أقلام

المرأة التي هزّت عروش الطغاة: قراءة في دور المرأة الزينبية في الإسلام

أحمد الطويل

مقدمة:

في زمنٍ صارت فيه الكلمات تُقتل قبل أن تُقال، والحقائق تُشنق على أبواب الطغيان، برزت امرأة لم تكن تملك جيشًا ولا سيفًا، لكنها غيّرت وجه التاريخ بصوتها، بثباتها، بعقلها، وبدمعتها التي لم تكن دمعة يأس، بل كانت صرخة وعي.

هذه ليست قصة امرأة عادية، بل قصة قامة نبتت من جذور النبوة، امرأة اسمها زينب، سلام الله عليها، اسمٌ إن نُطق ارتجف له الظلم، وإن ذُكر انحنى له الكبرياء.

من بين ألسنة النار، وخرائب الخيام، وسياط الجلادين، خرجت زينب لتكون سفيرة الوجع المقدّس، وراوية العزّة المستدامة.

في ذكرى عاشوراء 12 محرم، حين تُستحضر مشاهد الحريق والقيود، نقف لنستلهم من زينب، ومن نساء كربلاء، ومن أطفال صحرائها، دروسًا لا تموت، بل تحيا فينا ما حيينا.

الإسلام وتمكين المرأة: الحقيقة المغيّبة

يُصوَّر الإسلام أحيانًا ظلمًا على أنه قيدٌ للمرأة، وعبءٌ على كاهلها، بينما الحقيقة القرآنية والعلوية الحسينية تقول العكس تمامًا.

في القرآن الكريم: “والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر…” (التوبة: 71)

شراكة في المسؤولية، في بناء الأمة، في حفظ العقيدة.

في نهج البلاغة، عليّ عليه السلام لا يخاطب النساء بصيغة التبعية، بل بالحكمة والتكليف.

وفي روايات أهل البيت، نقرأ أن الصديقة الزهراء (ع) كانت تحتج، وتُحاجج، وتخطب، وتُدافع عن الحق، والحق لم يكن يومًا حكرًا على الرجال.

زينب: الأنموذج الأعظم للمرأة الحرة

زينب (ع) لم تكن فقط “أخت الحسين”، بل كانت ركنًا من أركان الثورة الحسينية.

في كربلاء، حين سقط الرجال شهداء، وقفت هي كجبلٍ شاهقٍ بين رياح المأساة، تحمي العقيدة بالرواية، وتحفظ دماء الشهداء بالكلمة، وتمنع دفن الحقيقة خلف أسوار القصور.

قالت أمام رمز الاستبداد في زمانها: “فوالله لا تمحو ذكرنا…”

تلك لم تكن مجرد جملة، بل كانت استراتيجية إعلامية ربّانية أطلقتها امرأةٌ مقيدة اليدين، محررة الوعي.

زينب (ع) لقّنت الطغاة درسًا في الحضور، في القيادة، في الثبات، وفي الشجاعة. لم تسكت، لم تهرب، لم تتخلَّ عن موقعها الرسالي. وهكذا يجب أن تكون المرأة المؤمنة: قائدة في بيتها، صلبة في مجتمعها، واعية في قضايا أمتها.

الدروس المستفادة: تربية زينبية لا تُهزم

تخيّل أطفال كربلاء، بلا ماء، بلا ظل، بلا طمأنينة، ومع ذلك لم نرَ منهم جزعًا ولا تذمرًا.

لماذا؟

الجواب: تربيةٌ زينبية.

زينب التي رُبّت في بيت الوحي، ربّت بدورها أبناء أخيها وأولاد بنات الحسين على ذات الروح، روح الصبر والبصيرة والعقيدة.

وهنا يأتي دور الأمهات، والمعلمات، والمربيات:

ليس المطلوب تربية أولاد على التمرد الفارغ، بل تربية على الوعي، الشجاعة، الانتماء، وحبّ الحقيقة.

علّمي ابنك أن يسأل، أن يعرف، أن يقرأ.

علّمي ابنتك أن تفخر بدينها، أن تحفظ هويّتها، أن لا تسكت حين يُظلم أحد.

علّميهما أن يكونا حسين وزينب هذا الزمان.

المرأة والمرحلة القاسية: من الضعف إلى القوة

من قال إن الشدائد هزيمة؟

زينب في أشدّ الظروف انتصرت.

لم تُكسرها القيود، بل كسرت بها صمت الأمة.

في كل مجلس كانت تُقاد إليه، كانت تنشر الوعي، تفضح الظلم، تذكّر الناس بالحسين، بالحق، بالدين.

تلك الرحلة القسرية لم تكن ذلًّا، بل تحوّلت إلى منبر.

وهكذا، حين تُقيَّد المرأة في مجتمعاتنا بالعادات الظالمة أو النظرات الضيقة، فلتكن زينب قدوتها:

حوّلي قيدك إلى رسالة، وصمتك إلى هزيمة للباطل.

دور الرجال في صناعة المرأة الزينبية

لا ننسى دور الإمام علي، الذي ربّى زينب.

ولا الحسين، الذي وثق بها بعد كربلاء، فسلّمها راية الإعلام بعد الجهاد.

هذا يعني أن الرجل المؤمن شريكٌ في تمكين المرأة، لا خصمًا لها.

كل أب، كل أخ، كل زوج، يجب أن يكون داعمًا لصوت المرأة حين يكون صوت حق.

نحن لا نطالب بثورة نسوية، بل بثورة قرآنية زينبية.

الخلاصة:

لم تكن المرأة في الإسلام هامشًا أو ظلًّا، بل كانت روحًا فاعلة وشريكًا حقيقيًا في صناعة الرسالة الإلهية. هذا ما جسّدته السيدة زينب بنت عليّ، عليها السلام، التي لم تكن فقط أخت الحسين، بل كانت رفيقة نضاله، وحاملة لوائه بعد استشهاده، وقلب الثورة النابض من كربلاء إلى الشام.

من خلال زينب نفهم أن المرأة في الإسلام ليست محصورة في بيت أو صوتًا خافتًا في الزوايا، بل هي عقل مفكر، وصوت صارخ بالحق، وصدر يحتمل المصائب من أجل الحفاظ على الدين والكرامة. لقد واجهت زينب القتل، والحريق، وتلك المرحلة القاسية من القيود والتنقل الإجباري، لكنها لم تنكسر، بل وقفت تخطب في مجالس الطغاة وتزلزل عروشهم بكلماتها.

وفي خضم هذه التراجيديا، برز دور الأطفال الذين عاشوا فصول العطش والخوف، لكنهم صمدوا لأنهم تربّوا في كنف أمّهات زينبيات، ومربّيات نهلن من مدرسة النبوة. وهذا يدفعنا لأن نؤمن أن التربية الواعية، خصوصًا من قِبل النساء، هي العمود الفقري لبناء جيل ينهض بالأمة ويصون القيم.

كما أن كل رجل مؤمن، أبًا كان أو أخًا أو زوجًا، مدعو ليكون شريكًا في دعم هذا المشروع الزينبي، لا حاجزًا أمامه، فنحن لا نريد نساءً ثائرات على الدين، بل قائدات به وإليه، كما كانت زينب.

زينب ليست ذكرى نمرّ عليها في عاشوراء، بل منهاج حياة، ومشروع وعي، ودعوة لتجديد دور المرأة في الأمة، من البيت إلى المنبر، ومن التربية إلى الثورة.

اللهم ارزقنا بصيرة زينب، وثبات زينب، وصوتًا لا يخفت عن قول الحق. واجعل نساءنا زينبيات في الوعي والتربية والصبر، وأبنائنا حسينيين في الشجاعة والعقيدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى