خلف الجدران

السيد فاضل آل درويش
العلاقة الزوجية حياة مشتركة تقوم على التفاهم واحترام شخصية الآخر والتعاون معه لإنجاح تواصلهما، والأمر لا يقتصر على الجانب العاطفي وتبادل الكلمات الرقيقة والصادقة التي تعبر عن أحاسيس شريك الحياة تجاه الآخر، فكلمات المحبة ومواقف المودة والمساندة لها تأثيرها العميق في وجدان الزوجين، ولكن لا يمكننا أن نغفل الجانب العقلي واحترام وجهات نظر الآخر والاستماع الجيد لحديثه، ومناقشة تلك التصورات تحت إطار الحوار الهادئ وتبادل وجهات النظر والوصول إلى مخارج وحلول ممكنة ومرضية للطرفين، لكل تلك المشاكل والضغوط الحياتية التي يمران بها وتحتاج إلى معالجة هادئة بعيدًا عن الانفعالات والتهور في الخطوات، ولا يعد البحث عن حلول للمشكلات الزوجية ومشاركتهما في خريطة طريق يرسمانها ترفًا، بل هو معالجة واقعية تحترم وجود وشخصية كل طرف بعيدًا عن الإلغاء والتهميش، فحالة الانسجام بين الزوجين لا تعني بالضرورة تطابقًا وتوافقًا في كل الآراء، بل هناك محطة لتسوية الخلاف والمشاكل تعمل على ترضية الطرفين واحترام وجودهما وهي طاولة الحوار.
والحوار بين الزوجين لا يعني كذلك تنازلًا مستمرًا من أحد الطرفين مما يجعله ضعيفًا كما يتصور البعض، بل هو توافق قائم على احترام وجودهما والتفاهم بينهما على مختلف الموضوعات التي تمسّ علاقتهما دون تعصّب أو تزمت، كما أن فكرة الانتصار الوهمي في فرض الآراء وإسكات الآخر مما يدل على إثبات وجود الطرف القوي، يدمّر علاقتهما ويهدم البنية الأرضية لعلاقة مستقرة بينهما، إذ فكرة إلغاء الآخر تمثل بداية لنفق مظلم يتجه نحو الجفاف العاطفي والجفاء وصولًا إلى حالة الصمت والانفصال.
النقاشات المتبادلة بين الزوجين تتعلّق بالاهتمامات المشتركة في المواضيع الاجتماعية والتربوية وغيرها، كما أنه فرصة مهمة للتعرف على شخصية شريك الحياة من خلال إفساح المجال له ليعبّر عن اهتماماته الخاصة والهموم التي تصيبه، فالمواساة وتشاطر الضغوطات الحياتية يعطي رسالة إيجابية قوية مفادها وجود طرف مساند في وسط عواصف الصعوبات الحياتية العاتية، كما أنه يبني جسور المحبة والثقة المتبادلة ويرفع عنهما أنقاض الأنانية والتقوقع حول الذات، ولا نبالغ إذا قلنا بأن الحوار الهادئ بينهما ليس مجرد أداة تفاهم وبحث عن حلول بقدر أنه وسيلة لتعميق وتجذير العلاقة القوية بينهما؛ ليشكلا جدارية متينة في وجه ما يعتريهما من هموم وأزمات.
ومن المهم لإنجاح الحوار بينهما أن يكون كل طرف منهما مستمع جيد لما يتحدّث به الآخر، فالبعض لا يولي هذا الأمر اهتمامًا بحجة الانشغالات وطبيعة الحياة اليوم في ظل التقدم التقني والالتصاق بوسائل التواصل الاجتماعي، غافلًا عن عماد العلاقة الزوجية وهو بناء جسور الاحترام والثقة المتبادلة من خلال تقريب وجهات النظر حول مختلف المواضيع التي تهمهم، فالأمان والسكينة العاطفية لا يتعلّق بالكلمات الرقيقة بقدر ما إنه يزيح عن النفس الشعور بالوحدة أو فقدان الشريك المتفاعل معه.