجر جلمود، صالون حلاقة جلمود، مطعم جلمود، وورشة ميكانيكا جلمود… أنت بالضبط تبحث عن أي جلمود؟!”
شعر فهد أن الأرض تدور به للحظة، ثم تمتم بغضب:
– يبدو أن خالد لم يكتفِ بجعل حياتي جحيمًا، بل ألقى بي في مدينة مليئة بالجلاميد!
السائق:
– هلا أخبرتني ما قصة خالد هذا؟
فهد:
– إن صاحبي خالد له قريب هنا اسمه جلمود، وقد أعطاني رقمًا ناقصًا لسوء الحظ.
السائق:
– لماذا لم تقل لي هذا من قبل؟! هذا يعني أن جلمود الحقيقي سيذهب إلى المطار للبحث عنك، فهو بالتأكيد لاحظ تأخرك!! ألم يخطر هذا ببالك؟!
شعر فهد بالغباء الشديد وكأن عقل خالد تسلل إليه، ولم يكن أمامه سوى خيار واحد… العودة إلى المطار مجددًا في رحلة أخرى استغرقت 10 ساعات!
وصل فهد إلى المطار مرهقًا منتصف الليل، ليجد رجلًا ضخمًا، أصلع الرأس، يرتدي نظارات شمسية رغم الظلام، ينظر حوله بحثًا عن شخص ما.
فهد (متمتمًا بسخرية وهو يراه):
– يبدو أن هذا هو… كيف عرف خالد شخصًا كهذا؟!
نظر الرجل إليه بنظرة جامدة، أخرج ورقة من جيبه ورفع نظراته الشمسية قليلًا ليتأمله، ثم اتجه إليه بحذر قال بصوت خشن:
– أنت فهد؟ أين كنت؟ لقد انتظرناك طويلًا.
فهد (بابتسامة جانبية):
– عليك أن تتوقع الكثير طالما لديك قريب مثل خالد!
قام جلمود بإركاب فهد سيارة بدفع رباعي، وهو يعلم أن المغامرة الحقيقية لم تبدأ بعد:
– عليك أن ترتاح الآن وتنام، أمامنا طريق طويل، وسنضطر لسلوك طريق مختصر.
انطلقت السيارة في طرق غير معبدة باتجاه المدينة الحدودية، فقد أضاعوا الكثير من الوقت بسبب نقص رقم واحد فقط! اضطروا لتعويضه بعبور طريق وعر حتى لا تفشل الخطة، ولكن الهزات العنيفة من الحفر جعلت النوم شبه مستحيل بالنسبة لفهد. وأخيرًا…
جلمود (وهو يحاول إيقاظ فهد):
– هيا قم، لقد وصلنا.
فتح فهد عينيه بتثاقل، فركهما قليلًا قبل أن ينظر من خلال نافذة السيارة، ليجد نفسه وسط حظيرة كبيرة تعج بالمواشي.
فهد (ساخرًا وهو ينظر حوله):
– هل نحن في اجتماع عائلي موسع؟ أعتقد أنني لم أتسلم دعوة الحضور.
جلمود (متجاهلًا سخرية فهد):
– هل تظن أن تهريبك أمر سهل؟ الحدود أصبحت محكمة، آلات التصوير الحرارية تلتقط أية حركة، وأية محاولة تقليدية ستبوء بالفشل.
فهد (بابتسامة ساخرة وهو يلوح بيده):
– وماذا علينا أن نفعل؟ هل سأشحن نفسي عبر البريد السريع؟ ربما يصلني إشعار بتتبع الشحنة أيضًا! (يلتفت حوله) ومن سيقوم بإجراءات الشحن والتصدير، خروف ببدلة رسمية؟
جلمود:
– لا تتعجل، ستعرف كل شيء بعد قليل.
ترجّلا من السيارة ثم اتجها إلى حظيرة مواشٍ أخرى للقاء مهرب يُدعى (أبو شلاش)، رجل ضخم ذو لحية بيضاء كثيفة، رحب بجلمود بحرارة.
أبو شلاش:
– أهلًا بك يا جلمود، مضى وقت طويل، ماذا تريد أن تهرب هذه المرة؟ مستندات؟ تبغ؟ مخطوطات قديمة؟
جلمود (بجدية):
– لا، هذه المرة أريد تهريب شيء مختلف تمامًا… أريد تهريب إنسان.
رفع أبو شلاش حاجبه وهو ينظر إلى فهد، يتأمله من رأسه إلى قدميه، ثم ضحك بقوة:
– يا رجل! عادةً أُهرب الأشياء داخل صوف الخراف وأحيانًا في بطونها، ولكن هذا؟ كيف سأحشر كل هذا فيه؟
فهد (موجهًا نظرات غضب إلى جلمود):
– لا تقل لي بأنني سأرتدي صوفًا وأبدأ بإطلاق أصوات الخراف؟!
ساد صمت ثقيل للحظات، بدا فيها أبو شلاش وكأنه يفكر بجدية. ثم أخيرًا، رفع رأسه وقال:
– تبدو الفكرة جنونية… ولكنها قد تنجح! فقد سبق أن وقع خطأ في إحصاء الأغنام أثناء عملية تهريب سابقة، ولم يلاحظ أحد الفارق. ولكن لضمان عدم إثارة أية شكوك، سيكون من الأفضل تسجيل فهد رسميًا ضمن بيانات الشحنة، مما يمنحه فرصة أكبر للعبور دون مشاكل.
فهد (بامتعاض، ثم يبتسم جانبيًا باستسلام):
– إذا كان الأمر كذلك، فلنحرص على أن أكون خروفًا من سلالة أصيلة، وليس أي خروف عابر سبيل.
بدأت التحضيرات لدمج فهد مع القطيع. تم حلاقة شعر رأسه بالكامل، ثم ألبسوه جلد خروف حقيقي مُعد خصيصًا لهذا الغرض. بعدها، أحضروا طبيبًا بيطريًا مرتشيًا ليوقّع شهادة فحص تثبت أن “الخروف الجديد” ذو سلالة جيدة، وخالٍ من أمراض مثل طاعون المجترات الصغيرة، الحمى القلاعية، والمالطية، وعمره مناسب للتصدير.
ولإتمام التوثيق، تم رش فهد بمبيدات الحشرات، تمامًا كما يفعلون مع بقية القطيع، ثم قام الطبيب البيطري بترقيمه عبر شريحة إلكترونية زُرعت تحت جلده بين لوحي كتفيه، تحمل رقمًا فريدًا: “XXX-202203-1928374650″ لتوثيقه في نظام البيانات البيطرية الرسمي.
فهد (متأففًا وهو يحدق في الشريحة الإلكترونية):
– إن اكتشفوني، فلن يسجنوني، بل قد ينتهي بي المطاف مشويًا في إحدى الولائم.
أبو شلاش (ضاحكًا وهو يربت على كتف فهد المغطى بالصوف):
– فكر بإيجابية يا خروف… أقصد يا فهد! على الأقل، لن تضطر لدفع رسوم التصدير بنفسك!
جلمود:
– حسنًا، استعد… شاحنة التهريب ستتحرك عند الفجر، وعليك أن تثبت أنك خروف محترف!
فهد (مغمغمًا وهو يجلس بين القطيع):
– أتمنى فقط ألا يُقَرر أحدهم طهي خروف مشوي على الفحم في الطريق!
بدأت المغامرة المجنونة مع اقتراب شاحنة التهريب من نقطة العبور الحدودية، حيث كان فهد راقدًا بين القطيع، محاولًا ألا يتحرك كثيرًا أو يصدر أية حركة مريبة. كان الجو خانقًا برائحة الصوف والغبار، وصوت الخراف يملأ المكان بـ”ماااااء ماااااء” وكأنها تسخر من وضعه المثير للشفقة.
توقفت الشاحنة عند نقطة التفتيش، واقترب أحد المفتشين من القطيع وهو يتفحص الأغنام بعين خبيرة، قبل أن يضيق عينيه بريبة وهو يركز على أحدها:
المفتش (متأملًا أحد الخراف):
– هذا الخروف يبدو غريبًا بعض الشيء!
كاد فهد أن يتجمد رعبًا، ولكنه حاول جاهدًا أن يبدو كأي خروف بريء ينتظر دوره في العبور، متخليًا عن كل ما تبقى لديه من كرامة بشرية، ومتمسكًا بما يمكن اعتباره كرامة خروفية مستعارة، فيما تدخل أبو شلاش بسرعة قبل أن يتفاقم الموقف:
أبو شلاش (بهدوء مصطنع):
– ما مشكلتك مع الخروف؟ لا شيء فيه يستحق الريبة، مجرد خروف مثل غيره!
المفتش (بوجه مرتاب وهو يشير إليه بعصاه):
– كيف؟ لم أرَ في حياتي خروفًا بهذا الطول والنحافة الغريبة! وسيقانه تبدو غير متناسقة كأنها لم تُصنع للاستعمال الحيواني أصلًا! ناهيك عن رائحته!! مختلفة تمامًا عن بقية القطيع. أقسم بالله، أقرب ما يكون لرجل لم يستحم منذ قرون! وبحاجة ماسة إلى مزيل عرق ثقيل المفعول!
كتم فهد أنفاسه محاولًا الحفاظ على رباطة جأشه كخروف صبور، بينما انطلق أبو شلاش في ضحكة واثقة، ضاربًا على كتف المفتش وكأنه صديق طفولته:
– هه… هذا خروف نادر، ولكنه ضعيف قليلًا بسبب طول الرحلة! إنه من النوع الذي لا يتحمل السفر الطويل. حساس جدًا، مثل بعض البشر الذين يغمى عليهم من مجرد الوقوف في الطابور.
اقترب المفتش أكثر وهو يحمل جهاز المسح البيطري، ثم مرّره فوق رقبة فهد، ثم … “بيب!” صدر صوت الجهاز، مشيرًا إلى أن الرقم مطابق للبيانات المسجلة رسميًا!
الحارس (متنهدًا وهو يدوّن بعض الملاحظات):
– حسنًا، يمكنه العبور، ولكن تأكدوا من إطعامه بعد الوصول، يبدو أنه على وشك الانهيار.
فهد (في داخله، وهو يعض على لسانه كي لا يصرخ):
– أتمنى ذلك، فأنا لم أتناول شيئًا منذ الصباح! أكاد أقسم أنني بعد هذه التجربة سأتحول إلى كائن نباتي… بل ربما أبدأ بالاحتجاج على أكل اللحوم!
تم السماح للقطيع بالعبور، ومعه فهد، الذي أصبح رسميًا أول إنسان يتم تهريبه على هيئة خروف معتمد، في عملية تهريب لم تحدث من قبل… ولن تتكرر بسهولة!!
غادرت الشاحنة النقطة الحدودية بسلام، وبقيت الخطوة الأخيرة… تسليم شحنة الخراف التي تم بيعها مسبقًا لأحد الأحواش. كان الاتفاق أن يأتي جلمود إلى هذا الحوش لشراء فهد، بينما يبقى صاحب الحوش في غاية الجهل، لا يعلم شيئًا عن هذه المسرحية العبثية. ولكن، كما هو متوقع من هذا النوع من العمليات، حدث ما لم يكن في الحسبان!!
تأخر جلمود عند الحدود بسبب عطل في النظام، وازدحام خانق. لم يخرج من النقطة الحدودية إلا بعد ساعات طويلة، فانطلق مباشرة إلى الحوش الذي أخبره عنه أبو شلاش. وصل قبل أن يغلق صاحب الحوش أبوابه بقليل، وترجاه أن يبيعه خروفًا الآن، ليسمح له بالدخول على مضض.
بحث جلمود بين القطيع مطولًا، ولكنه لم يجد فهد! توقف ليلتقط أنفاسه، ثم التفت حوله بقلق، وأعاد النظر إلى لوحة الحوش، متأكدًا أنه المكان الصحيح، إذن… أين اختفى الخروف فهد؟؟!!
صاحب الحوش (بهدوء):
– بماذا أخدمك عزيزي؟ هل هناك نوع معين تريده؟ لدي ما تريد من أنواع جيدة وسمينة وبأسعار منافسة.
جلمود (بنظرات قلقة جدًا):
– أخبرني، هل قمت ببيع أي خروف من الشحنة الجديدة خلال الساعات الماضية؟
صاحب الحوش (بحيرة):
– خروف واحد فقط، ولكن يبدو أنني تعرضت لغش، كان شكله غريبًا ونحيفًا أكثر من المطلوب، لذلك بعته بسعر زهيد.
كاد جلمود أن يصرخ من شدة الهلع، لينقض على صاحب الحوش وصار يهز كتفيه بعنف:
– متى بعته بالضبط؟ وإلى من؟ هل تعرف من اشتراه؟
صاحب الحوش (مستغربًا من حدة ردة الفعل):
– لماذا هذا الخروف بالتحديد؟ لدي ما هو أفضل منه.
جلمود (بصوت حاد ووجه لا يقبل المزاح):
– أخبرني بسرعة، إلى أين اتجهوا؟!!
أشار صاحب الحوش نحو كتلة رملية قريبة:
– شابين اشترياه قبل حوالي ربع ساعة، تركا سيارتهما هنا، وسحبا الخروف إلى خلف تلك الكثبان، إنهما معتادان على القدوم إلى هنا أسبوعيًا، يختاران أرخص خروف، ويذبحانه هناك ليشويانه على الفور.
ركض جلمود بسرعة باتجاه الكثبان الرملية، وقلبه يكاد يقفز من صدره، يريد أن يسرع قبل وقوع الكارثة، وعندما وصل… كان أمامه مشهد يفطر القلب، أو مثير للضحك حسب زاوية النظر!!! نار عظيمة مشتعلة، وعمود طويل معدّ خصيصًا ليُشوى عليه “الخروف المسكين”، وبجواره شاب أشعث الشعر واللحية، يشحذ سكينًا بحماس، بينما يقف شاب آخر يشبهه تمامًا ممسكًا بالحبل الذي كان حول رقبة فهد الذي بدا وكأنه يمر بأزمة وجودية عميقة، غير قادر على استيعاب مصيره المحتوم.
ركض جلمود نحوهم لاهثًا، محاولًا التقاط أنفاسه:
– أيها الشابان، انتظرا، أريد أن أشتري الخروف!
نظر الشابان لبعضهما البعض، ثم نظروا إلى جلمود بشك، قبل أن يرد أحدهما وهو لا يزال يشحذ السكين:
– نحن اشتريناه لنأكله، لماذا نبيعه الآن؟
جلمود (محاولًا التفاوض بسرعة قبل أن يتحول صاحبه إلى وجبة عشاء):
– كم دفعتم؟ سأعطيكم أكثر.
تبادل الشابان النظرات مجددًا، ثم أجاب أحدهما بعد تفكير:
– اشتريناه بـ400، يمكنك شراءه بـ500.
جلمود (بجدية قاتمة):
– 450 آخر كلام.
عند هذه اللحظة، انفجر فهد من وضعية “الخروفية”، وعاد إلى وضعه البشري واقفًا على قدميه أمام الشابين، اللذين اتسعت أعينهما برعبٍ خالص.
فهد (صارخًا بغضب وهو يشير لنفسه):
– أتساومني بالسعر؟ أتراني أساوي 450؟ أتراني رخيصًا لهذه الدرجة؟!
جلمود بات يرمقه بنظرات مليئة بالإحباط وكأنه يقول له: “لقد أتيت بالعيد في بداية رجب!” ثم التفت ببطء إلى الشابين، الذين كانا لا يزالان يحملان السكين والحبل، ووجهاهما يزدادان شحوبًا في كل جزء من الثانية.
وفجأة، صرخ الاثنان بصوت واحد:
– وحــــش!!!
ثم ركضا بأقصى سرعة ممكنة في عمق الصحراء، تاركين السكين، النار، ووجبة العشاء التي بفضله قد تجعل صيامهما يمتد لأجيال قادمة.
أخذ جلمود نفسًا عميقًا قبل أن يلتفت إلى فهد، الذي كان لا يزال محمرّ الوجه غضبًا.
جلمود (بإرهاق وضيق):
– بالله عليك، ألم يكن بإمكانك التزام الصمت عشر ثوانٍ أخرى؟
فهد (متأففًا وهو ينفض جلد الخروف عنه):
– كدت أفقد ما تبقى من إنسانيتي!! كان سيكون أهون عليّ أن أُشوى بصمت على الحطب، على أن تتم المساومة عليّ وكأنني قطعة أثاث مستعملة!
جلمود (وهو يمسح وجهه بيده في محاولة استيعاب ما حدث):
– على كل حال، الله ستر… الأمور مرت بسلام، ألا تريد مواصلة رحلتك؟
تأمل فهد المكان للحظات، ثم ابتسم ببطء وقال:
– في الحقيقة… بدأت أعتاد الحياة كخروف، ربما سأفتح مشروعًا لمنافسة أبي شلاش في التهريب، باختصاص جديد تمامًا: تهريب البشر على هيئة خراف، وأكون بذلك (خروف أعمال)، وأضمن لك زبائن من كل مكان، ما رأيك؟
جلمود (زافرًا وهو يسحب فهد باتجاه السيارة):
– اصعد، قبل أن أغير رأيي وأتركك هنا لتتنافس مع ذئاب الصحراء على لقمة العيش!
انطلقت السيارة في عمق الليل، تاركين خلفهم نارًا مشتعلة، وذاكرة ستطارد الشابين المسكينين لسنوات قادمة.