أقلام

الطفل الوحيد.. حبٌ كبير وألمٌ صامت

زكي الشعلة

قد لا يعجبك المقال بما يتضمنه من آراء تتعارض مع القناعة والمصلحة الشخصية وبالخصوص من هو السبب في ذلك، ومن الغريب أن البعض منا يتهرب من الإقدام في حل المشكلة من باب الإحراج أو عدم التمكن لأحد الزوجين أو كليهما. وأذكر موقفًا من طفل قال لي بعد انتهاء الحصة التعليمية: لا أريد الذهاب إلى البيت فلا يوجد أحد معي يشاركني الحياة، فأبي مشغول، وأمي في العمل وأنا كثير من الوقت أجلس وحدي، فقد مللت الوحدة. كلام الطفل من واقع تجربته في الحياة الأسرية فإنه يكبر بمفرده دون سندٍ من الأخوة، ودون رفيقٍ في المواقف الحياتية الصعبة، ولا من يشاركه الهمّ أو الفرح، ولا من يتقاسم معه مشوار الحياة الطويل.

إن الأخوّة ليست مجرد عدد، إنها ظهر وسند وعون ومؤازرة وشراكة في الأحلام وأمان من الانكسارات، ومهما أحببنا أبناءنا فلن نستطيع تعويضهم عن شعور الأخوة، كم طفلٍ وحيد في بيت أسرته وعيناه حزينة بسبب أن والديه مشغولان ولا يرغبان بالإنجاب بحجة واهية مثل تنظيم النسل أو مشكلة طبية أو مادية أو أمور أخرى حتى يكبر ولدهما ويبلغ السن العاشرة أو أكثر ويكبران معه.

الطفل الوحيد في الأسرة قد يُغمر بالحب، وتُفتح له الأبواب دون منافس ويُمنح العناية والاهتمام الكثير من والديه، ولكن الحقيقة التي كثيرًا ما تُخفى أو يتم تجاهلها هو أنه يكبر بمفرده ووالداه يكبران معه وتتشكل صعوبة في الإنجاب بسبب طبي أو الإرهاق من العمل أو التعب الجسدي والرغبة في الراحة وعدم الالتزام بالتربية والعناية بمولود جديد.

الحكمة الشعبية القديمة تلخص كثير مما نقول: (ولد الشباب للشيبة، وولد الشيبة للخيبة) فإنجاب الأطفال في فترة الشباب أفضل بكثير من المراحل العمرية المتقدمة طبيًا أو اجتماعيًا أو تربويًا وهو استثمار حقيقي في رحلة الحياة، فحين يكبر الطفل يكون والداه في مرحلة القوة والمرونة تساعدهما على تربيته ومشاركته اللعب والتوجيه والإرشاد وتحقيق الأحلام، وإذا كان والداه تقدم بهما العمر فيكونا منهكين متعبين يبحثان عن الراحة والهدوء وطفلهما في أول طريقه من الحيوية والنشاط.

ولا ننسى بأن الطفل الوحيد ينشأ في بيئة صحية وناجحة ويحصل على اهتمام كامل من والديه في التربية والتعليم، وغالبًا تلبى احتياجاته بشكل أسرع وأكثر دقة، وكما أنه يقضي وقتًا أطول مع الكبار يكتسب منهم الثقافة وتجربة الحياة ويجعله أكثر نضجًا من أقرانه، ويتعلم الاعتماد على نفسه في كثير من الأمور في سنٍ مبكر. وكما يكون قريبًا من والديه في الحوار والثقة ويسود منزله الهدوء والاستقرار بعيدًا عن صراع الأخوة والغيرة.

رغم كل الإيجابيات إلا أن الواقع والتجارب تُظهر أن هناك تحديات نفسية واجتماعية وسلوكية يواجهها الطفل الوحيد بشكل أكبر من غيره ومن أبرزها أنه لا يجد من يشاركه اللعب والمواقف اليومية في الطفولة، ويفتقد وجود شخص في أسرته يرافقه مواقف الحياة وتجاربها، وكما لا يجد سندًا حقيقيًا عند الكبر، يشكل ارتباطه بوالديه الاعتماد عليهما ويصعب عليه الاستقلال لاحقًا، وأخيرًا شعوره بالوحدة والانعزال حيث يعاني من فراغ عاطفي ولا سيما في المناسبات والإجازات فلا يشاركه أحد في بيته.

ومن هنا نقول بأن الذرية والإنجاب في فترة الشباب نعمة كبيرة، ومن يواجه تأخرًا بسبب مشكلة طبية أو شرعية فليبادر للحل، فباب الأمل بالله مفتوح ورحمته وسعت كل شيء، فالوقت والعمر لا ينتظر أحدًا، تمر الأيام والسنون وأنت في مكانك لم تبادر لحل المشكلة، فلا تحرم ابنك من نعمة الأخ أو الأخت فإنه ضرورة في مشاركته الحياة. ولا تجعل انشغالك وحجتك سببًا في وحدته، فالأخوة عزوة واعلم بأن ولد الشباب للشيبة سند وقوة.

رزقكم الله الذرية الطيبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى