أقلام

الدماغ لا ينام حتى أثناء النوم

المترجم : عدنان أحمد الحاجي

حتى أثناء النوم، يحس الدماغ بالأصوات – وخاصة تلك التي تنذر بخطر – ويمكنه الاستجابة لها والتفاعل معها، وفقًا لدراسة من جامعة جنيف ومعهد باستور.

أثناء النوم، على الدماغ أن يحقق توازنًا دقيقًا: الانفصال عن المدخلات الحسية حتى يتمكن من القيام بوظائف ترميمية، مع البقاء متيقظًا بما يكفي في حالة ظهرت حالة خطر. كيف يفرز الدماغ بين المثيرات (المنبهات) الخارجية – وخاصة الأصوات – أثناء النوم؟ درس باحثون من جامعة جنيف (UNIGE) ومعهد باستور مدى استجابة الدماغ لما يسمى بالصوت “الخشن أو الصوت الأجش المزعج”، مثل الصراخ أو جرس الإنذار. واكتشفوا أن هذه الأصوات المزعجة تُعالج بشكل ممنهج، بعكس الأصوات الأخرى، مما يؤدي إلى إثارة موجات دماغية معينة. هذه النتائج (1)، التي نُشرت في مجلة تقارير علمية Scientific Reports، تجعلنا نفهم بشكل أفضل بعض الاضطرابات الإدراكية، مثل احتداد السمع (2) (فرط الحساسية و/ أو عدم تحمل أصوات معينة)، بالإضافة إلى تأثير اضطرابات النوم (3) المتكررة في وظائف الدماغ.

الخشونة خاصية صوتية تتميز بتعديلات سريعة في شدة الصوت ضمن فترة زمنية معينة يتم فيها تغيير سعة أو ارتفاع apmplitude موجات الصوت مع الاحتفاظ بتردّدها (نبرتها) كما هي، وتتراوح بين 40 و100 مرة في الثانية. يوضح لوك أرنال Luc Arnal، الباحث في معهد باستور، والمشارك في الدراسة: “بخلاف حالة الكلام، حيث تحدث المقاطع اللفظية (المتعلقة بانسيابية الكلام (4)) على ترددات معدلها يتراوح بين 4 و8 هرتز، تصل الأصوات الخشنة إلى الجهاز السمعي بترددات أعلى بكثير، مما يُؤدي إلى إحساس حاد وغير مريح في كثير من الأحيان.”

ويضيف: “هذه الخاصية – المميزة لأصوات جرس الإنذار المسموعة، والصراخ البشري وبكاء الأطفال الرضع – هي بالضبط ما يجعلها فعالة جدًا: فهي تجذب انتباهنا تلقائيًا إلى وجود خطر وشيك أو داهم.” تُنشّط هذه الأصوات اللوزة الدماغية مباشرةً، وهي منطقة في الدماغ مسؤولة عن الاستجابات الانفعالية والانتباه.

من الضروري فهم مدى تأثير الأصوات في أدمغتنا أثناء النوم، وبالتالي تبعاتها على صحتنا البدنية والعقلية.

اختبار أصوات مختلفة أثناء النوم

بالرغم من أن تأثير خشونة الصوت في الدماغ أثناء اليقظة قد خضع للدراسة بشكل جيد، إلا أن ما يحدث أثناء النوم لا يزال مغفولًا عنه إلى حد كبير. وتؤكد صوفي شوارتز، الأستاذة المتفرغة في قسم علوم الأعصاب الأساسية بكلية الطب بجامعة جنيف والمديرة المشاركة للدراسة، قائلةً: “إن بحثنا أساسي ليس فقط لفهم اضطرابات مثل احتداد السمع، ولكن أيضًا لتقييم التأثير الخطير للضوضاء الليلية (المزعجة والمربكة لحالة النوم) في الصحة.”

استعان الباحثون بـ 17 متطوعًا للنوم في غرف مجهزة خصيصًا، حيث رُصد نشاط أدمغتهم باستخدام تخطيط كهربية الدماغ (EEG). كما يوضح غيوم ليجيندر Guillaume Legendre، الباحث في فريق صوفي شوارتز Sophie Schwartz المديرة الرئيسة للدراسة: “شغّلنا بعد ذلك تسجيلات من أنواع مختلفة من صرخات بشر و”صرخات مصطنعة” بمستوى صوت منخفض، لكنا غيرنا درجات (حدة) الصوت وخشونته لإثارة استجابات في الدماغ دون إيقاظ المشاركين.” وأضاف “كانت الخشونة – بغض النظر عن مستوى ارتفاع الصوت أو انخفاضه – هي التي نشّطت جهاز التنبيه (الإنذار) في الدماغ (أي اللوزة الدماغية)”.

لاحظ فريق البحث أيضًا ظاهرتين رئيسيتين. أولًا، الأصوات الخشنة أثارت استجابة دماغية على الدوام، بعكس أنواع الأصوات الأخرى. ثانيًا، ارتبطت خشونة الصوت بزيادة في مغازل النوم. يقول غيوم ليجيندر: “مغازل النوم (5) هي دفعات قصيرة من نشاط كهربي في الدماغ تُثار استجابةً لمنبه حسي، وقد نكون مُزعجة، أثناء النوم.”

مثيرات (منبهات) انفعالية شديدة

“لا يتعرض الإنسان والحيوان إلى خشونة أصوات عادةً في المحيط الاجتماعي والمادي، عادةً ما تكون هذه المثيرات مُخصصة للتواصل في حالات عاجلة و / أو خطيرة، أثناء الاحساس بخطر وشيك. بيد أن التعرض المفرط لهذه الترددات الصوتية يمكن أن يُثير ردود فعل انفعالية مختلفة جدًا بحسب الشخص المتعرض لها – أحيانًا غير منطقية أو حتى عدوانية،” كما بين لوك أرنال.

بشكل عام، تسهم نتائج هذه الدراسة في فهم أفضل المسارات الانفعالية للصوت [وهي الدوائر العصبية المختصة بمعالجة وتنظيم الصوت التي تفضي إلى اللوزة الدماغية، والتي بدورها تستجيب بشكل أولي لهذه المثيرات الصوتية (6)]، وهي مسارات تُسهم في اثارة حالات نفسية وعصبية مثل احتداد السمع والطنين، بالإضافة إلى الصرع ومرض الزهايمر، حيث يُمكن أن تُعطٌّل المعالجة السمعية. وتختتم صوفي شوارتز قائلةً: “بما أننا نعيش في بيئات أصوات صاخبة بشكل متزايد، وخاصةً في المدن، فمن الضروري معرفة مديات تأثير الأصوات في أدمغتنا أثناء النوم، وبالتالي تبعاتها على صحتنا البدنية والعقلية”.

مصادر من داخل وخارج النص

1- https://www.nature.com/articles/s41598-025-01560-8

2- https://ar.wikipedia.org/wiki/احتداد_السمع

3- https://ar.wikipedia.org/wiki/اضطراب_النوم

4- https://ar.wikipedia.org/wiki/مقطع_لفظي

5- https://en.wikipedia.org/wiki/Sleep_spindle

6- https://psychexamreview.com/emotion-pathways-in-the-brain/

المصدر الرئيس

https://www.unige.ch/medecine/en/public-outreach/media/brain-stays-tuned-even-while-asleep

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى