أقلام

مع النوادر الياسرية 4 .. محاسب قانوني

ياسر بوصالح 

قال: عصافير بطني تصرخ جوعًا، ومعدتي قد أرسلت وفدًا رسميًا لاستجداء الطعام من الكون.

قلت: لا حاجة لهذا الفضول من الكلام، فالشهر شهر رجب الأصب بالرحمة، قمْ وكُلْ من موائد الرحمن في هذا المسجد المبارك.

قال: هذا الطعام وُضِع للصائمين، وليس لكل من هبَّ ودبَّ، فاستشكل ذلك فقهيًا.

قلت: يا سيدي، إطعام الصائمين له فضله وثوابه، وإطعام الجائعين له فضله وثوابه كذلك، فهل يضيق فضل الله عن الجائع الذي لم يصم؟ أما قرأتَ الآية الكريمة ﴿ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ﴾؟ ويحك، أتعبدُ ربًا وسعت رحمته كل شيء حتى تشرئب لها عنق إبليس كما ورد في الأثر، أم تعبدُ محاسبًا قانونيا يحصي عليك أنفاسك كي لا تتهرب ضريبيًا؟

قال: لا تُدخلني في متاهاتك وتلاعبك بالفتاوى الفقهية وتفصيلها حسب رغائبك!

قلت: وأنت لا تُدخلني في تنطّعك! لقد سئمت منه ومن شاكِلتك، ممن صدَّعونا به سنينًا. ولو أذن لي سيدي أمير المؤمنين، عليه السلام، أن أستعير حكمته الخالدة (لو تمثل لي الفقرُ رجلًا لقتلته)، لقلت: “لو تمثل لي التنطّع رجلًا لقتلته، ونتفت لحيته كذلك!” فأولئك الذين سألوا عن حكم دم البعوضة، بينما قُتِل سيدُ الشهداء الحسين، عليه السلام، بين ظهرانيهم… ما زالوا أحياء، لكن بأقنعة جديدة!

رد وهو يهز رأسه غضبًا: لقد ميعتم الدين، والله لمحاسبكم حسابًا عسيرًا! ﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ، وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾

قلت: أما لَعَمْرُ الله، فقد أردتَ أن تذمّ، فمدحت! بل عبدتُ الله بحبٍّ خالٍ من ذلك التنطّع القشريّ.

وفدتُ على الكريم بغير زادٍ من الحسناتِ والقلبِ السليمِ

وحملُ الزادِ أقبحُ كل شيءٍ إذا كـان الوفودُ على الكريمِ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى