اكتشاف معالم أثرية عمرها سبعة آلاف سنة في منطقة من جنوب شبه الجزيرة العربية

المترجم : عدنان أحمد الحاجي
دراسة جديدة وضعت معًا سبعة آلاف سنة من تاريخ جنوب شبه الجزيرة العربية لإثبات كيف غيّر رعاة الماشية القدماء مواقع وتشييد المعالم الأثرية (1) بمرور الزمن في محاولة لمواجهة العوامل البيئية والعوامل الثقافية (كاللغة والتعاليم الدينية والعادات والتقاليد). الدراسة (2) نُشرت في 28 مايو 2025) في مجلة PLOS One، وثّق فيها فريق دولي من باحثي علم الآثار كيف تغيرت المعالم الأثرية مع تغير المناخ من بيئة مطيرة إلى صحراء قاحلة.
بُنيت المعالم الأثرية القديمة على يد مجموعات كانت كبيرة في حجمها في زمن ما. لكن نتيجةً لجفاف المناخ (قلة الأمطار) المتزايد، بدأت مجموعات أصغر بتشييد ذلك النوع من المعالم، وفي النهاية شيّدت العديد منها خلال عدة هجرات وصلت إلى تلك المواقع.
“تثبت نتائج دراستنا أن تشييد المعالم الأثرية تقنية مرنة تعكس قدرة رعاة الصحراء على الصمود في مواجهة تغير المناخ،” بحسب جوي مكوريستون Joy McCorriston، المؤلف الرئيس للدراسة وأستاذ الأنثروبولوجيا (3) ومدير مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة ولاية أوهايو (4).
لكن الدور الرئيس الذي لعبته هذه المعالم في حياة الناس ظل ثابتًا.
“هذه المعالم هي معيار الانتماء الاجتماعي (5) البشري،” كما قالت مكوريستون.
ومع تقلص أعداد هذه المجموعات وتفرقها في الصحراء، تفاعل الناس مع المعالم عزز شعورهم بالرغبة في الانتماء إلى مجتمع أكبر.
درس فريق البحث 371 معلمًا أثريًا في منطقة ظفار القاحلة في عُمان. أقدم المعالم التي دُرست كانت مشيدة منذ 7500 سنة إلى ما قبل 6200 سنة مضت في العصر الهولوسيني المطير. وقد اتسمت هذه الفترة بارتفاع معدل هطول الأمطار مقارنةً بالعصر الحديث في جنوب شبه الجزيرة العربية.
أحدث المعالم الأثرية التي دُرست شُيّدت قبل 1100 سنة إلى ما قبل 750 سنة، أي خلال العصور القديمة المتأخرة (235 – 284) (6)عندما تحولت المنطقة إلى صحراء قاحلة.
وصرحت مكوريستون بأنه بالرغم من أن نماذج من معظم المعالم الأثرية والمواقع الأثرية قد دُرست وصُنّفت سابقًا، إلا أن تلك الدراسات كانت عمومًا منحصرة بشكل وثيق بالزمان والمكان.
وأضافت: “ما قمنا به في هذه الدراسة هو أخذ نظرة كلية وإثبات كيف كانت كل من هذه المعالم الأثرية جانبًا بسيطًا من صورة أكبر لكيف تغيرت المعالم الأثرية نتيجةً لتغير حياة الناس على مدى آلاف السنين.”
وحلل الباحثون نتائج مجموعة دراسات رصدت جميع المعالم الأثرية، كما طوروا نموذجًا يمكن استخدامه في أطر أو سياقات وأماكن أخرى حول العالم.
على سبيل المثال، قد يكون النموذج قابلاً للتطبيق والتكييف لعمل تقييم للصمود (المرونة) الاجتماعية في مناطق، مثل الصحراء الكبرى، ومنغوليا، ومرتفعات الأنديز. [المرونة الاجتماعية social resilience هي قدرة الكيانات الاجتماعية والآليات الاجتماعية على توقع الكوارث والعمل على التخفيف من آثارها والتعامل معها بشكل فعال والقيام بأنشطة للتعافي منها والتي من شأنها أن تحد من الاضطرابات الاجتماعية ومن تبعات الكوارث المستقبلية (7)].
من أهم القياسات التي أجراها الباحثون كانت على حجم (الطول x العرض x الارتفاع) ومقاس كبر الأحجار (صغيرة أو متوسطة أو كبيرة) المستخدمة في تشييد المعالم الأثرية. أقدم المعالم الأثرية المشيدة التي غطتها الدراسة كانت عبارة عن منصات من العصر الحجري الحديث (الممتد من 9000 – 4500 قبل الميلاد)، استُخدمت فيها أحجار كبيرة. كانت هذه أكبر المعالم الأثرية التي تناولتها الدراسة، وقد شُيدت في وقت واحد.
قالت مكوريستون: “تكمن أهمية الأحجار الكبيرة في أنها تحتاج عدد كبير من الناس لرفعها. نعلم أن رفع أكبر الأحجار تحتاج إلى سبعة رجال أقوياء على الأقل.”
“لم يكن من الممكن بناء هذه المعالم الضخمة، التي بُنيت دفعة واحدة، إلا في مراحل مبكرة، قبل أن تُصبح المنطقة قاحلة. في ذلك الوقت، حيث كان بإمكان مجموعات كبيرة من الناس التجمع حينئذ في نفس الوقت والتعاون في تشييدها.”
بعض هذه المعالم الضخمة كانت قادرة على استيعاب تجمعات كبيرة من الناس، حيث كانوا يجتمعون مع قطعان الماشية، ويُقدمونها قرابين ويحتفلون بأعيادهم ويُقيمون ولائمهم.
مع ارتفاع نسبة الجفاف في المنطقة وعدم قدرتها على استيعاب أعداد كبيرة من الناس أو تجمعهم، هاجرت مجموعات صغيرة منهم إلى مناطق كثيرة، بحثًا عن الماء والمرعى لمواشيهم. واضطروا مع ذلك إلى تشييد معالم أثرية في مرحلة ما، مثل المدافن، ولكن بحلول تلك المرحلة، أصبحت هذه المعالم أصغر حجمًا واستخدمت فيها أحجار أصغر حجمًا كذلك، وفقًا للباحثين.
ما أصبح أكثر شيوعًا هو ما يُسمى بالمعالم التي بناها الناس على مر الزمن خلال رحلاتهم المتعددة إلى نفس المواقع – أحيانًا على مدى سنوات كثيرة – ولم تُشيد دفعةً واحدة في نفس الوقت أو خلال رحلة واحدة إلى الموقع، مثل منصات العصر الحجري الحديث السابقة الذكر. ومن أمثلة هذه الآثار التريليثات triliths التي لم تشيد دفعة واحدة، بل على مدى فترات زمانية [وهي معالم أثرية مشيدة من ثلاثة أحجار: حجارتان قائمتان يعلوهما حجر ثالث كجسر بين القائمتين (8، 9)]. العدد الأكبر من هذه التريليثات، إلى جانب أحجار بأحجام أصغر بينها بعض الأحجار الثقيلة، تتسق مع المعالم التي بنتها مجموعات صغيرة ومتفرقة على مر الزمن في عصر يتميز بجفاف حاد (ندرة أمطار).
كانت هذه المعالم التي شُيدت على مدى فترات بمثابة معايير اجتماعية، مما سمح للرعاة بالحفاظ على علاقتهم وصمودهم الاجتماعي حتى مع تزايد تفرق هجراتهم وحجم تجمعاتهم.
وقالت الباحثة: “في كثير من الحالات، كانوا يخلدون ذكرياتهم. إذا وجدوا معلمًا أثريًا أضافوا إليه من جانبهم مساهماتهم، والتي كانت جانبًا مُكررًا مما هو موجود في المعلم الأثري. ساعد ذلك الناس على الحفاظ على مجتمعهم، حتى مع أولئك الذين نادرًا ما يلتقون بهم،”
ووفقًا لماكوريستون، من المستحيل الحديث عن الرسائل الدقيقة التي من المفترض أن تعبر عنها هذه المعالم وتوصلها إلى الآخرين. “ما يمكننا قوله هو أن هذه المعالم نقلت معانٍ واضحة للآخرين الذين يشاركون مشيديها نفس الإطار الثقافي.”
مع ذلك، من الممكن أن تكون بعض المعالم الأثرية قد بُنيت للتأكد من حصول آخرين من شبكات اجتماعية على معلومات بيئية مهمة عند وصولهم إليها فيما بعد. [الشبكة الاجتماعية هي بنية اجتماعية مكونة من أفراد تربطهم علاقات قرابة أو صداقة أو بينهم مصالح مشتركة، حسب التعريف (10)].
وأضافت الباحثة: “الناس حينئذ كانوا يحتاجون إلى معرفة ما إذا كانت قد هطلت أمطار في هذا المكان في العام السابق؟ هل أتت الماعز على كل المرعى وأكلت العشب؟ استخدم الرعاة هذه المعالم الأثرية لمساعدتهم على توطين أنفسهم وقبول التعرض لمخاطر التواجد في بيئة متغيرة ومحفوفة بالمخاطر بطبيعتها وعلى التخفيف من وطأتها” ومن شأنهم أنهم كانوا يحتاجون إلى الاعتماد على الشبكات الاجتماعية لتجارة أو مقايضة الماشية، والبحث عن شركاء حياة (للزواج)، وتبادل المواد النادرة، مثل الأصداف البحرية، والعقيق، والمعادن.
هذه إحدى النتائج الرئيسة التي توصلنا إليها. نموذجنا يُسلّط الضوء على الاعتماد على المعالم الأثرية للحفاظ على الروابط الاجتماعية والتكيف اجتماعيًا في عالم متغير.
شارك في الدراسة من جامعة ولاية أوهايو كلٌّ من لورانس بول Lawrence Ball، وإيان هاميلتون Ian Hamilton، وماثيو زِن Matthew Senn، وأبيغيل بوفينغتون Abigail Buffington. كما شارك في الدراسة مايكل هارور Michael Harrower من جامعة جونز هوبكنز، وسارة إيفوري Sarah Ivory من جامعة ولاية بنسلفانيا، وتارا شتايمر-هيربيت من جامعة جنيف، سويسرا، وعلي أحمد الكثيري وعلي مسلم المهري من وزارة التراث والسياحة في صلالة، سلطنة عُمان.
مصادر من داخل وخارج النص
1- https://ar.wikipedia.org/wiki/معلم_تذكاري
2- https://journals.plos.org/plosone/article?id=10.1371/journal.pone.0323544
3- https://anthropology.osu.edu
4- https://mesc.osu.edu
5- https://ar.wikipedia.org/wiki/انتمائية
6- https://ar.wikipedia.org/wiki/عصور_قديمة_متأخرة
7- https://lucris.lub.lu.se/ws/portalfiles/portal/196911640/social_resilience_defintions.pdf
8- https://en.wikipedia.org/wiki/Trilithon
9- https://squ.elsevierpure.com/ar/publications/الأحجار-الثلاثية-في-منطقة-جعلان-بني-بوحسن-المنطقة-الشرقية-بسلطنة-
10- https://ar.wikipedia.org/wiki/شبكة_اجتماعية
المصدر الرئيس
https://oia.osu.edu/news/2025/06/03/sweeping-study-7000-years-monuments-south-arabia