أقلام

لماذا نصدق المعلومات الصحية الزائفة – وكيف تنتشر أسرع من المعلومات الصحيحة؟

المترجم : عدنان أحمد الحاجي

بقلم أنغشومان كاشياب، مرشح دكتوراه في التواصل الصحي، جامعة ماريلاند

في عالمنا الرقمي المعاصر، يلجأ الناس عادةً إلى الإنترنت للحصول على معلومات صحية أو طبية (1). فبالإضافة إلى البحث النشط في الإنترنت ووسائل التواصل الأخرى، غالبًا ما يقرأ الناس معلومات صحية على منصات التواصل الاجتماعي أو يتلقونها عبر البريد الإلكتروني أو رسائل بعثها لهم أفراد من العائلة أو الأصدقاء.

مشاركة هذه الرسائل بإعادة إرسالها إلى أحبائهم وأصدقائهم ومعارفهم قد تكون مغرية – وغالبًا ما تكون عن حسن نية.

بصفتي باحثًا في مجال التواصل الصحي بين الناس من مختلف الثقافات وتوجهات الناس على الصعيد العالمي، أتناول بالدراسة تبعات وسائل التواصل على الصحة والتنمية، كما أستكشف وسائل فنية وإبداعية لجعل المعلومات الصحية أكثر جاذبية وسهولة في الوصول اليها والحصول عليها وفهمه، مما يُمكّن الناس من اتخاذ قرارات مستنيرة اعتمادًا عليها (2).

بالرغم من وجود وفرة من المحتوى الصحي على الإنترنت، إلا أنه ليس كل ما يُنشر صحيحًا. في الواقع، الكثير منه غير دقيق (3) أو مضلل (4)، مما يُثير مشكلة خطيرة في التواصل الصحي: فالمعلومات الصحية الزائفة (المعلومات الزائفة المتعلقة بالصحة) – سواءً نُشرت عن غير قصد وببراءة، أو عمدًا للتضليل أو بقصد إلحاق ضرر بالناس – قد تكون أكثر جاذبية من المعلومات الدقيقة وتنتشر آسرع منها.

وهذا مما يُصعّب على الناس معرفة المصادر الموثوقة والمحتوى الجدير بالمشاركة (إعادة الإرسال).

جاذبية المعلومات الصحية الزائفة

تتخذ المعلومات الصحية الزائفة أشكالًا متعددة (5). على سبيل المثال، قد تكون محتوى مضللًا يُشوّه الحقائق لتأطير مشكلة أو فرد في سياق مُعيّن. أو قد تستند إلى علاقة خاطئة بين عنوان الرسالة ومحتواها، حيث لا تتوافق العناوين الرئيسة أو الصور أو التعليقات التوضيحية المرفقة بالصور أو الأشكال مع المحتوى النصي للرسالة الصحية. بالرغم من هذا التنوع، غالبًا ما يتقاطع هذا المحتوى الخاطيء في بعض الخصائص مع المحتوى الصحيح، مما يجعله يبدو أكثر قابلية للتصديق وأكثر قابلية للمشاركة وإعادة إرسالك عبر وسائل التواصل إلى آخرين.

أحد الأسباب هو أن المعلومات الصحية الزائفة غالبًا ما تبدو صحيحة لأنها تخلط قليلًا من الحقيقة بمزاعم كثيرة زائفة أو مضللة (6). على سبيل المثال، في بداية جائحة كوفيد-19، انتشرت شائعات كاذبة مفادها أن شرب الإيثانول أو مبيض الثياب (الكلوركس، مثلًا) يمكن أن يقي من فيروس كورونا (7، 8). مع أن الإيثانول أو المبيض قادران بالفعل على قتل الفيروسات على أسطح مثل الأسطح في مكان العمل، إلا أنهما خطران جدًا لو وقعا أو لامسا الجلد أو دخلا في الجسم (8).

