أقلام

واعتبر نفسك طبيب نفساني لهم

أمير الصالح

الكل أو الغالبية أو البعض يتذمر ويتبرم من بعض أو كل أوضاعه أو أصحابه أو بعض أفراد أسرته أو بعض زملائه أو بعض روؤسائه بالعمل، أو ظروفه أو قلة إمكاناته. وأنت باعتبارك مستمعًا ماهي أنجع الأدوات التي من المفترض أن تستعملها لمعالجة هكذا أوضاع إن وقعت أمامك أو في محيطك؟ في رأيي أن طبيعة العلاقة بينك وبين الشخص المتذمر والشاكي تُملي على الإنسان نوع وطبيعة ردود الفعل واستنطاق الأدوات الأنجع التي يجب عليه استخدامها.

فقد يختار البعض تفعيل خيار قطع العلاقة مع الشخص المتذمر، فتشخيص الحالة على أنها شخص سلبي أو تنمر أو استبداد أو أنانية أو استحواذ أو نرجسية من جهة، ومن جهة أخرى أن المتذمر لا يتجاوز كونه زميل عمل عابر أو منعدم الأهمية. وفي حالة ثانية يمكن تفعيل خاصية المجاملة و التظاهر بالاهتمام في حالة أن الشاكي صديق، مجرد صديق. وفي حالة ثالثة يتم تفعيل خاصية الاستماع الجاد وإبداء الاهتمام والتعاطف وطرح الحلول الممكنة واقتراح المعالجات الجادة، ولا سيما في حالة أن المتحدث هو أخ لك أو ابن أو زوجة أو جد أو أب أو خالة أو صديق عزيز جدًا.

حضرت نقاش مفتوح وشبه مطول عن تشخيص حالات الشكوى والشاكي. وقد صنف بعضهم حالات صاحب الشكوى الكثيرة على أنها حالات استحواذ وتنمر. واسترسل بالحديث وقال بأن هناك حالات تنمر الأطفال ،،وحالات تنمر الطلاب وحالات تنمر الشباب المراهق وحالات تنمر كبار السن، وتحدث قليلًا عن سبل المعالجة؛ وللحق كان النقاش مفيدًا ونافعًا وهادفًا ومثريًا. وأشارك القراء هنا بجزء منه على سبيل التوضيح والاستفادة؛ ومنها على سبيل المثال علامات أسباب تنمر بعض كبار السن، وإن كانت مغلفة بالتذمر أو الشكوى أو العتاب المفرط:

١- الشعور بالتهميش أو فقدان المكانة الاجتماعية

أو أن آراءهم لم تعد تؤخذ بعين الاعتبار.

٢-.الغيرة من الأجيال الأصغر الذين أصبحوا محور الاهتمام في اللقاءات الاجتماعية والعائلية.

٣- … تجاوز …

٤- ترادف نوبات الاكتئاب والقلق الناتج عن الشعور بالوحدة.

٥- المشاكل الصحية المترادفة (الخرف أو الزهايمر) قد تجعلهم أكثر انفعالًا أو هجوما على الآخرين.

٦- استحضار احداث الماضي الاليمة وتغذية المشاعر غير الصحية مثل استحضار مشاعر الظلم أو الحرمان أو الاضطهاد أو الكراهية أو التفرقة بين الأبناء؛ أو عقد مقارنات تفاوت الفرص في التعليم والرفاهية والترفيه والدخل والطبقة الاجتماعية، فإنها تذكي وتغذي السلوك السلبي والتذمري التدميري على الشخص ومحيطه.

٧- الشعور بتفلت زمام الأمور من يد كبير السن ومحاولة فرض السيطرة من جديد عبر النقد اللاذع بالاستمرار تارة، والتندر تارة والتقليل من شأن الآخرين تارة أو السخرية منهم تارة والترديد بحسرة قصص ماضي حال المتألقين أيام فقرهم تارة أخرى.

٨- التنشئة النمطية القديمة بما فيها من استخدام مفرط للنقد اللاذع للآخرين وغير المهتمة بالوعي وبضرر الكلمات الجارحة على الآخرين.

٩- فائض الوقت وكثرة فترات الملل وقلة الانشغال وانعدام ممارسة الهوايات النافعة لدى عدد ليس بالقليل من كبار السن المتنمرين.

١٠- محاولة جذب الانتباه بأية طريقة كانت، حتى ولو بالسلوك السلبي والتذمر المستمر والتخاصم المكرر والصوت المرتفع ورثاء الذات المتكرر.

انتهى الاقتباس من الحوار المشار إليه.

الغالبية اجتماعيًا يتهيب من اتهام بعض كبار السن بالتنمر المغلف بالشكوى، ولكن يُسجل البعض حالات تنمّر بعض كبار السن في المناسبات واللقاءات الأسرية والعائلية، وهذا سلوك غير متوقع عند الكثير في أوساط مجتمعاتنا، لأنه من المفترض أن يكون كبار السن هم الداعمين أو المؤسسين أو الموجهين لإيجاد تلكم اللقاءات الأسرية الكبرى. إلا أنه يحدث أحيانًا ما هو خارج الحسبان ونرى العكس، وقد يفسر البعض أن ذلك السلوك مصدره مرض الزهايمر (الخرف) إلا أن البعض يرجح أن الأسباب أعمق وتشمل ما تم ذكره بالاعلى.

نؤمن بأن صعوبة التكيف لدى البعض ولا سيما كبار السن مع التغيرات المتسارعة والاختلافات بين الأجيال، وضعف الوعي الأسري باحتياجات كبار السن النفسية، وبروز الفراغ الاجتماعي، وتباعد الأبناء جغرافيًا، وتحطم أنموذج الأسرة الكبيرة الكلاسيكي، واستحضار قصص التجارب السابقة المؤلمة بشكل مستمر، ومحاولة فرض السيطرة لتعويض الشعور بالضعف، ووجود صراعات و أزمات أسرية معلقة في أذهانهم، والشعور بالتهميش وفقدان المكانة، تنعكس نفسيًا على السلوك.

ولكون المقال اخذ مساحة كبيرة قد اوفق في تسليط الضوء في قادم المقالات وأورد أيضًا بعض علامات ظاهرة كثرة تنمر (بصور شكوى وتصادم) صغار السن والشباب مع محيطهم. ومن الطبيعي إذا كان هذا او ذاك الشاكي (المتنمر) شخص عزيز عليك وتربطك به علاقة أسرية أو نسبية أو أدبية، فإن مستوى اهتمامك وإصغائك وتعاطفك وتفاعلك سيكون مغايرًأ عن تفاعلك مع الآخرين.

وهنا أتذكر نصيحة من شخص عزيز على قلبي ومفادها: عامل المتنمر بصبغة الشاكي لك من أهلك والأعزاء عليك ممن هو كثير الشكوى وكثير العتاب من أحبابك على أنه مراجع لك في عيادتك النفسية؛ فأنت الآن طبيب نفساني وعليك معالجته بما تستطيع. وأضعف الإيمان جامله وأصغِ لحديثه وتجنب الاشتباك معه! وأوجد حلول مبتكرة لإعادة دمجه وتعزيز الاعتبار لنفسه وتخفيف المعاناة عنه في غربة آخر عمره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى