أقلام

المواد الكيميائية في أدمغتنا وتأثيرها في سلوكنا

المترجم : عدنان أحمد الحاجي

تصدير من المترجم

هذا النص جاء في مقابلة صوتية من ضمن برنامج بودكاست تبثه إذاعة Abc الأسترالية وتستضيفه المذيعة سناء قادر. وقد رأيت أنه نافع جدًا خاصة فيما يتعلق ببيولوجيا الدماغ وكيف تؤثر في السلوك، ولذا رغبت في نقله إلى القاري العربي. وبما أن النص هو عبارة عن سؤال من المذيعة وجواب من السيدة جيني سميث، رمزت لاسميهما بـ س لسناء و ج لجيني.

المقابلة

قالت جيني سميث من جامعة كامبريدج أنها لم تكتشف علم الدماغ كعلم حقيقي إلا في المرحلة الجامعية، حين استطاعت طرحت أسئلة علمية عن لماذا يتصرف الناس كما يتصرفون، وحينها رجعت إلى المصادر العلمية للإجابة عن هذه الأسئلة. إحساسها بالغموض فيما يتعلق بالأسباب الكامنة التي وراء تصرفات الناس كان من أعظم الأسئلة التي خطرت حينئذ على ذهنها.

“هنا برنامج All In The Mind. أنا سناء قادر مقدمة هذا البرنامج، وهذا السؤال يُلامس جوهر هذا البرنامج. لكن جيني قلقة من أن الكثير مما قيل لنا عن الأسباب الكامنة وراء تصرفاتنا قد بُسطت بشكل مبالغ فيه.

بدأت أرى تزايدًا في ذكر المواد الكيميائية في الدماغ في المراجع الثقافية. الناس يغردون عن أن هرموني الدوبامين والسيروتونين يذكران في الأغاني الشعبية. ولكن في كثير من الأحيان، كانت هذه الأفكار المُبسطة بشكل مبالغ فيه هي التي ترسخت في الوعي العام، فكرة أن الدوبامين يُسبب الإدمان أو أن السيروتونين، من جهة أخرى، وراء السعادة.

س: جيني الآن كاتبة علمية، وقد حوّلت اهتمامها إلى كتاب بعنوان “مُثقل”، يتناول كيف يتأثر كل جانب من جوانب حياتنا بكيمياء دماغنا. لذا، في البرنامج اليوم، سنأخذ المستمع الكريم في جولة سريعة في الدماغ.

وهدفنا اكتشاف كيف تؤثر بعض المواد الكيميائية في كل شيء، من كيف نشكّل الذكريات [نخزن الذكريات ونسترجعها (1)] إلى كيف ننجذب إلى شخص ونفع في حبه.

ج: قبل أن نستكشف الدماغ بحثًا عن المواد الكيميائية التي تؤثر في سلوكنا، لابد من بعض المعلومات الأساسية. أولًا، لمحة عن الخلايا العصبية.

إذن، لا تُعدّ المواد الكيميائية في الدماغ مهمة جدًا إلا إذا كان لها تأثير في الخلايا العصبية. فالخلايا العصبية هي التي تُشكّل شبكة الدماغ.

الخلايا العصبية هي التي ترسل الرسائل فيما بينها. ولكن حتى تصل الرسالة من الخلية الأولى إلى الخلية العصبية التالية في السلسلة. لابد أن تعبر المشبك العصبي (2).

وهنا يأتي دور المواد الكيميائية. إيصال هذه الرسالة عبر المشبك العصبي، عادةً ما تفرز الخلية العصبية الأولى مواد كيميائية. تنتشر هذه المواد، وتلتقطها مستقبلات في الخلية العصبية التالية، وهذا يُسبب حدوث شيء ما فيها.

سناء قادر: “إذن، ما الشيء الذي يحدث في الخلية العصبية الثانية؟ حسنًا، هذا يعتمد أيضًا على المواد الكيميائية المُؤثرة.

جيني: لهذا السبب أعتقد أن المواد الكيميائية نفسها مثيرة للاهتمام بالفعل.

سناء قادر: حسنًا، آن الأوان للتعرف على المادتين الكيميائيتين اللتين وصفتهما جيني على أنهما أساس عمل الدماغ.

في المحور التالي، مقدمة عن الغلوتامات (3) وحمض غاما أمينوبوتيريك (4) (GABA).

لنبدأ بالغلوتامات. تعتبر واحدة من أكثر المواد الكيميائية انتشارًا في الدماغ، وتساعد في انتقال الرسائل من خلية عصبية إلى أخرى، كما أنها تُسهل سلسلة من عمليات انتقال الرسائل نوعًا ما عبر الخلايا العصبية.

جيني: الغلوتامات تُحفّز الخلية العصبية الثانية على إرسال إشارتها (رسائلها)، وهكذا تنتقل الرسالة من أطراف أصابعنا إلى جزء من دماغنا، ثم إلى جزء آخر، ثم تعود إلى ذراعنا لمساعدتنا على التقاط (المسك بـ) شيء ما، أو تحريك يدنا، أو أي شيء آخر.

سناء قادر: مادة الـ GABA الكيميائية، وهي العامل الآخر، لها تأثير معاكس في الخلايا العصبية.

جيني: “لذا، لو أفرزت الخلية العصبية الأولى GABA، فإن احتمال افراز الخلية العصبية الثانية له تصبح أقل. وهذا يُعطي نوعًا من التأثير المُهدئ (ملطف) على الدماغ.

سناء قادر: حسنًا، تأثير كلا المادتين في سلوكنا؟ ماذا يعني ذلك؟ كيف يتجلى ذلك؟

جيني: حسنًا، يعتمد كل ذلك على المنطقة من الدماغية التي نتحدث عنها. على سبيل المثال، تُعدّ الغلوتامات مهمة جدًا للتعلم، ولتعلم مهارات جديدة، ولتعلم معلومات جديدة. لو كنت، على سبيل المثال، تتعلم كيف تقود دراجة هوائية وبدأت بالتدرب على قيادتها، فإن ما ستفعله هو تنشيط شبكة معينة من الخلايا العصبية التي تتحكم في تلك الحركات المحددة، وماذا تراه أمامك، وكيف تستجيب وتتصرف بحسب ذلك.

وبتنشيط تلك الخلايا العصبية مرارًا وتكرارًا، فستجعلها تفرز كميات كبيرة من الغلوتامات. الآن، ماذا يحدث إذا أفرزت الخلية العصبية كميات كبيرة من الغلوتامات مرارًا وتكرارًا؟ هل تبدأ في الواقع في الخضوع لبعض التغييرات طويلة الأمد؟ بحيث تبدأ الخلية العصبية الأولى بإنتاج المزيدمن الغلوتامات، وتبدأ الخلية العصبية الثانية في تخليق المزيد من المستقبلات في المقابل.

هذه إذن إحدى أساسيات عملية التعلم في الدماغ. ولهذا السبب، عندما تبدأ بتعلم شيء ما، يكون الأمر صعبًا جدًا في البداية، لأن هذه المرحلة من عملية التعلم بطيئة جدًا في انتقال الرسالة من خلية عصبية إلى أخرى. ولكن بمجرد إتقانها، تنتقل الرسالة بسرعة أكثر بكثير من مرحلة الأولى، وتصبح تلك الـعملية سلة بإمكانك ممارستها بدون حتى التفكير فيها.

س: أما بالنسبة لٓ غابا GABA، فإن إحدى وظائفه الرئيسة لها علاقة بالنوم.

ج: لذا، إذا أُفرزت مادة غابا في القشرة المخية، لو لاحظت صورة أو نموذج دماغ فهي الطبقة المتجعدة منه التي تغطي عمليًا ذلك السطح. وهناك حيث يحدث الكثير من نشاطنا الواعي. لذلك عندما نبدأ بالنوم، يُفرز الدماغ غابا في ذلك الجزء المتجعد، وهذا يُهدئ نوعًا ما من نشاط تلك المنطقة.

وهذا أحد العوامل التي تساعدنا على الانتقال من حالة اليقظة إلى حالة النوم. كما أن حمض غابت مهم جدًا في خفض القلق. لذا، مرة أخرى، مادة غابا تعتبر ذلك النوع الذي له تأثير مهدئ.

ولكن هنا يسهل جدًا تجاهل فكرة أن مادة كيميائية واحدة لها تأثير واحد فقط. ولا أريد أن أطرح هذه الفكرة، لأن مادة غابا يمكن أن يكون لها تأثيرات كثيرة ومختلفة، حسب موضعها في الدماغ. ولكن هذه مجرد أمثلة بسيطة على أنواع التأثيرات لهذه المادة.

وينطبق الشيء نفسه على الغلوتامات. ولا يعني أن زيادة أحدهما على الأخرى أفضل. لذا، إذا كان لدى المرء نشاط مفرط في جميع أنحاء دماغه، فقد لا بشر ذلك بخير.

فقد يسبب ذلك، على سبيل المثال، نوبات صرع. لذا، عندما يتعلق الأمر بكيمياء الدماغ، فالأمر لا يتعلق بـ “يا إلهي، هذه مادة كيميائية جيدة، لذا نحتاج إلى الإكثار منها”. الأمر كله يتعلق بالتوازن بين هذه المواد، وأي ترجيح طفيف في هذا الاتجاه أو ذاك قد يكون له تبعات كبيرة.

سناء قادر: “قد يكون من المفيد هنا ذكر أن المادة الكيميائية هي مصطلح عام استخدمته جيني لوصف ما يُسمى عادةً بالناقلات العصبية، أو المُعدِّلات العصبية (5)، أو الهرمونات. وللتبسيط، نُطلق عليها جميعًا مواد كيميائية. قد يكون فهم الغلوتامات وغابا واضحًا بعض الشيء، لكن الأمور تزداد تعقيدًا من هنا فصاعدًا.

جيني: ثم يأتي ما نسميه بالمُعدّلات العصبية (4)، ولها تأثيرات مختلفة تبعًا للمادة الكيميائية التي نتحدث عنها، وموضعها في الدماغ، والمستقبلات الموجودة فيها. وهذه هي العناصر المثيرة للاهتمام بالفعل. وهي تلك المواد (أي المعدلات العصبية ربما سمع بها الجميع، آشياء مثل الأدرينالين والدوبامين.

“قد يكون لها تأثيرات مختلفة على ما إذا ستنشط الخلية العصبية الثانية وتصدر جهد فعل، وأنواع أخرى من التغييرات.

سن: سننتقل الآن عبر جوانب مختلفة من حياتنا، ونلقي نظرة على النواقل العصبية، والمعدلات العصبية، والهرمونات المؤثرة.

ومحطتنا الأولى هي الذاكرة.

ج: لكن من المثير للاهتمام بالنسبة لي أن لديّ ذكريات قوية من ليلة مثيرة في حياتي. لكن لو اخترتَ أي يوم آخر من تلك السنة، لما استطعتُ أن أخبرك بكل تفاصيل تلك الليلة عما كنتُ أفعله بالضبط.”

س: ولماذا؟

ج: أحد أسباب ذلك هو أن الانفعالات مهمة جدًا لتخزين الذكريات. ويمكننا فهم ذلك لو اخذنا ذلك من منظور تطوري. “لذا، لو تأملنا فيما فعله أسلافنا القدماء، لو وجدوا شجيرات تحمل ثمارًا يانعة، فمن شأن ذلك أن يمثل لهم أهمية بالغة أن يتذكروا متى شاهدوها وأين مكانها، حتى يتمكنوا من العودة إليها متى أرادوا.”

وبالمثل، لو كانوا ماشين في مكان ما وطاردهم مفترس له أنياب حادة، فربما دعاهم ذلك لتذكر ما حدث والقرار بعدم العودة إلى ذلك المكان مرة أخرى. وما يحدث في الواقع في الدماغ هو أنه عندما نشعر بالإثارة أو الخوف، تُفرز أدمغتنا مواد كيميائية، بما في ذلك الأدرينالين والنورادرينالين. غالبًا ما يُعتقد أنهما مادتان كيميائيتان للكر أو الفر (6)، لكننا في الواقع نُفرزها أيضًا عندما نكون سعداء.

وهذه المواد تُغير طريقة عمل خلايانا العصبية لمساعدتها على تكوين روابط بشكل أسرع.

س؛ هذا مثير للاهتمام بالفعل. وأعتقد أن هذا قد يكون، كما تعلمين، لها نفس التأثير على كل من الذكريات الجيدة أو السيئة.

ج: بالضبط، نعم. وفي الواقع، من المهم جدًا فهم هذا الشيء عندما يتعلق الأمر بحالات مثل اضطراب الكرب التالي للصدمة النفسية (7)، لأنه يبدو أن هناك مشكلة في عملية تخزين الذكريات في هذا الاضطراب. بالنسبة لمعظمنا، عندما نمر بتجربة مريرة، نشعر بوضوح بقدر معتبر من التوتر والقلق في وقت حدوثها.

“لكن بمرور الزمن، نصل إلى مرحلة نتذكر فيها ما حدث، لكن المشاعر بعد ذلك لا تكون بنفس القوة وننساها تدريجيًا. لكن في حالة اضطراب الكرب التالي للصدمة، تتطور العملية بشكل غير مرغوب فيه إلى ما لا يحمد عقباه، لذلك في كل مرة يُعيد فيها المرء تنشيط ذاكرة ذلك الحدث، يشعر بتلك المشاعر من جديد، تمامًا بالقوة التي كان يشعر بها في لحظتها.”

س: وهل يعني ذلك إفراز نفس المواد الكيميائية مرة أخرى؟

ج: نعم، لذا سيشعر المصاب بإفراز الأدرينالين والكورتيزول، وسيعاني من استعادة تلك الذكريات المؤلمة. حاليًا، العلاج الرئيس لاضطراب الكرب التالي للصدمة النفسية هو إعادة تنشيط الذاكرة في بيئة آمنة في محاولة تعليم الدماغ أن مجرد التفكير في تلك الذكريات لا يعني الشعور بعدم الأمان مرة أخرى. مشكلة هذا الاضطراب أنه مزعجٌ جدًا بالنسبة للمصابين.

لذا يتناول الباحثون الآن دراسة علاجات دوائية قد تساعد في اجراء تعديل على عملية إعادة توطيد هذه الذكريات، وهو ما يحدث عندما نسترجع ذاكرة ثم نخزنها مرة أخرى. لذا نعلم بالفعل أنه عندما نفكر في شيء ما، فإننا نجعل ذاكرتنا أكثر مرونةً، ويضطر الدماغ بعد ذلك إلى تخزينها مرة أخرى. وحين تكون الذكرى نشطة، يمكن اجراء تعديل عليها وتغييرها.

لو تذكرتَ أحد الأحداث من زمن طفولتك، واخبرت والديك عنه، وأخبروك بشيءٍ ما، فقد يُضاف ذلك إلى تلك الذكرى. وعندما تُخزَّن مجددًا في دماغك، في المرة التالية التي تتذكرها فيها، تكون تلك المعلومة الجديدة نوعًا ما جزءًا منها، وقد لا يدرك المرء أن ذلك الجزء لم يكن في جرءً من الذاكرة الأصلية. وهناك بعض الأبحاث المثيرة للاهتمام تُجرى في جامعة كامبريدج.

“هناك باحثة تُدعى آمي ميلتون Amy Milton، تبحث في استخدام دواءٍ لوقف عملية إعادة توطيد الذاكرة (8) أو لوقف الجانب الانفعالي منها. لذا، أعتقد أنه دواءٌ يُوصف عادةً لمرضى القلب. يُسمى بروبرانولول (9) propranolol، وهو يُخفِّف نوعًا ما من معدل دقات القلب ويقلل من إفراز هذه المواد الكيميائية المُسببة للتوتر.

الفكرة هي أنه إذا استعاد المريض الذاكرة (تذكر المريض)، لكن جسمه لم يعد في حالة كر أو فر هذه بفضل هذا الدواء، فعند إعادة توطيد الذاكرة المؤلمة، فقد يصبح محتواها العاطفي أقل وطأة. وقد حصل الباحثون على نتائج أولية مثيرة للاهتمام. لا أعتقد أنها قيد الاستخدام السريري بعد.

س؛ ولكن هناك بالتأكيد بعض الأفكار المثيرة للاهتمام.

أشياء رائعة عن ذاكرتنا تتوقف. يمكن أن يكون هذا بسهولة موضوع حلقة كاملة. ولكن بما أننا في جولة سريعة في الدماغ، فقد حان الوقت للانتقال إلى موضوع مختلف، وإن كان ذا صلة.

محطتنا التالية هي عن الخوف.

ج: الخوف من أكثر انفعالاتنا بدائية، وقد نشأ لحمايتنا. والاستجابة الأساسية لدماغنا هي القيام بأحد ثلاثة أمور، وهي إما الفر، أو الكر ومحاولة المقاومة والتصدي، أو التجمد والتظاهر بالموت. ما يحدث هو أن دماغنا يفرز مجموعة كبيرة من المواد الكيميائية المختلفة وبعض العمليات التي تُغير أجسامنا لتتمكن من القيام بهذه الوظائف.

يُفرز الأدرينالين، والنورادرينالين، ثم يُفرز الكورتيزول في مرحلة متأخرة قليلاً. وهناك أيضًا إشارة تُرسل من الدماغ عبر الأعصاب إلى الجسم. وتعمل جميع هذه المواد الكيميائية أو الرسائل الكيميائية معًا لتغيير وظائف أشياء مختلفة.

سيزداد معدل دقات قلبك، وقد ازداد سرعة تنفسك. وهذا بدوره يُدخل المزيد من الأكسجين إلى عضلاتك، مما يجعلك مستعدًا للكر أو الفر. “ويعني أيضًا بعض الأمور التي تجري في اللاوعي لكن لا نلاحظها عيانًا.”

“على سبيل المثال، إفراز هذه المواد يُضعف جهاز المناعة، ويُعطّل عملية الهضم. الفكرة هي أن هذه العملية مؤقتة، بحيث حينها تحتاج أن تُركز كل طاقتك على النجاة من هذه الحادثة، لا مواصلة هضم غدائك، وعملية الهضم هذه هي أمر ثانوي غير مُهم في هذه الحالة. تكمن المشكلة في أن استجابتنا للخوف قد نشأت وتطورت للتعامل مع الخوف الشديد من أشياء أو حالات أو فعاليات معينة. أشياء مثل مصادفة دب في الطريق، والتي حينها إما أن تموت أو تنجو وتمر تلك اللحظة سريعًا وبسلام. في المجتمع الحديث، لا تصبح الأشياء التي نخاف منها عادةً تجارب إما حياة أو موت، بل أشياء مثل تلك المتعلقة بمخاوف الوضع المالي (والمعروف بالقلق المالي).

ربما شعرتحينها بالقلق، على سبيل المثال، بسبب جائحة كورونا التي واجهناها قبل سنوات. وهذا يعني أن الكثير منا لا زال يعيش استجابات الخوف (أو القلق) المتزايدة منذ فترة طويلة. وعندها قد تبدأ استجابة القلق هذه بالتسبب في سلسلة من المشكلات الأخرى.

“لأنه، على سبيل المثال، لو حدث وأن ضعف الجهاز المناعي لفترة طويلة، بسبب حالة القلق والتوتر هذه، فقد تكون أكثر عرضة للإصابة بنزلات البرد أو حتى بفيروسات، وهي بدورها ما ترفع من مستوى التوتر لديك.

س: أجل، بالتأكيد. وأعتقد أنك عندما كنت تبحثين في المصادر لكتابة هذا الفصل من الكتاب، ما هو أكثر شيء أثار اهتمامك عن الخوف والمواد الكيميائية المتعلقة به؟

ج: يا إلهي، أعتقد أنني لطالما اعتبرت الكورتيزول شيئًا سيئًا لأننا نعلم أن إفرازه على الأمد الطويل، كما قلت، يمكن أن يسبب مشكلات كثيرة. لكن ما لم أكن أدركه هو أن له دورًا وقائيًا على الذاكرة لو أفرز على الأمد القصير. لذلك تحدثنا قليلاً عن كيف تساعدنا الانفعالات على تخزين الذكريات.

“لكن الكورتيزول في الواقع يمنع نوعًا ما من تخزين الكثير من الذكريات. وهذا يبدو تأثيرًا عكس الأول بعض الشيء، لكن عليك أن تتذكر أن الأدرينالين والنورادرينالين يبلغان ذروتهما أولاً، ثم يبلغ الكورتيزول ذروته بعد ذلك بقليل. لذا ما يعتقده الباحثون هو أنك أولاً وقبل كل شيء، تحصل على جرعة أدرينالين، وهذا يساعدك على تخزين ذكريات أنك كنت في ذلك المكان الذي رأيت فيه أسدًا، ثم بدأ إفراز الكورتيزول في الارتفاع، وهذا بعد ذلك يمنعك من تخزين الكثير من المعلومات والتفاصيل غير الضرورية في المحيط مثلًا، لون أوراق تلك الشجرة أوما كان موجودًا حولها من أشياء لا تسبب خوفًا أو قلقًا.

لأنك لو كنت تخزن كل الذكريات حينها، فهذا يسبب تراكمًا مفرطًا في الذاكرة، مما قد يُلغي ذلك الجزء المهم جدًا من الذاكرة. لذا، فإن تأخر إفراز الكورتيزول يُخفف من التخزين المفرط للذكريات، مما يقي تلك الذكرى المهمة جدًا من الفقدان.

س: المحطة التالية في رحلتنا عن المواد الكيميائية في الدماغ وكيف تؤثر في كل جانب من جوانب حياتنا، الانجذاب والحب الرومانسي.

أولًا، هناك تحذير بسيط بشأن جميع الأبحاث التي أُجريت في هذا المجال، وحقيقة أن معظمها يُركز على العلاقات بين الجنسين. هل هذا صحيح؟

ج: نعم، إنه كذلك. أُجريت بعض الدراسات على الأزواج الشباب والمكتفين بزوجة واحدة ومتعددي الزوجات.

بعد ملاحظة ذلك، ما الذي يحدث في الدماغ، على حد علمنا، عندما نشعر بالانجذاب والحب الرومانسي؟

نعرف القليل عما يحدث في دماغ الناس عندما ينظرون، على سبيل المثال، إلى صور الذين ينجذبون إليهم. أجريت بعض الدراسات التي أجرت تصوير للدماغ، وبحثت في هذا النوع من الأمور. ونعتقد أن هناك بعض المواد الكيميائية المختلفة الداخلة في عملية الانجذاب.

نعتقد أن هناك على الأرجح بعض الدوبامين، الذي قد يدفعك نحو الشخص الذي تعجب به. ثم هناك ما نسميه بمواد المتعة الكيميائية، والتي تُفرز في هذه المناطق الصغيرة المعينة في دماغنا عندما نقوم بعمل جيد من أجل البقاء على قيد الحياة. وهي مواد كيميائية مثل المواد الأفيونية، وهي لها علاقة بالأفيون، مثل الهيروين والمورفين، وهي نسخ منها لكنها تنتج طبيعياً في الدماغ.

قد تعمل هذه المواد الأفيونية المنتجة طبيعيًا في الدماغ كمسكنات ألم، لكنها قد تضفي أيضًا علينا شعورًا بالمتعة. وكذلك الكانابينويدات (10)، وهي مواد كيميائية طبيعية لها علاقة بالمكون الفعال أو النشط في الماريجوانا. لذا نعتقد أن هناك احتمالًا لإفرازها في الدماغ.

ولكن مجددًا، الأمر معقد جدًا. قرأتُ دراسة وجدتْ أن إفراز هذه المواد الكيميائية الممتعة يبدأ عند النظر إلى صور شخصٍ يبدو لهذا الناظر جذابًا، ولكن فقط لو بدت أن تلك الصورة وكأنها تتواصل معك بصريًا (العين تنظر في العين).

صحيح.

في الواقع، إذا بدا الشخص الذي يبدو جذابًا بالنسبة لك أنه لا يتواصل معك بصريًا، بل يشيح بوجهه عنك، فستفرز كمية أقل من هذه المواد الكيميائية مقارنةً بـ لو كان الشخص لا يبدو جذابًا لك.

يا له من أمر غريب.

لذا، الأمر معقد بعض الشيء. لكن مجددًا، يبدو الأمر منطقيًا نوعًا ما، لأنه إذا بدا شخص في الطرف الآخر من المطعم أنه جذابًا بالنسبة لك، ولكن حين نظرت إليه، بادلك النظرة، فربما كان هناك إعجاب متبادل. أما إذا نظرت إليه وشاح مباشرةً بنظره عنك، فقد تكون هذه أمارة على عدم اعجابه أو اهتمامه بك.

لذا أعتقد أن دماغك يحاول تحليل هذه الأمور ويدفعك نحو الشخص الذي قد يبادلك الإعجاب والانجذاب.

س: ما دور الرائحة إذن في الجذب، وكيف تتفاعل مع المواد الكيميائية في أدمغتنا؟

ج؛ “إذن، الروائح مثيرة للاهتمام جدًا، نظرًا للضجة الكبيرة التي أحاطت بفكرة الفيرومونات في الجذب. ونحن نعلم أنها مهمة جدًا لمختلف الحيوانات. الفيرومونات مادة كيميائية تُفرزها أنواع معينة من الحيوانات وتُسبب رد فعل معينًا لدى فرد آخر من نفس النوع.

لذا، لها وظائف مختلفة ومتنوعة. هناك فيرومونات للجذب، والعديد من الحيوانات، على سبيل المثال، تُفرز الإناث فيرومونًا عندما تكون في فترة الخصوبة، فتنشره على شجرة أو على أي مكان، ثم يشمه الذكر منها ويقتفي الرائحة ويجد الأنثى الخصبة المستعدة للتزاوج. ليس لدينا أي دليل علمي مقنع حتى الآن على أن لدى البشر قدرة على إنتاج الفيرومونات أو شمها.

لذا، فإن معظم الحيوانات التي تستخدم الفيرومونات لديها عضو حسّي (شمي) خاص مسؤول حصريًا عن الفيرومونات. يُسمى العضو الميكعي الأنفي (11)، وهو منفصل عن جهاز استشعار الروائح. لا يبدو أن البشر يمتلكون هذا العضو.

“لقد وُجد في بعض الحالات، ولكنه يبدو أشبه بنوع من الأشياء المتخلفة من الناحية التطورية من بعض الحالات السابقة. لكن الدراسة التي ادّعت اكتشافها، فيها الكثير من المشكلات. على سبيل المثال، كانت هناك دراسة شهيرة جدًا. تُعرف هذه الدراسة باسم دراسة القمصان ذات الرائحة الكريهة. وما فعله الباحثون حينئذ هو أنهم كلفوا مجموعة من الطلاب الجامعيين بارتداء قمصان لبضعة أيام دون استخدام أي مزيل عرق أو أي شيء آخر. ثم أعطوها للنساء لشمها، وكان على النساء اختيار الأكثر جاذبية من هؤلاء الذكور.

حسنًا، أبدت النساء تفضيلاتهن، لكن هذا لا يعني في الواقع أن ذلك له علاقة بالفيرومونات. لأنه إذا كان أحد هؤلاء الرجال يُفرز فيرومونًا، فمن المفترض أن تُفضّل جميع النساء قميصه.

س: صحيح.

تذكروا، يجب أن يكون للفيرومونات نفس التأثير على كل فرد، حسنًا، في هذه الحالة، سيكون الجنس الآخر. لذا، في الواقع، ما نراه هنا هو أن لكل إنسان تفضيلاته الخاصة حين يتعلق الأمر برائحة إنسان آخر. هذا ليس فيرومونًا، بل هو تفضيل لرائحة معينة.

س: ولا أستطيع إنهاء حديثنا عن الحب دون ذكر الأوكسيتوسين، وهو مادة كيميائية أو هرمون يربطه معظم الناس بالحب. هل يمكنكِ التحدث عن ماهيته ودوره؟

ج: نعم، لقد غطينا نوعًا ما المرحلة الأولية من الانجذاب. ولكن عندما يتعلق الأمر بالحب طويل الأمد، لا بد من وجود هذا الترابط طويل الأمد. وهنا يأتي دور الأوكسيتوسين الكيميائي (12)، بالإضافة إلى مادة كيميائية وثيقة الصلة تُسمى الفازوبريسين [وعلاقته بـ الأوكسيتوسين] (13).

والسبب الذي يجعلنا نعرف هذه المواد الكيميائية يأتي في الواقع من حادثة مثيرة للاهتمام.

كان بعض الباحثين يُجرون أبحاثًا حول القوارض التي تعيش بالقرب من جامعتهم. لذلك كانوا يصطادون القوارض، ويُصنفونها، ثم يُطلقونها مرة أخرى لمعرفة ماذا تفعل في الجوار. ولاحظوا أن هذا النوع من فأر الحقل، المسمى فأر البراري، كان دائمًا ما يتواجد في أزواج من الذكور والإناث [أي ذكر مع أنثى – يقتصر على زوجة واحدة].

لذلك في كل مرة كانوا يصطادون فيها فأرًا، يجدونه مع شريك حياة واحد. لذلك أصبحوا مهتمين جدًا بهذه الظاهرة، وبدأوا يحاولون تحليل ما يحدث. وعرفوا أن فئران البراري هي أحادية الأزواج [أي يقتصر الذكر على زوجة واحدة].

وهذا أمرٌ غير مألوف لدى الثدييات، ويكاد يكون نادرًا لدى القوارض. لذا بدأ الباحثون تحليل ما يحدث.

وقارنوا فئران البراري بحيوانٍ قريبٍ منها يُسمى فأر الجبل، وهو، متعدد الزوجات. وقد سمح لهم ذلك بفهم الاختلاف بين أدمغة هذين النوعين من الفئران. وارجعوا السبب إلى هاتين المادتين الكيميائيتين، الأوكسيتوسين والفازوبريسين.

ففكروا، حسنًا، رائع، لنختبر نظريتنا. لنُعطِ فأرًا جبليًا جرعة أوكسيتوسين ونرى إن كان ذلك سيجعله يقتصر على زوجة واحدة. لكن ذلك لم يحدث، وهو ما أثار دهشتهم في البداية.

لكن هذا يُعيدنا إلى فكرة أن المادة الكيميائية لا تُحدث أي أثر بمفردها. لذا، اتضح أن المشكلة تكمن في أن فأر البراري لديه مُستقبلات للأوكسيتوسين فيما يُعرف بدائرة المكافأة في الدماغ (14)، بينما لا تمتلك فئران البراري أي مُستقبلات. لذا، لابد من وجود المادتين الكيميائيتين ومُستقبلاتهما حتى يكون هناك تأثير.

س: “إذن، كيف يعمل الأوكسيتوسين في أدمغتنا؟

وهذا يوحي بقوة بأن لدى البشر نفس هذه العملية (وجود المادتين الكميائيتين والمستقبلات). وقد أُجريت أيضًا بعض الدراسات الرائعة التي أشارت إلى أن هذه العملية أجريت تحديدًا على الرجال. فالرجال الذين لديهم جينات تنتج عددًا منخفضًا من مستقبلات الفازوبريسين في مناطق دماغية معينة يُرجح أن تكون مستويات الرضا عن علاقاتهم الزوجية منخفضة، ولذلك هم أكثر احتمالًا للطلاق.

لذا، فهو ليس دليلاً مباشراً، ولكنه يشير بشكل غير مباشر إلى احتمال وجود علاقة بين السعادة في الزواج المقتصر على زوجة واحدة ووجود وفرة من المستقبلات مع هاتين المادتين الكيميائيتين.

“هذا مثير للاهتمام للغاية، لأن المسألة لا تقتصر على المادتين الكيميائيتين المؤثرة في الانجذاب والحب فحسب، بل كل ما تحدثنا عنه، كل هذا يقود إلى سؤال وجودي، وهو: من نحن؟ وإلى أي مدى نتحكم بأنفسنا، مقابل وجود وتأثير المواد الكيميائية في أدمغتنا التي تتحكم في سلوكنا؟”

ج: هذا إذن هو السؤال المهم، فمن الواضح أننا لسنا فئرانًا. لكننا نعلم أننا ننتج هاتين المادتين الكيميائيتين. ونعلم أيضًا أن لدينا مستقبلات لهذه المادتين الكيميائيتين في مركز المكافأة في أدمغتنا.

حسنًا، هذا سؤالٌ مثير للاهتمام بالفعل، فمن الصعب جدًا صياغته بطريقةٍ منطقية. فعندما تقول “نحن” و”أدمغتنا”، عمّا تتحدث تحديدًا؟ لأننا نحن أدمغتنا وأدمغتنا نحن، إلا إذا كنت ممن يؤمن بوجود روحٍ منفصلة أو شيءٍ من هذا القبيل، وهو ما لا يؤمن به معظم العلماء هذه الأيام، فنحن نعتقد أننا المجموع الكلي لما يحدث في أدمغتنا.

ولكن يمكنك تقسيم الدماغ إلى قسم ندركه بوعي، وكل ما يحدث في ألاشعور. هكذا أحب أن أتأمل في الأمر، فأنا القسم الواعي من دماغي، ويمكنني التحكم بوعي في القسم اللاواعي منه، إن كان ذلك منطقيًا. من الصعب بالفعل إيجاد الكلمات المناسبة للحديث عن ذلك المفهوم.

لكن على سبيل المثال، لنلتزم بالزواج المقتصر على زوجة واحدة. فمجرد انخفاض مستويات هذه المستقبلات لدى المرء لا يعني بالضرورة أن الزوج سيرتكب خيانة زوجية ويعاشر غير زوجته. فهي ليست قاعدة ثابتة.

“يمكنك التحكم في تلك المشاعر والسلوكيات. ليس كل من يحمل هذا الجين ينتهي بالطلاق. لذا فنحن لدينا القدرة في التحكم في ميولنا ودوافعنا الجنسية.

يمكننا أيضًا اختيار توظيف هاتين المادتين الكيميائيتين بطريقة تُساعدنا. على سبيل المثال، يُفرز هرمونا الأوكسيتوسين والفازوبريسين عند ممارسة العلاقة الحميمية، وكذلك عند العناق. في الواقع، يفرزا في حالة أي نوع من اللمس العميق لطفلك [ومنه العناق، والضغط، والتدليك، والتقميط (15)]، حتى البطانيات الثقيلة، يُمكن أن تّفرز الأوكسيتوسين والفازوبريسين.

ويمكن لهتين المادتين الكيميائيتين أن تُساعدنا على تشكيل رابطة مع الزوج (الزوج أو الزوجة) الذي نعانقه أو نمارس علاقة حميمية معه، كما يُمكن أن يكونا عاملين مُهدئين ومريحين جدًا. لذا، نعلم أنهما يخفضان من مستوى القلق. ونعتقد أن هذا أحد الأسباب التي تجعل الذين لديهم شبكات دعم اجتماعي جيدة يتمتعون بصحة أفضل بشكل عام، لأن الأوكسيتوسين يقي في الواقع من بعض الآثار السلبية لهرموني التوتر، الكورتيزول والأدرينالين.

“لذا، الاستفادة من هذه المواد الكيميائية النافعة – عبارة “المواد الكيميائية المفيدة” لا تعجبني، ولكن لو شعرت بالتوتر، حاول معانقة شخص تعرفه، أو تربيت حيوانك الأليف، أو عمل مساج، فإن هذه الأشياء يمكن أن تكون نافعة جدًا. لكنني أعتقد أن هذا أحد أسباب حماسي الشديد لدراسة علم الأعصاب، وينتابني شعور كبير بالدهشة والذهول حين أتأمل في الدماغ.

الدماغ معقدٌ جدًا. صحيحٌ أنه أحيانًا تختل بعض وظائفه، لكنه في أغلب الأحيان، يقوم بكل هذه الوظائف دون أن ندري، ويبقينا على قيد الحياة، ويسمح لنا باكتشاف ما حولنا والعالم.

ينتابني شعورٌ بالرهبة عندما أفكر في الدماغ. وآمل أن أكون قد نجحتُ في إيصال بعضٍ من هذه الرهبة إلى الناس أيضًا.

مصادر من خارج النص

1- https://ar.wikipedia.org/wiki/ذاكرة

2- https://ar.wikipedia.org/wiki/مشبك_عصبي

3- https://ar.wikipedia.org/wiki/جلوتامات_(ناقل_عصبي)

4- https://ar.wikipedia.org/wiki/حمض_الغاما-أمينوبيوتيريك

5- https://ar.wikipedia.org/wiki/تعديل_عصبي

6- https://ar.wikipedia.org/wiki/استجابة_الكر_أو_الفر

7- https://ar.wikipedia.org/wiki/اضطراب_الكرب_التالي_للصدمة_النفسية

8- https://ar.wikipedia.org/wiki/توطيد_الذاكرة

9- https://ar.wikipedia.org/wiki/بروبرانولول

10- https://ar.wikipedia.org/wiki/كانابينويد

11- https://ar.wikipedia.org/wiki/عضو_ميكعي_أنفي

12- https://ar.wikipedia.org/wiki/أكسيتوسين

13- https://ar.wikipedia.org/wiki/فازوبرسين

14- https://ar.wikipedia.org/wiki/نظام_المكافأة

15- https://communikidsnj.com/deep-pressure-sensory-input-understanding-the-benefits-and-neurochemistry/

المصدر الرئيس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى