سلاح الخوف

كميل السلطان
مثلت شخصية أم السعف والليف تلك الأسطورة الخالدة الطريق الأسهل للأمهات في زمن كان قريب إلى حد ما، فالأسطورة كانت مرعبة للأطفال مما جعل الأمهات آنذاك تستخدمنها كسلاح للسيطرة على سلوكيات أبنائهن عبر إخافتهن بأم السعف والليف، فكان الطريق الأسرع لضبط تصرفات الصغار والتحكم بها وبانفعالاتهم هو عبر الترهيب بشخصيات كثيرة اخترعها الناس في زمن ما، ومنها هذه الشخصية التي لا يعدو كونها وصفا للنخلة إضافة إلى شخصيات كثيرة كحمارة القايلة وغيرها.
الجانب المضيء في شخصية أم السعف والليف في الحقيقة هي أنها من أكثر نعم الله التي استفاد منها الإنسان في جغرافيتنا المحيطة، فمثلت النخلة المأكل والمأوى والمطبخ واستعان الناس بكل جزء منها في حياتهم وتعداد ذلك يطول، النخلة كشجرة مثمرة ونافعة كان لها نصيب من وصايا الشارع المقدس بإكرامها والعناية بها لما تمثل من قيمة غذائية كبيرة وثروة تجارية ومنافع شخصية واجتماعية متعددة الاستخدامات، هذا ما سيدركه الطفل حين يكبر ليجد أن تلك الأسطورة المخيفة ظلمتها أقاويل وتآويل الناس لمصالح لحظية.
بالعودة لنظرية الترهيب بأسطورة أم السعف والليف للسيطرة على عقول الصغار، فإن استخدام هذا الأسلوب في تقويم سلوكياتهم وإن عد خطأ فادحًا قد يؤثر على شخصية الطفل وتوجيهه بالخوف وليس بالاقتناع ومحاكاة عقله بأساليب يفهمها وتعزز فيه السلوك الإيجابي وتنفر في شخصيته السلوكيات غير المرغوبة، إلا أننا نقف أمام نتيجة حتمية وهي أن اختلاق الخوف وبثه في نفوس الآخرين يعطي نتائج سريعة بغض النظر عن آثاره الجانية وكونها طريقة غير تربوية وغير سليمة إلا أنها قد تطفئ السلوك غير المرغوب به رغم ما تسببه طبعًا من آثار على الطفل، ولكنني لست بصدد مناقشة نجاعة النظرية تربويًا فهي محكوم عليها بالخطأ طبعًا، ولكن الكلام هنا كنتيجة نصل إليها للحد من سلوكياتنا تجاه بعض القضايا فإن أقوى دافع يجعلنا نتوقف عن السلوكيات غير المرغوبة سواء لدينا أم لدى الآخرين هو الخوف.
خوفنا من المرض يفضي بنا إلى التخلي عن الكثير مما نهوى أكله وممارسته، وخوفنا من كلام الناس يستوجب علينا ترك بعض الأمور التي لا تليق بنا بل وربما يقتضي أن نتخلى عن الكثير من مبادئنا ربما وحقوقنا أيضًا، وخوفنا من الخسارة يمنعنا من محاولة الربح في كثير من الأحيان وهكذا .. ولربما كانت هذه الدوافع في حياتنا اليومية طبيعية واعتدناها كون الخوف غريزة في الإنسان فما يمنعنا من كل ذلك ليس طلب العافية ولا حسن الخلق ولا تدابير بالأخذ بالأسباب إنما هو الخوف، ولكن أن تكون الطفولة مشوشة في إنشاء العلاقة بين الطفل وربه على أساس الخوف هو ما يجب إعادة النظر فيه، فلا يجب أن يفهم الطفل بأنه يجب أن يصلي كي لا يحرقه الله بالنار، وإنما لأنها عبادة وحق أوجبها الباري لشكر النعم التي تفضل بها علينا، فالطفل يتربى على طاعة أمه وأبيه لثقته بأنهما يردان له الخير حين يأمرانه وينهيانه فلا ينبغي أن ينشأ الطفل على الخوف من الله دونما أن يعي بأن الله عز وجل أرحم الراحمين أي أنه أرحم من أمه وأبيه الذي يشعر الطفل معهما بالأمان، فالله هو أرحم منهما بل إن رحمة الوالدين لا تمثل شيئًا أمام رحمة الله عز وجل.
خلق علاقة جيدة بين الطفل وربه تكون على أساس الشكر والحب والرحمة والطاعة أنفع وأنجع لإنشاء جيل يعطي كل ذي حق حقه ويحترم الحقوق ويؤدي الواجبات ويقوم السلوكيات بدافع القرب من الله والإخلاص في العمل، كما أن الله شديد العقاب فهو غفور رحيم ويحب التوابين بل ويفرح بتوبة عبده، وكما يدرك الطفل جيدًا أن والديه يريدان له الخير فيقومان سلوكه ويتجاوزان عن خطاياه فرب العالمين أوسع رحمة ومغفرة مما يجده عندهما.
الدعوة إلى الله بالحب والتسامح ستكون الوسيلة الأنجع ليعي الطفل عظمة خالقه، ويكون علقة بينه وبين الله قوامها الشكر والامتنان وغلاقها الرحمة والرضوان، بعيدًا عن مسلك الخوف ليكون الدافع هو الحب والطاعة بالاقتناع وإعمال العقل ليجد أن طاعة الله هو سبيله نحو النجاة وأن تقويم السلوك يكون عبر الانجذاب بتعاليم الله التي أوجبها لنفعنا أولًا وأخيرًا، فيجد في ذلك طريقًا ومسلكًا للنجاة ومنهجًا نحو الكمال والتكامل.