هل تفهم الببغاوات فعلًا ما تقول؟

المترجم : عدنان أحمد الحاجي
ببغاوان ملونان يقفان على غصن شجرة. عندما تتكلم الببغاوات، هل تقلد (تحاكي) ما تسمعه من الناس فحسب، أم أنها تفهم المعنى الكامن وراء كلمات الناس؟
في الحياة الفطرية، تُصدر الببغاوات أصواتًا كالصرير والزعيق والصفير والزقزقة للتواصل مع رفاقها في السرب. تعتمد هذه الطيور الاجتماعية (1) جدًا على أنظمة (لغة) تواصلها المعقدة (1، 2) للحصول على طعامها والتحذير من المخاطر المحتملة، بل تفيد الدراسات إلى أن الببغاوات تستخدم “نداءات التواصل المميزة (بصمات صوتية مميزة)” (3) للتواصل مع بعضها بعض، على غرار طريقة البشر في مناداتهم بعضهم بعضًا بالأسماء.
ولكن عندما تعيش الببغاوات مع البشر، لا تجد رفاقها في السرب معها لتتعلم منها كلمة “ببغاء”. بل تستخدم أدمغتها المتخصصة جدًا [للمعلومية، للببغاوات قدرات إدراكية استثنائية. في الثدييات، يرتبط تطور القدرات الإدراكية المعقدة بزيادة حجم الدماغ الانتهائي telencephalon والمخيخ، بالإضافة إلى النوى الجسرية pontine nuclei التي تربط هاتين المنطقتين ببعضهما. تمتلك الببغاوات دماغًا انتهائيًا كبيرًا نسبيًا يُضاهي دماغ الرئيسيات (4).] للقدرة على تمييز وفهم الكلام البشري. فهل تفهم الببغاوات فعلًا ما نقوله عندما نتحدث، أم أنها مجرد بارعة في التقليد؟
الإجابة تعتمد على كل ببغاء في حد ذاتها وكيف دُربت، مع أن الدراسات تفيد بأن للببغاوات قدرة مذهلة على فهم الكلام البشري واستخدام الكلمات والعبارات بشكل مناسب.
“الببغاوات المدربة تدريبًا مناسبًا يمكنها تعلم قدر هائل من الكلام،” كما صرحت إيرين بيبربيرغ، أستاذ باحث في علم النفس وعلوم الدماغ بجامعة بوسطن، لموقع لايف ساينس Live Science: وقد أمضت بيبربيرغ حياتها المهنية في تدريب الببغاوات على استخدام اللغة البشرية. وكانت أشهر الببغاوات التي أخضعتها للدراسة، أليكس [يبدو أن هذه الببغاء ذكر]، وهو ببغاء رمادي أفريقي (والمعروف بالـ كاسكو (5، 6))، وهو معروف بمهاراته التواصلية المتميزة.
أليكس كان يعرف أكثر من 100 كلمة لأشياء وأفعال وألوان مختلفة. وكان يتمكن من العد حتى العدد ستة، وكان يستوعب مفهوم الصفر [وهو مفهوم مجرد عادة لا يستوعبه الطفل حتى يبلغ مرحلة الدرج؛ لكن الببغاء لا يفهم الصفر بالدقة كما يفهمه البشر، ولكنه يفهمه كغياب للشيء (7)]. عندما يُعطى أحد الأشياء، يستطيع أليكس معرفة لونه وشكله ومادته، بالإضافة إلى قدرته على مقارنة عدة أشياء بدقة باستخدام مصطلحات مثل “أكبر” أو “أصغر” و”مماثل” أو “مختلف.”
تم تدريب أليكس باستخدام منهجية دقيقة للتأكد من فهمه لكلمات محددة تنطبق على أشياء أو مفاهيم معينة. لكن الخبراء يقولون إنه حتى الببغاوات الأليفة العادية يمكنها تعلم خواص معينة من لغة البشر.
اكتساب الكلمات والعبارات
صرحت إيرين كولبير-وايت، الأستاذ المساعد في علم النفس بجامعة بوجيت ساوند Puget Sound في ولاية واشنطون الأمريكية، بأن الببغاوات قادرة بالتأكيد على اكتساب كلمات لأشياء حقيقية.
وأضافت: “لو كررت كلمة: “فول سوداني” مرات كافية، وأعطيتها حبة فول سوداني، كما تعطي طفلًا من الأطفال، فستتعلم معنى الكلمة.”
ولاختبار ما إذا كانت الببغاوات تفهم بالفعل أن كلمة “فول سوداني” تعني الفول السوداني بالفعل – ولم يكن ذلك لمجرد رغبتها في تناول أي نوع من الطعام (فول سوداني أو غيره) – قالت كولبير-وايت: “بإمكان المرء أن ينتظر الببغاء حتى يطلب حبة فول سوداني، ثم يعطيه طعامًا آخر غير الفول السوداني. فلو كان الببغاء يعرف بالضبط معنى كلمة “فول سوداني”، فمن المحتمل أن يرمي الطعام غير المطلوب ويطلب حبة فول سوداني مرة أخرى.
قالت كولبير-وايت إن هذا النوع من التعلم ينطبق على الأشياء الملموسة والواقعية أكثر مما ينطبق على الكلمات أو العبارات المجردة. ومع ذلك، تستطيع الببغاوات تعلم القرائن السياقية المتعلقة بالكلمات الأكثر تجريدًا.
وأضافت بيبربيرغ: “أحيانًا يستخدم هذه الكلمات أو العبارات بطرق مناسبة، لأنه ذكي،”
على سبيل المثال، قد يتعلم الببغاء أن الناس عادة يقولون “مرحبًا” عند دخولهم البيت أو المكتب، ثم يبدأ هو بترديد كلمة “مرحبًا” لتحية الداخلين. قد لا يفهم الببغاء المعنى المفاهيمي العميق للكلمة، لكن مالكها سيجد هذا التصرف لطيفًا وسيكافئها بمنحها المزيد من الاهتمام. تُكوّن الببغاوات روابط قوية مع أصحابها، وتستجيب بسرعة لملاحظاتهم، مما يخلق دورة تعزيز يتعلم فيها الببغاء استخدام مفردات في سياقها المناسب.
في مثال آخر، تصف بيبربيرغ تعلم أليكس كيف يقول “أنا آسف”. تشتهر الببغاوات الرمادية الأفريقية بمشاكستها، وكان أليكس يكسر أو يأكل أشياء في المختبر. عندما مزّق أليكس رزمة أوراق مهمة، كما ذكرت بيبربيرغ في كتابها “أليكس وأنا” (نشرته دار هاربر، 2008)، انزعجت بيبربيرغ وبدأت تصرخ على الببغاء. ردّ أليكس بعبارة “أنا آسف”، وهي عبارة تعتقد بيبربيرغ أنه اكتسبها منها. قبل حادثة تمزيق الأوراق بفترة وجيزة، ضبطت بيبربيرغ أليكس ومعها كوب قهوة معطوب. غضبت في البداية ووبخته، لكنها سرعان ما أدركت أن أليكس ربما قد تأذى من هذا التوبيخ، فقالت بيبربيرغ له “أنا آسفة.” بعد ذلك، استمر أليكس في قول “أنا آسف” بعد كل مرة يقع في مشكلة أوكلما هددته بيبربيرغ بعقوبة.
وينطبق الأمر نفسه على عبارة مثل “أحبك”. قالت كولبير-وايت: “بالنسبة للببغاء، ما تعنيه عبارة “أحبك” ليس هو المفهوم المجرد للحب، بل تعني: ‘لقد تعلمت أنه كلما قلت هذه العبارة، كلما حظيت باهتمام كبير وبلمسة حنان وكلما تعلقت بصاحبي المالك.”
وأضافت: “لا أعلم أن هناك أي شيء مثير للاهتمام بشكل خاص في حقيقة أن الببغاوات لا تفهم مثل هذه العبارة، لأن هناك من البشر يقولونها ولا يفهمونها. كما تعلمون، فهي مجرد تخدم وظيفة ما.”
في نهاية المطاف، لكل ببغاء قدرته الفريدة على فهم الكلام البشري. بعض الببغاوات لا تتحدث إطلاقًا، خاصةً إذا كان معها ببغاء أخرى تغردان معًا، كما ذكرت كولبير-وايت.
وفي هذا السياق، تعتقد بيبربيرغ أن الوقت قد حان لمنح الببغاوات مزيدًا من التقدير لقدراتها الفطرية على التواص، لا إجبارها على تعلم لغتنا. هذان القدرة الفطرية التي لا يزال الباحثون لا يعرفونها إلّا بشكل سطحيي فقط ويحتاجون ألى التعمق في معرفة التواصل المعقد لدى الببغاوات.
وقالت بيبربيرغ: “نتعامل مع الحيوانات على أنها أقل ذكاءً منا بشكل عام، لكننا نتوقع منها أن تتعلم لغتنا التواصلية.” “لقد أمضينا أكثر من 50 عامًا في محاولتنا اختراق نظام لغاتها التواصلية، دون نجاح يذكر.”
مصادر من داخل وخارج النص
1- https://ar.wikipedia.org/wiki/طائر
2- https://ar.wikipedia.org/wiki/لغة_تواصل_الحيوانات
3- https://royalsocietypublishing.org/doi/10.1098/rsos.23083
4- https://www.nature.com/articles/s41598-018-28301-4
5- https://alexfoundation.org/the-birds/alex/
6- https://ar.wikipedia.org/wiki/ببغاء_رمادي_إفريقي
7- https://www.livescience.com/3907-birdbrain-parrot-grasps-concept.html
المصدر الرئيس
https://www.livescience.com/animals/birds/do-parrots-actually-understand-what-theyre-saying