أقلام

ماذا كتب المستشرقون عن تراث الأحساء

طالب البقشي

يمثل أدب الرحلات والتجوال لأستكشاف تراث وحضارات الأمم والشعوب في بقاع الأوطان، فنًا من فنون الأدب العالمي، ومصدرًا مهم للدراسات التاريخية المقارنة، وأحد المصادر الأثرية المساعدة في كتابة التاريخ. وتعد كتابات الرحالة والمستشرقين نافذة لرؤية الآخر الأجنبي للحياة العامة والاجتماعية والاقتصادية في المنطقة العربية، وما تحمله من مشاهدات يوميه لحياة الشعوب وعاداتها وتقاليدها، وتقديم صورة مغايره للتوثيق المحلي حول منهج الكتابة التاريخية.

وساهم الرَّحالة الغربيون في الكتابة عن منطقة الأَححسَاء وحياة الناس بمنهج مختلف لما وثقه المؤرخون والباحثون من أبناء الأحساء، ورسم تنوع في منهجية الكتابة التاريخية وعرض وجهات نظر متعددة أظهرت جوانب ربما لا يراها أهل المنطقة، لأنهم اعتادوا عليها مما شكل فارقًا نوعيًّا مباينًا، وضاعف من تراكم التجربة في دراسة أدب الرحلات بشكل عام، وإلقاء الضوء على منهجية هؤلاء الرَّحالة في كتاباتهم وانطباعاتهم حول منطقة الأَحْسَاء يكمل أطروحة توثيق تاريخ المنطقة من زوايا مختلفة الأبعاد.

وشهدت الأحساء زيارة عدد من الرحالة الغربيين خلال القرن الحادي عشر الهجري (السابع عشر الميلادي)، ومنهم الرحالة الدنماركي كان كارتسن نيبور الذي زار الأحساء عام 1763م ضمن بعثة علمية دنماركية استكشافية، وقدم وصفًا عن الأحساء. وأثناء رحلته أقام في الهفوف، وتحدث عنها بتفصيل، ووصفها بالمدينة الكبيرة والمحصنة بأسوار وأبراج وتحدث عن كثافة النخيل، وأشار لاستخدام قنوات الري والمياه الجوفية الزراعية، واهتم بعادات السكان المحليين واصفًا الأوضاع الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية في كتابه “رحلة نيبور إلى الجزيرة العربية ”

وقدم الرحالة البريطاني ويليام بلجريف إلى الأحساء في عام (1279 – 1280 هـ )( 1862–1863م) واستهدف من رحلته الاستكشاف والملاحظة مع دراسة السكّان كعِرقٍ، ودراسة أحوالهم الفكرية والسياسية والاجتماعية، فقد وَصَف حي الكوت بأنه عبارة عن قلعة ضخمة يحيط بها خندق عميق وأسوار وأبراج تتميز بالارتفاع والسماكة، ووصف بقية الأحياء كحي النعاثل وحيّ الرفعة الذي قال عن شوارعه إنها واسعة ونظيفة جدًّا لدرجة أنه فضّلها على نظيرتها في دمشق، حيث وصفها (وشوارع دمشق أو بريدة لا تصل إلى ربع هذا الاتّساع أو النظافة)، فهو حيٌ صحّي لتميزه بالأناقة وجمال بعض مساكنه.

كما زار المبرّز وتجوّل في سوقها وشوارعها، ووصف بقية مرافقها، ثم تحدث عن قريبة الكلابية، ووصف أسواق الأحساء وحالتها الاقتصادية والتجارية، وكذا عيون الأحساء التي قال عنها بأنها تصل إلى قرابة 300 عين من كثرتها، وسلّط الضوء على النشاط الزراعي مُبديًا إعجابه بأنواع التمور والرطب لكثرتها، وخصّ رطب الخلاص بإعجاب كبير، حتى قال عنه إنه (أفضل رطب الدنيا كلّها).

وأما لوريمر فلم يزر الأحساء، ولكنه كتب عنها في كتاب “دليل الخليج” في جزأين (جزء تاريخي وجزء جغرافي – إحصائي). وفي عام (1908– 1915 م ) جمع معلومات تفصيلية عن الأحساء قديمًا وحديثًا من حيث الجغرافيا، والقبائل، وعدد السكان، والأنشطة الاقتصادية، وحتى المياه العذبة، واعتمد في توثيقه على تقارير رسمية وشهادات رحالة وتجار ومراسلات، وأشار في كتابه للتاريخ القديم (خاصة حقبة العثمانيين وبني خالد)، وأحصى لوريمر سكان الأحساء عام 1905 وذكر بأن واحة الأحساء بما في ذلك مدينة الهفوف يبلغ عدد سكانها 25000 والمبرز 8,500.

وكان عالم الطبيعة البريطاني تشيزمان من الرحالة الغربيين الذين وثقوا ملاحظاتهم حول واحة الأحساء خلال رحلته للهفوف عام 1923م بغرض البحث في المعالم الجغرافية وإجراء دراسة علمية على الحيوانات والنباتات مقدمًا وصفًا لمنطقة الأحساء من الناحية الجغرافية والزراعية، وخاصة كثافة النخيل والبنية الاجتماعية والعادات التي لاحظها في المنطقة، كما كتب عن أهمية موقع الأحساء الإستراتيجي والاقتصادي آنذاك وأصدر كتابه ” في بلاد العرب المجهولة” الذي نُشر عام 1926م والمدون كمذكرات شخصيه للرحلة، واصفًا الهفوف بقوله (كان منظرًا طبيعيًّا من البياض) وقصد بذلك حجر المنازل الرملي الجيري مع خلفيه داكنة من النخيل. وتارة يصف الحرفيين من الأجداد ويقول: كنت عندما أخرج من البيت الذي أسكن فيه وأنعطف باتجاه الشرق أمر بحوانيت الصفارين الصغيرة.

وخلال رحلته، جمع تشيزمان أكثر من 300 عينة من النباتات والحيوانات في واحة الأحساء، وهي محفوظة حاليًا في المتحف البريطاني. وكان تشيزمان أول من قام برسم خرائط للساحل العربي من خليج سلوى إلى العقير، وحدد موقع الهفوف بدقة، ويُعد كتابه “في بلاد العرب المجهولة” مصدرًا لفهم الحياة في الأحساء خلال تلك الفترة، حيث يصف بالتفصيل الجغرافيا، الزراعة، والحياة الاجتماعية في المنطقة.

وكتب فريدريكو فيدال كتاب “واحة الأحساء” عام 1952، أثناء عمله في شركة أرامكو السعودية وعرض في الكتاب تاريخ الأحساء الاجتماعي والزراعي، ومعلومات مفصلة عن قرى الأحساء وسكانها وأوضاعها الاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى دراسة للعيون والينابيع وآبار المياه.

وكتبت الرحّالة الإنجليزية الليدي آن بلنت عن الأحساء في كتابها “مذكرات الرحلة إلى الشرق” وفي هذا الكتاب وصفت الأحساء بأنها منطقة غنية بالزراعة، خاصة بالنخيل، مع الإشارة إلى أهمية الـ”نخيل” في اقتصاد المنطقة. كما ذكرت جمال الطبيعة في الأحساء، مثل الواحات والمسطحات الخضراء التي توجد في المنطقة.

وزار الرحالة الدنماركي باركلي رونكيير الأحساء عام 1912م واهتم برصد المزروعات التي على امتداد الأحساء من النخيل والبساتين في الهفوف وكتب كتاب “عبر الجزيرة على ظهر جمل ”

وترتكز منهجية الرحالة والمستشرقين في الكتابة التاريخية بأنها وصفية، تعتمد على المشاهدة الشخصية والانطباعات الذاتية، والهدف الغالب عليها استكشافي وأحيانًا تجاري ونادرًا ما تعتمد على المصادر المحلية أو الروايات الشفوية وتفتقر في كثيرمن الأحيان لمعرفة وفهم اللغة العربية، مما يؤثر في فهم السياق وقد تشتمل الكتابات تحيزًا ثقافيًا أو فهمًا ناقصًا للعادات والتقاليد وتشويه بعض الحقائق بدافع استشراقي وعدم فهم السياق المحلي بدقة. ومن حسنات توثيق المستشرقين أن مشاهداتهم كانت في فترات لم يكن فيها توثيق محلي كافٍ ويقدمون منظورًا خارجيًا يمكن أن يكون محايدًا في بعض الجوانب.

وأما المؤرخون والباحثون من أهل الأحساء والمؤرخون المحليون فأنهم اعتمدوا في الغالب على منهجية أكاديمية وتعتمد على الوثائق المحلية، والروايات الشفاهية، والمخطوطات. وتهدف إلى الحفاظ على الهوية التاريخية والثقافية للمنطقة ومصادرها أوسع من الرحالة، وتشمل أرشيفات محلية، ووثائق أوقاف، وسجلات المحاكم الشرعية ومن أمثلة المؤرخين المحليين المؤرخ عبدالرحمن الملا، والمؤرخ عبدالخالق الجنبي، والمؤرخ حمد الجاسر وقد وثّق جوانب من تاريخ الأحساء، والمؤرخ جواد الرمضان، والمؤرخ الشيخ محمد الحرز. ويمتازون باطلاع دقيق على البيئة والسياق المحلي واهتمامهم بتفاصيل قد يغفل عنها الرحالة الأجانب، وتوثيقهم باستخدام مصادر شفاهية ومكتوبة محلية، ومن الناحية العلمية فأن المؤرخين والباحثين من أهل المنطقة هم الأفضل في الدقة السياقية في فهم الجغرافيا الثقافية، واستخدام مصادر داخلية لا يعرفها الأجانب.

إلا أن الرحالة والمستشرقين لهم السبق في توثيق تاريخ الأحساء القديم والحديث في مراحل زمنية مبكرة (خاصة قبل النهضة التعليمية). ولكن يبقى أن التوثيق العلمي يتطلب التعامل مع أعمالهم بمنهج نقدي خصوصًا في الاستدلال العلمي في الدراسات التاريخية الحديثة، ويُعد الجمع بين المصدرين هو الأفضل والاستفادة من توصيفات الرحالة (كشهادات زمنية) للمصادر الأولية وتحليلها في ضوء السياق المحلي الذي يقدمه المؤرخون والباحثون المحليون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى