علي الوباري
للمفاهيم دلالة معرفية في التقدم حين يتطور المصطلح بما يواكب المتغيرات الإدارية والاقتصادية والاجتماعية ليكون ملائمًا للواقع الثقافي بحيث يغدو جزءًا من السلوك الاجتماعي ومحفزًا للتنمية، مثل مفردة التطوع، عُرّف بالعمل وبذل الجهد للغير وخدمة المجتمع دون مقابل أو أجر، ويطلق على الفاعل متطوعًا وهو الفرد الذي يقدم خدمات اجتماعية وتنموية مجانية دون مقابل مالي.
مفهوم التطوع مفهوم أصيل في المجتمعات وجزء سلوكي من حياة الشخص، وفي التنمية الاجتماعية.
بداية التطوع هو ريعي وهو مفهوم مناسب للأفراد والمجتمعات التي تعيش وفق قيم التعاون والتعاضد لتحقيق أهداف اجتماعية وخيرية، ويقدم المتطوع جهدًا عضليًا أو تبرعًا ماليًا أو معنويًا ينتهي أثره بوقت قصير ليس فيه استدامة أو أثرًا منتجًا محسوسًا ولكن الاستدامة أصبحت جزءًا من مفهوم التطوع الفعال. ولا ينكر التطوع الخيري بل هو أس التكافل الاجتماعي.
في زمن المؤسساتية أصبح العمل المؤسسي المتضمن أهدافًا وخططًا وتنظيمًا وعلاقات بين قطاعات متعددة وأفراد يشاركون في صنع القرارات اُدرج مفهوم القطاع غير الربحي وهو أكثر اتساقًا مع الفعل المؤسسي في الدولة الحديثة ومكملًا للقطاعين العام والخاص.
تحول المفهوم التطوعي الفردي والجماعي إلى المؤسسي غير الربحي يحمل معنى مرتبطًا تنظيميًا مع قطاعات أخرى له مؤشراته وآثاره الاجتماعية والاقتصادية، وامتد إلى مفهوم متداول أكثر حداثة هو الاستثمار الاجتماعي الذي يدر ربحًا ليكون احد عوامل التمويل الذاتي في القطاع غير الربحي الذي أساسه التطوع، فما تزال المجتمعات بخير في نشاطها الاجتماعي والتنموي، ولكن مقتضيات عمل الإدارات في التنظيمات المؤسساتية ارتقت بالتطوع إلى الفعل المؤسسي الذي اتخذ انماطًا متنوعة في التطوع وأشكالًا تطوعية إدارية ذات ابعاد اختصاصية.
حسب تعريف التطوع المتعارف عليه ، وهو أداء فعل وخدمة دون مقابل مالي، ربما يظن البعض أن النشاط التطوعي قل- حسب هذا التعريف- وهذا غير صحيح، فالتطوع أحد مكملات شخصية المجتمع وهويته، لأنه مدفوع بالأجر من الله ومُحرك بالثواب، وقائم على المبادئ الدينية والقيم الاجتماعية ومن ينظر إلى أي نشاط اجتماعي يرى جانب التطوع مساهمًا فيه وجزءًا من نجاحه في أي مجتمع حيوي قائم على التضامن والتكافل، حيث ينتج عنه أنموذج تطوعي من قبل الأفراد والجماعات والمؤسسات، وحتى يكون التطوع فاعلًا ومنتجًا ومؤثرًا اقتصاديًا في عصر التقدم الإداري والاتصالات التقنية والرقمية ينبغي أن يحكم بأنظمة وقوانين وحوكمة تقيس الأثر الاجتماعي والاقتصادي.
وبما أن التطوع هو مفهوم حيوي متحرك يتطور معناه بتقدم ثقافة المجتمع وتقدم المجتمع الذي يقاس بمستوى تعليمه وثقافته وتفاعله مع متغيرات التنمية، انتقل التطوع إلى مستوى أعلى باعتباره فعلًا فرديًّا ولكن محكوم بتنظيم مؤسسي ومرتبط بعدة جهات تشترك في التنمية الوطنية الشاملة المستدامة.
في عصر سيطرت فيه الاتصالات الإدارية التقنية والرقمية، من الطبيعي أن يأخذ التطوع شكلًا مختلفًا بسبب التطورات التقنية، وإن كان مفهوم التطوع كنشاط فردي ما يزال موجودًا وهو المحرك وفي نمو دائم، ولكن انتقل إلى درجات أعلى بسبب مستوى التعليم والوعي الاجتماعي والتقدم الإداري.
وكان للاختصاص العلمي والمهني دور نقل التطوع المؤسسي إلى واقع محكوم بأطر تنظيمية ترفع من مستوى الاداء والجودة، مثل التطوع الصحي وتنظيم السلوك الاستهلاكي وتحريك الوعي نحوه. إن الانتقال إلى التطوع الاختصاصي ينظم ويدار بإدارة اختصاصية من ذوي الاختصاص بإجراءات تتوائم مع مجال الاختصاص التطوعي.
وتقتضي المرحلة المتقدمة من التطوع التسلح بمعارف ومهارات اختصاصية حسب المجال التطوعي، فالتطوع البيئي على سبيل المثال ينقسم إلى عدة اختصاصات، منها البيئة الزراعية والبيئة البحرية والجوية، وهذه الأنواع من التطوع ترفع تكلفة أدائها لأنها تتطلب مهارات وقدرات خاصة في الأداء التطوعي، وبالتالي تشترك جهات عديدة في تنفيذها باحترافية لتقلل التكلفة وتخفض آثارها السلبية وتزيد من فوائدها الإيجابية.
كذلك سلطة التقنية الاتصالية المرتبطة بشبكة الإنترنت ساهمت بشكل كبير في تنوع اختصاصات التطوع، فأصبحت هناك اختصاصات تطوعية لم تكن معروفة كمراقبة المناخ وتلوث البيئة من الفضاء، وهذا ما تمت ملاحظته في زمن جائحة كورونا عام ٢٠١٩ حتى نهايتها حيث برزت أنواع التطوع الرقمي التي لم تعرف من قبل في التطوع، وقد أنتج التطوع الرقمي اسماء ومفاهيمًا جديدة وأصبح جزءًا من منظومة القطاع غير الربحي.
حيوية المجتمع في تقدمه ومواكبته المتغيرات العالمية في الإدارة والتفاعل مع التطورات في المجالات التي تأتي بالفوائد، بحيث يصبح متفاعلًا إيجابيًا مع غيره في واقع محكوم بشبكة علاقات رقمية.
