أقلام

رحلة روحية

السيد فاضل آل درويش

تقبل محطات زمانية ببشرى النفحات والجوائز الإلهية للعباد، والتي تحفّزهم و تحرك قواهم نحو ميدان الطاعة والعبادة والارتقاء الروحي والتوازن الفكري ، ويوم عرفة من الأيام العظيمة التي لها خصوصيتها وفضلها الذي يدفع المرء نحو اغتنام هذه الفرصة وتحويلها إلى موقع توبة نصوح يعترف فيها بما ارتكبه من خطايا وتقصير، ويدعو ربه أن ينال كفلا من رحمته الواسعة وعفوه العظيم بما يعيده إلى موقعية الطهارة النفسية من شوائب الرذائل، ومن أفضل السبل في هذا اليوم لتستيقظ الروح من سباتها وغفلتها هي تلك المضامين التي يحملها دعاء الإمام الحسين (ع) في يوم عرفة ، فهو – بحق – موسوعة متكاملة من المفاهيم العقائدية والتأملات الفكرية ومسلك عرفاني يأخذ بيد السالك نحو طريق الحق والهداية، فالاستعداد العقلي بتخليته من التيه والتجوال في التفكير بالأمور الدنيوية، والتهيؤ النفسي للاغتراف من هذا الكنز المعرفي والروحي بما يعلي نفسه نحو الخوف من الله تعالى والحذر من مواطن الزلل، ويتلو فيه من الكلمات ما يظهر الافتقار إلى التدبير وحاجته إلى التوفيق الإلهي، وهذه الومضات المعرفية تنير عقله وتعيد حساباته بالانشغال بما يعمر مستقبله الأخروي، ودون شك أن إرادته تتقوى في طريق الطاعة والصبر على أداء العبادات.

هذا الدعاء منهج عقائدي في بيان أصل التوحيد وإثبات الأسماء الحسنى والصفات الإلهية الثبوتية، كما أن استعراض نظام البناء البدني للإنسان واستعراض أجزائه، بما يعرّف الداعي بتلك النعم الإلهية في الملاءمة بين التركيب والوظيفة فيها، وهذا ما يرسّخ عقيدة الإيمان بالله تعالى عبر نظام العقل الواعي والفكر الرشيد، ويبرمج العقل الإيماني لفهم حقيقة الأحداث ومجريات الأمور وتدبير شئون العباد في كل حالاتها، نحو الحكمة والعدل الإلهي حتى في حالات الضراء والابتلاء وإن كنا نجهل المصلحة والمنفعة فيها، ويحدد الموقف الإيماني أمام المصاعب والمصائب بالرضا والتسليم، وهذا لا يتعارض مع الأخذ بالأسباب والعمل على الخروج من عنق الزجاجة للمشاكل.

وبخلاف الجانب العقائدي فهناك الجانب العرفاني لتطهير النفس من شوائب الخطايا والرذائل الأخلاقية، وذلك من خلال الوقوف أمام مرآة النفس ومحاسبتها والتدقيق في كل ما يصدر منه لتصحيح ومعالجة أخطائه، وتلك المعالجة حركة عملية تجسد خوفه من الله تعالى بالتحرز عن الأسباب والعوامل المؤدية للانزلاق في وحل المعاصي، كما أن التواضع أمام العظمة الإلهية يقود نحو الاعتراف بالخطيئة دون مكابرة.

علاقة الإنسان بربه في خط التقرب يرسم معالهما دعاء عرفة من خلال الدعوة إلى الالتزام بالصدق في كل الأحوال، والتمسك بالعروة الوثقى للتقوى بالتورع عن محارم الله تعالى والتزام قيم الدين السامية، وهذا ما يجلي حقيقة الدنيا المرتبط بعالم الآخرة في وجهها المتوافق مع الكرامة والإرادة الإنسانية، من خلال العمل في خط طاعة الله تعالى والترفع عما يسقطه على أرض النقائص.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى