أقلام

جوهر الإنسان (١)

السيد فاضل آل درويش

التأمل والبحث المعمق والدقيق في الشخصيات العظيمة ليس مجرد استهواء أو نوعًا من الترف الفكري أو التجوال المعرفي غير المصاغ بنتائج وآثار، بل هو فرصة سانحة للعقل الواعي للنظر في ألق شخصيات استطاعت أن تجمع الفضائل وتجسد الكمالات في جميع جوانب حياتها ومواقفها، إذ أن سيرتهم و نهجهم ومواقفهم المتصفة بأعلى درجات الفضيلة والنبل والعطاء تمثل منهلًا رويًّا لمن يطلب العلياء والألق والنزاهة النفسية في شخصيته، وهذا ما يرسم معالم الخلق الرفيع والبعد عن مهاوي الأفعال المتهورة والانفعالات غير المنضبطة على المستوى الفردي والمجتمعي، فهناك شخصيات عابرة للدراسة التاريخية والتوصيف الإنشائي بل هي كنوز ملأى بالدروس والعبر و منارة تضيء دروب الحياة عندما تُسقط عليها المشاكل المعاصرة طلبًا في استيحاء واستيفاء المعالجات والحلول، فهذه القامات الشاهقة تحمل جوانب معرفية تستحق التوقف عند كلماتهم وحكمهم، كما أن مواقفهم منهج أخلاقي يستمد تصنيف مفرداته من خلال مواقفهم وتصرفاتهم الرائعة، والتي تأخذ بالإنسان إلى تاج الكرامة والعزة بعيدًا عن مواطن الزلل والمشاعر المستفزة وحركة التيه وفقدان بوصلة العقلانية والاتزان النفسي والوجداني، وهذا ما ينعكس على مستوى حياتنا الفردية والأسرية وعلاقاتنا الاجتماعية وكيفية إدارتها بعيدًا عن محطات التشنج والتوتر، والقدرة على تبريد الخلافات والوصول إلى معالجات تتسم بالتسامح.

فعندما يبحث الأطباء عن علل الأجسام والأمراض والعوامل المؤدية لذلك وصولًا إلى العلاجات المناسبة، كذلك هذه الشخصيات المتألقة أطباء الأرواح ننشد من معينهم العلاجات الأخلاقية والتربوية التي تهذّب النفوس وتوجهها إلى أعلى درجات السلامة وتقيها من الأمراض والرذائل الأخلاقية، فهذه الدراسات التأملية لا تذهب سدى ولا تبحث في أمور لا نفع منها، بل تجري في صلب أهم معالم معرفة الإنسان بنفسه التي بين جنبيه، وتحقيق تصورات حول جوهر الإنسان ومظاهره العقلائية والروحية والسلوكية.

بالتأكيد أن دائرة التفكير الواعي والنظر في نتائج وعواقب الأمور أساس حركة الإنسان الجوهرية والتكاملية، حيث أن إدارة الإنسان أموره وعلاقاته وفق البصيرة والتكامل وقدرته على فهم الواقع من نتاج الحكمة وطريقة التفكير العقلائية، فيميز بين موارد العطب والخسارة والخطأ الذي يرديه وما بين طريق الخير والصلاح والمواقف الممدوحة، ودون شك أن الاستظلال بهدي شخصية عظيمة كالإمام الباقر (ع) يسهم في تطبيق ينابيع الحكمة المستقاة من كلماته وتطبيقها وتجسيدها على أرض الواقع، فتعميق حركة الفكر والاستصباح بهديها يعد من العلامات المميزة للشخصية الإيمانية التي يتجلى ومضات فكرها على أرض الواقع والحقيقة في عملية موازنة بين الفكر الواعي والسلوك المستقيم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى