الذات القردية والذات الذئبية في خطبة الشيخ

رباب حسين النمر
لفت الخطيب حسين الشيخ إلى تحولات خطيرة قد تحدث في الذات البشرية، فتنقلب من سنخيتها البشرية إلى صور حيوانية تتجسد في القردة والخنازير وسواهم، جاء ذلك في حديثه ليلة العاشر من المحرم موسم ١٤٤٧ للهجرة بمأتم النمر، سيهات حيث بدأ خطابه برواية وردت في كتاب البلد الأمين عن الصادق عليه السلام في زيارة الإمام الحسين عليه السلام، قال: تقف على القبر وتقول: (الحمد لله العلي العظيم، والسلام عليك أيها العبد الصالح الزكي، أودعك شهادة مني لك تقربني إليك في يوم شفاعتك، أشهد أنك قتلت ولم تمت، بل برجاء حياتك حييت قلوب شيعتك، وبضياء نورك اهتدى الطالبون إليك، وأشهد أنك نور الله الذي لم يطفأ ولا يطفأ أبدا قتلت ولم تمت).
وتطرق الشيخ لأنواع الموت التي رصدها القرآن الكريم وتتلخص في أنواع أربعة:
النوع الأول موت الأجل وهو الانتقال إلى الآخرة بعد استيفاء مدة العمر.
النوع الثاني: موت العقوبة، وقد ذكر القرآن الكريم أن أهل السبت لما استحالت ذواتهم من الإنسانية إلى القردية، أمهلهم الله ثلاثة أيام ثم ماتوا موت عقوبة. وقد تطرق الإمام الحسين إلى هذه التحولات في الذات البشرية حين قال عليه السلام: (كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات) والعسلان جمع مفرده عاسل، وهو الذئب والإمام هنا يبين الحقائق الذاتية لقتلته، وليست الحقائق البدنية، وشبه ذواتهم بالذات الذئبية. وقد رصد القرآن الكريم قصص كثير من الاقوام أماتهم الله موت عقوبة.
النوع الثالث: موت القصف (اللهم لا تباغتني بالموت مباغته)، والمقصود به قصف العمر الذي تتسبب به بعض الذنوب التي تكون لها آثار سريعة في الدنيا قبل الآخرة، مثل قاطع الرحم الذي يموت موت القصف ويُنقص في أجله.
النوع الرابع هو موت الحياة، وهو موت الفوز، وهو ما عبر عنه الإمام علي عليه السلام حينما ضُرِب في محراب صلاته، عبر عنه بقوله: (فزت ورب الكعبة). فالموت هنا بداية لحياة جديدة يعيشها. وعن الإمام الصادق عليه السلام: (أشهد أنك قتلت ولكن القتلة لم تطفيء نورك ولم تنه حياتك)، وقالت السيدة زينب عليها السلام يوم عاشوراء لما رأت بني هاشم والأصحاب مضرجين على الثرى: (وليجتهدن أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد أثره إلا ظهورًا وأمره إلا علوًّا).
وأشار الشيخ إلى أن الحسين برايته ومبادئة وحركته لم تميته القتلة، فالحسين رايته ما تزال مرفوعة، وقتله في كربلاء جعل للحسين حياة وليست الحياة المادية.
ورصد الشيخ مراتب الحياة، وهي الحياة المادية، والحياة العروجية، والحياة العنوانية، وصنف حياة الحسين بعد استشهاده بالحياة العنوانية حين قال: “فالحسين عنوانه حياته، والشهادة لم تمنع أن تبقى هذه الحياة مستمرة للحسين” مستشهدًا بنص الزيارة: (وأشهد أنك نور الله) ومبينًا أن نور الله متجسد بمعنى أئمة يهدون بأمرنا، ويأبى الله إلا أن يتم نوره. ولم يطفأ. ولا يطفأ أبدًا، وقد أشار الإمام إليه بصورة حتمية.