من المؤشرات الأخرى على المعلومات الصحية الزلئفة أنها تقدم أفكارًا جيدة جدًا لدرجة يصعب تكذيبها (لا يمكن إلّا أن تصدق وذلك لأنها تبدو جدًا صحيحة). هناك جانب جذاب مخالف للبديهة في أنواع معينة من المعلومات الصحية المزيفة التي يمكن أن تجعل الناس يشعرون أن لديهم إمكانية الحصول على معرفة قيّمة أو حصرية قد لا تتوفر لآخرين أو يعرفونها (9). على سبيل المثال، يمكن أن يكون ادعاء أن “الشوكولاتة تساعد على إنقاص الوزن (10)” جذابًا بشكل خاص لأنه يوفر شعورًا بالإذن بالتمادي والإفراط في تناولها واعتماد حلًا بسيطًا ومريحًا لمشكلة معقدة (11). غالبًا ما تنتشر هذه المعلومات بشكل أسرع لأنها تبدو مدهشة ومفعمة بالأمل في نفس الوقت، مما يُثبت ما يرغب بعض الناس في تصديقه.

كما أن الإثارة الإعلامية (12) تدفع إلى انتشار المعلومات الصحية الزائفة (13). على سبيل المثال، عندما ادعى النقاد زورًا أن أنتوني فاوتشي، مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية وكبير المستشارين الطبيين للرئيس آنذاك (14)، كان مسؤولاً عن جائحة كوفيد-19، فقد أثار ذلك اهتمامًا كبيرًا لدى عامة الناس (15).

دراسة نُشرت عام 2020 حول التردد في أخذ اللقاحات ضد فيروس كورونا، وجدتُ أنا وزملائي أن العناوين المثيرة للجدل في التقارير الإخبارية التي انتشرت بسرعة قبل بدء حملات التطعيم الوطنية كان لها دور في ثني بعض أولياء عن تطعيم أطفالهم (16). يبدو أن هذه العناوين تكشف عن معلومات مثيرة إعلاميًا وسرية قد تعزز مصداقية الرسالة بشكل خاطيء.

الاندفاع إلى إعادة إرسال المعلومات الصحية الزائفة

خلقت الإنترنت بيئة خصبة لنشر معلومات صحية زائفة. يمكن للمواقع الإلكترونية التي تبدو مواقع احترافية ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي ذات العناوين المضللة أن تغري الناس بمشاركتها السريعة (إرسالها سريعًا) مع غيرهم (17)، مما يدفع المزيد من القراء إلى المحتوى الزائف. يميل الناس إلى مشاركة المعلومات التي يعتقدون أنها مهمة لهم أو لدوائرهم الاجتماعية (18).

في عام 2019، مقال يحمل عنوانًا زائفًا: “الزنجبيل أكثر فعاليةً بعشرة آلاف مرة في القضاء على السرطان من العلاج الكيميائي (19)” تمت إعادة إرساله أكثر من 800 ألف مرة على الفيسبوك. احتوى المقال على عدة عوامل (20) أثارت اهتمام الناس ودفعتهم إلى إعادة إرساله إلى آخرين دون التحقق أولًا من صحة محتوياته: صورٌ مقنعة، وقصص مؤثرة، ورسومٌ بيانيةٌ مُضللة، واقتباساتٌ من خبراءٍ ناقصة المعلومات، ومحتويات قديمة عفا عليها الزمن يُعاد تداولها مرات ومرات.

تُضفي المثيرات البصرية، مثل لوغو الشركات المرموقة أو صور الأشخاص الذين يرتدون معاطف طبية بيضاء، مصداقية على هذه المنشورات. هذا النوع من المحتوى يدعو الناس إلى إعادة إرساله إلى آخرين بشكل كبير، وغالبًا ما يصل إلى عدد أكبر بكثير من الناس مقارنةً بالدراسات العلمية الدقيقة التي قد تفتقر إلى عناوين، أو صور جذابة، أو كلمات سهلة الفهم، أو قصص مثيرة.

لكن إعادة إرسال المحتوى إلى آخرين دون التحقق منه أولاً لها تبعات وخيمة (21). على سبيل المثال، وجدت دراسات أن المعلومات الزائفة المتعلقة بكوفيد-19 تُضعف من ثقة الناس بالمسؤليين وأجهزة الرعاية الصحية، مما يُقلل من احتمالية استخدامهم للخدمات الصحية أو طلبها (22).

فيديو: كيف تكتشف المعلومات الزائفة باستخدام النت https://youtu.be/gE9dFM4Bs0k?si=O-1EQAYW1p3PcB9w

الادعاءات الباطلة التي لا دليل عليها عن الأعراض الجانبية الضارة للقاحات أدت إلى انخفاض معدلات التطعيم على المستوى للعالمي (23)، مما تسبب في عودة الأمراض المعدية، بما فيها الحصبة (24).

تحقق من صحة معلوماتها قبل أن تعييد إرسالها إلى آخرين.

أدت المعلومات المضللة على وسائل التواصل الاجتماعي (25)، مثل الادعاءات الكاذبة حول فعالية القرفة في علاج السرطان، إلى ارتفاع في عدد المرضى الذين يحتاجون إلى دخول المستشفيات، بل وحتى تسببت في وفاة بعضهم (26). وقد أدى انتشار المعلومات الصحية المضللة إلى تراجع الامتثال والعمل بتوصيات الوقاية والعلاج المهمة، مما أدى إلى تزايد الحاجة إلى تدريب الكوادر الطبية وتنمية مهاراتهم (27) لدحض المعلومات الصحية الزائفة بشكل أكثر فعالية (28).

مكافحة انتشار المعلومات الزائفة المتعلقة بالصحة

في عصرنا هذا الذي يشهد غزارة في تدفق المعلومات، حيث يُمكن لأي شخص إنشاء محتوى ومشاركته مع آخرين، أصبحت القدرة على التمييز بين المعلومات الصحية الموثوقة وتلك المضللة قبل نشرها أكثر أهمية من أي وقت مضى. وقد وضع الباحثون ومنظمات الصحة العامة استراتيجيات متعددة لمساعدة الناس على اتخاذ قرارات أكثر وعيًا بتمييز المعلومات الصحيحة من السقييمة.

سواءً قرأ مستخدمو الرعاية الصحية معلومات صحية على وسائل التواصل الاجتماعي، أو وصلتهم على البريد الإلكتروني، أو عبر تطبيقات أخرى، إليك ثلاث طرق موثوقة للتحقق من دقة تلك المعلومات ومدى مصداقيتها قبل أن تعيد نشرها:

استخدمْ محرك البحث للتحقق من الادعاءات المتعلقة بالصحة. لا تعتمد أبدًا على مصدر واحد. ولكن، أدخل الادعاء المتعلق بالصحة في محرك البحث الموثوق، وتحقق منه مقابل ما تقوله المصادر الموثوقة. اجعل الأولوية للمعلومات المعتمدة من المنظمات العريقة مثل منظمة الصحة العالمية، ومراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، أو الدوريات المحكمة مثل مجلة ذا لانسيت أو مجلة الجمعية الطبية الأمريكية. إذا اتفقت عدة مصادر موثوقة على معلومات معينة، فمن المرجح أن تكون هذه المعلومات موثوقة. يمكن لمواقع التحقق من الحقائق الموثوقة مثل FactCheck.org وSnopes أيضًا المساعدة في كشف المعلومات الزائفة (29، 30).

قيّمْ مصداقية المصدر. من الطرق السريعة لتقييم موثوقية أي موقع إلكتروني مراجعة صفحة تحت عنوان: “نبذة عنا”. عادةً ما توضح هذه الصفحة الجهة المسؤولة عن المحتوى، ورسالتها، ومؤهلاتها. ابحث أيضًا عن اسم المؤلف. هل لديه خبرة معتمدة أو له علاقات بمؤسسات موثوقة؟ غالبًا ما تنتهي روابط المواقع الإلكترونية الموثوقة بـ .gov أو .edu، مما يشير إلى روابط لمؤسسات حكومية أو تعليمية. وأخيرًا، تحقق من تاريخ النشر. تستمر المعلومات على الإنترنت في التداول لسنوات، وقد لا تكون الأكثر دقة أو صلة بالسياق الحالي.

إذا لا زلت غير متأكد من موثوقية المعلومة، فلا تنشرها. إذا لا زلت غير متأكد من دقة ادعاء ما، فمن الأفضل الاحتفاظ به لنفسك. إرسال معلومات غير مؤكدة، دون قصد، قد يساهم في انتشار المعلومات المضللة، وقد يُسبب ضررًا، خاصةً عندما تتعلق المعلومة بالصحة.

الشك في الادعاءات المريبة وارسال المعلومات الموثوقة فقط لا يحمي فقط من السلوكيات غير الآمنة وعدم تسبيب الذعر لدى الناس، بل يساعد أيضًا في الحد من انتشار المعلومات الصحية الزائفة. في الوقت الذي يمكن أن تنتشر فيه المعلومات المضللة بشكل أسرع من الفيروس، فإن التوقف للحظة والتحقق من صحة المعلومات الواردة قبل إعادة إرسالها يمكن أن يحدث فرقًا كبيرًا (31).

مصادر من داخل وخارج النص

1- https://www.cdc.gov/nchs/products/databriefs/db482.htm

2- https://angshumankashyap.com/health-communication

3- https://www.jmir.org/2021/1/e17187/

4- https://pmc.ncbi.nlm.nih.gov/articles/PMC9421549/pdf/BLT.21.287654.pdf

5- https://doi.org/10.1126/science.aap9559

6- https://theconversation.com/misinformation-is-a-common-thread-between-the-covid-19-and-hiv-aids-pandemics-with-deadly-consequences-187968

7- https://asm.org/articles/2022/september/how-to-spot-and-combat-health-misinformation

8- https://www.who.int/emergencies/diseases/novel-coronavirus-2019/advice-for-public/myth-busters

9- https://www.science.org/doi/10.1126/science.aap9559

10- https://www.cbsnews.com/news/how-the-chocolate-diet-hoax-fooled-millions/

11- https://papers.ssrn.com/sol3/papers.cfm?abstract_id=3007971

12- https://ar.wikipedia.org/wiki/إثارة_(صحافة)

13- https://doi.org/10.1177/0002764219878224

14- https://www.science.org/content/article/fauci-fends-off-covid-19-accusations-pandemic-origin-probe

15- https://www.bbc.com/news/world-us-canada-57336280

16- https://journals.sagepub.com/doi/10.1177/1326365X19895826

17- https://psycnet.apa.org/doiLanding?doi=10.1037/xge0001270

18- https://ar.wikipedia.org/wiki/مجموعة_اجتماعية

19- https://psycnet.apa.org/doiLanding?doi=10.1037/xge0001270

19- https://science.feedback.org/review/claim-that-ginger-is-more-effective-than-chemotherapy-for-cancer-treatment-is-unsupported/

20- https://www.hhs.gov/surgeongeneral/reports-and-publications/health-misinformation/index.html

21- https://integrityinstitute.org/blog/misinformation-amplification-tracking-dashboard

22- https://bpspsychub.onlinelibrary.wiley.com/doi/10.1111/bjop.12522

23- https://gh.bmj.com/content/5/10/e004206

24- https://medscimonit.com/abstract/full/idArt/944436

25- https://jamanetwork.com/journals/jamainternalmedicine/fullarticle/2817486

26- https://publications.aap.org/pediatrics/article-abstract/131/5/833/31310/Ingesting-and-Aspirating-Dry-Cinnamon-by-Children?redirectedFrom=fulltext

27- https://onlinelibrary.wiley.com/doi/10.1002/aet2.10877

28- https://publichealth.jmir.org/2021/9/e27715

29- https://www.factcheck.org

30- https://www.snopes.com

31- https://www.unesco.org/en/articles/pause-take-care-you-share

المصدر الرئيس

https://theconversation.com/why-we-fall-for-fake-health-information-and-how-it-spreads-faster-than-facts-250718

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى