أقلام

لو تكاشفتم ما تدافنتم

ياسر بوصالح 

حكمة موجزة منسوبة لأمير المؤمنين علي عليه السلام، ورغم أنها لا تتجاوز أربع كلمات، إلا أنها تكشف بوضوح عن طبيعة الإنسان وتعقيدات سلوكه الاجتماعي. تحمل هذه العبارة في طياتها تأملًا عميقًا في دور الستر في العلاقات البشرية، حيث يعتمد التفاعل اليومي بين الناس على وجود حواجز تحول دون كشف السرائر بالكامل. هذه الحواجز ليست مجرد مظاهر شكلية، بل ضرورات تضمن استمرار الثقة، الاحترام، وحتى الشعور بالواجب تجاه الآخرين.

لكن، ماذا لو زالت تلك الحجب وكُشفت الحقائق بلا قيود؟ هل سيتمكن البشر من التعايش؟

التطبيقات الدينية والتاريخية

هل نجد صدى لهذه الحكمة في سير أبناء الأنبياء (عليهم السلام)، حيث تكشف بعض الآيات—مثل (اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضًا) أو (لَئِن بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ(عن الصراع بين النوايا والتصرفات؟

وفي السياق ذاته، تتجلى هذه الفكرة في سير أصحاب المعصومين (عليهم السلام)، حيث تبرز الرواية المنسوبة لعلي بن الحسين (عليهما السلام)(والله لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله).

الأبعاد الاجتماعية والإنسانية

هل يُعدّ الستر نعمة تحفظ التوازن الاجتماعي، أم أنه شكلٌ ضروري من أشكال الخداع لضمان استمرار الحياة؟

كيف نحدد الحد الفاصل بين الصدق المطلق الذي قد يهدم العلاقات، والستر الحكيم الذي يصونها؟

هل كل إنسان يحمل أسرارًا قد تغيّر نظرة الآخرين إليه إذا كُشفت؟ أم أن البعض يعيش حياة قائمة على شفافية تامة؟

الانعكاسات الثقافية والطقوس

هل تنطبق هذه الحكمة على المجتمعات التي تختلف في طقوس دفن موتاها، مثل الهندوس الذين يحرقون الجثث وينثرون رمادها في أحد أنهارهم المقدسة؟ أم أن المسألة تتعلق بنظرة الإنسان إلى جسد الميت بصرف النظر عن الطقوس؟

الواقع الحديث والتكنولوجيا

هل أدّت وسائل التواصل الحديثة إلى زيادة التكاشف بين الناس، أم أنها خلقت أوهامًا جديدة من التستر، حيث يظن كل فرد أنه يرى الحقيقة بينما تحيط به صور زائفة؟

إذا كانت الحقيقة الصريحة تهدد الروابط الاجتماعية، فهل المجتمع يحيا على المجاملات أكثر من الحقائق؟

العلاقات الدولية

هل تقتصر هذه الحكمة على العلاقات الشخصية، أم تمتد لتشمل العلاقات بين الشعوب والدول؟

هل إخفاء بعض الحقائق بين الأمم ضروريٌ لحفظ الاستقرار العالمي، كما هو الحال في قاعدة الثلاثين عامًا في بريطانيا للإفراج عن الوثائق؟

ختامًا، لم يكن هذا التأمل مجرد استعراض لحكمة واحدة من حكم أمير المؤمنين عليه السلام، بل هو دعوة لاستكشاف عمق رؤاه -بأبي هو وأمي – ، تلك التي تكشف لنا جوانب خفية من طبيعة الإنسان والمجتمع. فإذا كانت هذه الحكمة وحدها تفتح لنا باب التساؤل عن التوازن بين الصراحة والستر، فكيف سيكون الحال لو غصنا في بقية حكمه، واستكشفنا دلالاتها المتعددة؟ هل يمكننا الوصول إلى نقطة وسطى تحفظ العلاقات دون أن تكون قائمة على الأوهام؟ وهل الستر دواء يُعطى بجرعات محسوبة، أم أنه ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها؟.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى