خلف الجدران (٢) بناء متماسك

السيد فاضل آل درويش
الأسس التي يطرحها علماء التربية والعلاقات الزوجية ليست مجرد كلمات تعبّر عن أماني وحياة مثالية تنفصل عن الواقع، بل هي مجموعة من المعايير التي تضع هذه العلاقة تسير باتجاه الترسّخ والاستقرار والفاعلية والاقتدار في مواجهة المنغّصات ونقاط الخلاف، فعندما نتحدّث عن قيمة الاحترام المتبادل وتقدير شخصية شريك الحياة دون التجاوز عليه بأي شكل في أفكاره أو خصوصياته، لا يمكن الحديث حينها عن حياة مثالية بل هو معيار مهم لسير العلاقة بين الزوجين في علاقة صحيحة، الاحترام مشاعر ومواقف متبادلة تنبيء بأن الآخر يستمع بإنصات لحديث شريك حياته، ويعامله وفق قيمة العدالة وحفظ حقوق الآخر، وإلا فإن اختراق وتمزيق هذه الجدارية سيقودهما إلى تحطيم أجمل المشاعر المتبادلة ويستبدل الحيوية بينهما إلى التصحّر والجفاف، فضلًا عن مستقبل مجهول في تفاصيله وأحداثه ممتليء بالمشاكل الشائكة وفقدان القدرة على مواجهتها وإدارتها والتباحث والنقاش حول أفضل السبل لتجاوزها بأقل قدر من الخسائر.
كما أن التخلّص من تغلغل الأنانية والنفعية والانطلاق في ميدان العطاء وإسعاد الآخر وتقدير ظروفه ليست بطنطنة وترف بل هي رسم معالم علاقة واضحة ومثمرة وقادرة على أداء الواجبات والمستلزمات، ومما يصون العلاقة الزوجية روح الأمل والنفس الطويل في مواجهة المتاعب والأزمات والتكيف مع الأوضاع الصعبة والظروف القاهرة، وإلا فإن ضعف الإرادة واليأس من انفراج الأمور وتغير دفة اتجاهها سيدفن تحت رماله أية علاقة زوجية، فالعلاقة الزوجية كيان وبناء ينبغي قيامه على أسس متينة من التفاهم والثقة والتعاون لمقاومة الهزات والأزمات.
الاهتمام المشترك عماد الحياة الزوجية في أبسط تفاصيل حياتهم اليومية، فتلك التحية والكلمة الرقيقة من الزوجة عند رجوع الزوج من العمل تعني بالنسبة له الشيء الكثير، وًكذلك بالنسبة للزوجة القائمة بشؤون بيتها وأعبائه، ورعاية أبنائهما في تربيتهم وتعليمهم مع شريك حياتها، الكلمة الجميلة والموقف الراقي يزيح عن نفسها التعب والألم النفسي، كما أن تلك الرسائل الإيجابية تعزز الثقة والتعاون والتفاهم بينهما، وتخلق مساحة مشتركة من التفكير والعمل يساهم كل واحد منهما في صنع بيئة زوجية هانئة.
ومبدأ التحمل والصبر جزء مهم في ترسيخ العلاقة الزوجية، وذلك أن ضغوط الحياة على المستوى الوظيفي أو الاقتصادي وكذلك مختلف المشاكل التي يواجهها الزوجان، لا يمكن تجاوزها وتجنب التأثر السلبي بها إلا من خلال قيمة الصبر، كما أن الخلافات أو الإساءة غير المقصودة قد تصدر من أحدهما، ومن الخطأ التعامل معها بحدة أو عناد أو روح المواجهة بمثلها، لما تؤديه من عصف قوي يخلخل علاقتهما ويحدث فجوة عاطفية بينهما، وليس هناك من معالجة حقيقية وفاعلة إلا التغاضي عن الزلات وتقبّل عذر الآخر، فالتسامح – وخصوصًا بين الزوجين – لا يعني ضعفًا بل هو أسلوب راقٍ وهادف لمعالجة موارد الخطأ والتقصير مع المحافظة على روح المحبة الزوجية.