لعبة الفهد – الحلقة الثانية عشر: سباق مع النيران

ابراهيم الرمضان
في المكان السري، كان فهد مع مجموعته في نقاش مستفيض حول مخططهم القادم. وعلى الرغم من أنهم سربوا بعض المعلومات المتعلقة بفساد أبي مشاري المالي، والتي أدت إلى تجميد حساباته البنكية، وكشفت تورطه في دعم جماعات إرهابية، إلا أن أبا مشاري بدا وكأنه استخدم نفوذه ومعارفه القوية لإيقاف أية إجراءات ضده.
رأى فهد أن عليهم استثمار ما جرى مؤخرًا بسرعة، خاصة بعد أن ألغى الكثيرون حجوزاتهم في الفندق وانسحبت عدة جهات من التعامل معه. الهدف الآن كان واضحًا: وضع خطة مُحكمة لإفراغ الفندق بالكامل، بما في ذلك الموظفون، وضرب مصالح أبو مشاري في مقتل.
تساءل فهد عن وضع X-Shadow وردّه بشأن الهدف المطلوب تنفيذه بدقة، مؤكدًا أن هذه المهمة لا تحتمل أي خطأ. أجابه أبو موسى، الذي كان الوسيط بينهما:
أبلغني أن المسألة هذه المرة تبدو معقدة. فـX-Shadow رغم براعته التقنية، ليس ضليعًا في الأمور الهندسية، وهذا يتطلب وجودك شخصيًا معه لفهم التفاصيل الدقيقة ووضع خطة محكمة، وهو ما لا يفضله المخترق حفاظًا على خصوصيته وهويته السرية.
فكر فهد للحظات، ثم سأل:
هل يمكننا الاجتماع معه افتراضيًا؟ مشاركة الشاشات ستكون كافية لنضع النقاط على الحروف دون الحاجة للقاء مباشر.
هزّ أبو موسى رأسه إيجابًا:
سأطرح عليه الأمر، ولكن لا تنسَ أن هذا الشخص مهووس بالسرية… ربما يقبل، وربما يختفي للأبد!
ابتسم فهد بثقة:
إذا كان فعلًا محترفًا كما يبدو، فسيعلم أن هذه الخطوة ستضمن نجاحًا لا يُنسى.
وبعد دقائق، عاد أبو موسى بملامح توحي ببعض التردد، ولكنه قال:
وافق… ولكن بشروطه المعتادة: لا تسجيل، لا تتبع، ولا أية محاولة لمعرفة هويته.
فهد ساخرًا:
لا بأس… لسنا بصدد مصاهرته أو دعوته لحفل عشاء عائلي! (ثم ابتسم وأضاف) أشك أن حتى والدته تعرف اسمه الحقيقي!
تم إعداد الاتصال الافتراضي بطريقة لم تكن تقل تعقيدًا عن الأسلوب الذي اتُّبع للوصول إلى فهد نفسه. كل خطوة كانت مدروسة بعناية، مع طبقات متعددة من التشفير، ومسارات رقمية متعرجة تمر عبر عدة خوادم حول العالم، ما جعل تتبعه أشبه بالمستحيل.
عندما ظهر X-Shadow أخيرًا على الشاشة، لم يكن هناك سوى صوت مشفر، دون صورة، مما جعل فهد يبتسم ساخرًا:
يبدو أنني التقيت بنسخة إلكترونية من “الفراغ”!
رد X-Shadow بصوت مشوش:
وأنت… تبدو أثقل ظلًا مما تصورت، ولكن على الأقل، سنشكل فريقًا لا يُمسك بسهولة.
استمر النقاش بينهما لفترة ليست بالقصيرة، حيث تبادلا الخطط والاحتمالات، ودقّقا في كل تفصيلة مهما بدت صغيرة. كان فهد يعلم أن أي خطأ، مهما كان بسيطًا، قد يكلفهم كل شيء.
وفي النهاية، اتفقا على أمر لا يقبل الجدل: يجب أن يكونا متصلين افتراضيًا لحظة الهجوم المرتقب، لمتابعة الوضع لحظة بلحظة، وضمان تنفيذ الخطة بدقة… فالضربة القادمة لا تحتمل الفشل.
ومن جهة أخرى، وجّه أبو مشاري إدارة الموارد البشرية بمراجعة وضع جميع موظفي الفندق، سواء كانوا من رجال الأمن أو العاملين في الخدمة أو الإداريين وغيرهم، بعد أن لاحظ وجود تسريبات سرية تخصه وصلت إلى الخارج. كان هاجسه الأكبر معرفة من هو الخائن… أو الخونة، الذين يعملون من الداخل ضده. كان متيقنًا أن هناك أيدٍ تعبث في الظلام، تتلاعب بمملكته وكأنها حلبة مفتوحة للصراع.
وصل توجيه من شخص عرّف نفسه بأنه المكلف بمهام رئيس التشكيلات الإدارية، الذي قام بجولة على جميع أقسام الفندق، حيث وقف وسط بهو الفندق مخاطبًا الموظفين بلهجة صارمة:
لديكم توجيه مباشر من الشيخ أبو مشاري… ربما سيتم الاستغناء عن عدد كبير منكم قريبًا، مع تعويضات مجزية تساعدكم في البحث عن وظائف أخرى.
ساد الصمت للحظات قبل أن يصرخ أحد رجال الأمن:
ماذا؟! نحن نتبع للشركة الأمنية المملوكة للشيخ، ولسنا موظفين بالفندق! هل يشملنا القرار؟
أجاب المكلف بلا تردد:
نعم، الإجراءات ستشملكم أيضًا… سيتم مراجعة أوضاعكم، وربما يتم الاستغناء عن بعضكم أو نقلكم إلى جهات أخرى… في أفضل الأحوال.
تبادل الموظفون النظرات المذهولة، وبدأ بعضهم يهمس قائلًا:
ما الذي يحدث؟ هل هناك مشكلة خطيرة؟
لا أفهم… لماذا كل هذا فجأة؟!
لكن المكلف لم يعطهم مزيدًا من الوقت، بل تابع بحزم:
عليكم جميعًا مغادرة الفندق فورًا إلى منازلكم، وعدم العودة إلا عند استدعائكم رسميًا!
شعر الجميع بالارتباك، لكنهم بدأوا في المغادرة بخطى بطيئة، فيما كان القلق والشك يتلاعب بعقولهم.
اتجه أخيرًا إلى المطبخ، وأبلغهم بالتوجيه ذاته. ولكن رئيس الطباخين رد عليه مستغربًا:
نحن لسنا تابعين لأي من شركات أبي مشاري، بل نعمل لدى شركة متعاقدة لتوفير الطباخين المستقدمين من الخارج.
أجابه المكلف ببرود:
الإجراء يشملكم أيضًا… قد يتم التحفظ على بعضكم، مع احتمالية استبدال الآخرين لاحقًا.
وبينما كان الطباخون يهمّون بالمغادرة، حاولت ناهد التسلل للخروج معهم، ولكن رئيس الطباخين أوقفها قائلًا:
لا يمكنك المغادرة، ناهد… وضعك مختلف تمامًا، فأنت تعملين هنا بتكليف خاص من أبي مشاري… هو الوحيد من يمكنه أن يأمر بمغادرتك.
حدّقت به ناهد لوهلة، محاولة إخفاء توترها، تراجعت أخيرًا واتجهت إلى غرفتها.
بعد فترة، كان أبو مشاري في مكتبه، مشغول الذهن بمراجعة أوضاع موظفي الفندق، فرفع سماعة الهاتف الداخلي للاتصال بمدير الموارد البشرية، ولكنه لم يتلقَّ أي رد!! تعجّب من الوضع! تجهم وجهه وهو يتمتم بضيق:
غريب!! ألا يفترض أن يكون المدير على رأس عمله؟!
استدعى حارسه الشخصي بوجه متجهم وسأله بحدّة:
أين مدير الموارد البشرية؟ اتصل به فورًا!
أخرج الحارس هاتفه واتصل به، ولكن ما أن رد المدير حتى ظهرت علامات الاستغراب على وجه الحارس الشخصي، مما دفع أبا مشاري ليسأله بنفاد صبر:
ما الأمر؟
أجابه الحارس الشخصي بتردد:
يا طويل العمر… هل لديك حقًا توجيه لجميع الموظفين بمغادرة الفندق والتوجه إلى منازلهم؟
قطّب أبو مشاري جبينه والقلق يتسرب إلى صوته:
ماذا؟! عن ماذا تتحدث؟! أعطني الهاتف!
سحب الهاتف من يد الحارس الشخصي بسرعة وتحدث بحدّة:
أليس من المفترض أن تكون على رأس عملك؟ أين تتسكع؟!
جاءه صوت المدير عبر الهاتف، ولكن بنبرة حائرة:
يا طويل العمر، أنا خرجت من العمل… حسب تعليماتك بإخلاء الفندق فورًا!
كاد قلب أبو مشاري أن يتوقف من الصدمة، فشدّ قبضته على الهاتف، ونطق بصوت ينذر بالعاصفة:
تعليماتي؟! من طلب منك ذلك؟!
أجاب المدير باستغراب:
التعليمات وصلتنا من المكلف بمهام “مدير التشكيلات الإدارية”.
وقف أبو مشاري صارخًا:
مدير التشكيلات الإدارية؟!! من هذا؟ ومن عيّنه؟! لا يوجد أصلًا منصب بهذا الاسم!!
نظر إلى حارسه الشخصي بغضب:
كيف أصبح لدينا مدير تشكيلات إدارية ولا أعلم بذلك؟! هل وصلنا إلى هذه الدرجة من العبث الإداري!! هل بدأ الفوضى تتسلل إلى عريني؟!
حانت اللحظة المنتظرة، حيث تم فتح مشاركة الشاشات بين فهد والمخترق. كان فهد حينها قريبًا جدًا من الفندق، حريصًا على متابعة كل شيء عن كثب.
وجّه فهد المخترق للتوجه إلى نظام الصمامات، فقد اكتشف بفضل تلميح والده أن هناك عيبًا فيها. كان متأكدًا بأن الشركة التي نفذت المشروع قد تكون عبارة عن مقاول فاسد مثل أبي مشاري، ما يعني احتمال ترك عيوب هندسية بغرض التوفير.
تبيّن أن هناك ارتباطًا بين الصمامات التي توصل الوقود إلى المولدات الكهربائية، وبين الصمامات المتصلة بالخزان المخصص للإطفاء. كان المطلوب هو اختراق النظام الإلكتروني للتحكم بالمضخات، وبرمجة النظام لضخ الوقود بدلًا من الماء عند استشعار الحريق، ما سيجعل النيران تشتعل فورًا بدلًا من إطفائها.
بهذه الطريقة، لم يحتاجوا إلى إدخال أية مواد قابلة للاشتعال من الخارج، إذ استخدموا ما هو متوافر بالفعل داخل الفندق!!
ولكن بقي تحدٍ أخير… كيف يمكن إشعال المواد القابلة للاشتعال بعد ضخها عبر نظام التوزيع؟
فهد ابتسم بخبث، ثم قال:
لا تقلق، لدينا خطة لذلك أيضًا.
قام فهد بتوجيه المخترق إلى نظام التحكم بالكهرباء في الفندق، وتحديدًا نظام الإضاءة. بمجرد ضخ المواد القابلة للاشتعال عبر الأنابيب، سيطلب من المخترق بإرسال أمر إلى لوحة التحكم الرئيسة للفندق لرفع التيار الكهربائي في شبكة الإضاءة إلى الحد الأقصى، مسببًا شرارات كهربائية عند أي مفتاح أو مصباح يعمل في الفندق.
قال فهد بابتسامة ماكرة:
حتى أصغر شرارة ستكون كافية لإشعال المواد القابلة للاشتعال الموزعة عبر كل طابق… وعندها، لن يستطيع أحد إيقاف الحريق، وسينتشر بسرعة جنونية!
سأل المخترق X-Shadow:
يبدو أن كل شيء جاهز، هل نبدأ الآن؟
فهد:
قبل بدء تنفيذ الخطة، قم ببرمجة النظام ليتم تعطيل ضخ المواد القابلة للاشتعال في المكاتب الإدارية العليا والمخرج الخلفي له، أبو مشاري لم يخرج من الفندق ولا استهدف قتله.
إضافة إلى ذلك، طلب فهد تجهيز رسالة صوتية عبر نظام الاتصال الداخلي للفندق بصوت يتحدث بنظام الرد الآلي، ليجعله يتصل بهاتف مكتب أبي مشاري فور بدء الهجوم، تقول فيها:
هناك خطر حريق وشيك، غادر فورًا عبر المخرج الخلفي، هذه ليست مزحة!
الحارس الشخصي، بحكم خبرته، أخذ التحذير على محمل الجد فور سماعه صوت أجهزة الإنذار وبدأت رائحة الوقود تنتشر في المكان. أمسك بأبي مشاري وأخرجه بسرعة عبر ممر طوارئ جانبي كان مجهزًا بكاشفات دخان غير متصلة بنظام الإطفاء المعدّل، مما سمح لهما بالخروج قبل انتشار النيران بشكل كامل.
فور خروج أبي مشاري تمامًا، تفاجأ بأن النيران قد انتشرت بسرعة هائلة، وقف مذهولًا مما يراه وبدأ يصرخ بشكل هستيري:
ماذا يحدث؟! كيف اشتعلت النيران بهذه السرعة؟! أين الأمن؟! أين رجال الإطفاء؟!
في إدارة البحث الجنائي، كان النقيب مدرك وفريقه يراقبون الوضع عبر الشاشات التي تنقل الأخبار العاجلة، ويشاهدون أبا مشاري وهو يتخبط في كل اتجاه. حاول أحد أفراد الفريق، المكلف بمراقبة الشيخ أبو مشاري، كتم ضحكته وهو يقول:
المشهد مضحك بقدر ما كان مأساوي؛ أبو مشاري يركض في كل اتجاه كدجاجة مذعورة!
ولكن النقيب مدرك لم يكن بمزاج يسمح بالضحك، رفع حاجبه بجدية وهو يوجه فريقه:
ركزوا جيدًا… لا تتركوا التفاصيل تشتتكم… الفهد قد يظهر في أي لحظة وسط هذه الفوضى… هذا الشاب لا يترك شيئًا للصدفة!
على الجانب الآخر، كان فهد ومن معه يحتفلون بنجاح خطتهم، يصفقون ويضحكون، حتى قال فهد بسخرية:
أرأيتم؟ حتى النار تحترق أسرع عندما تعرف أن أبا مشاري هو الهدف!
ولكن الفرحة لم تدم طويلًا؛ إذ جاء عوض بحالة من الهلع، يريد التوجه إلى الفندق، قبل أن يمسكوه لمنعه من ذلك. اقترب منه فهد بقلق ليسأله عمّا يجري، فأخبره عوض بصوت مرتجف:
فهد… يجب أن أذهب! ناهد لا تزال في الداخل!! حادثتها قبل لحظات من اشتعال النيران، أخبرتني أن رئيس الطباخين منعها من المغادرة… قال لها إن توجيهات “المُكلّف” لا تشملها!
تجمد فهد في مكانه، وشحب وجهه:
المُكلّف؟! ألم تعلم أن المُكلّف شخصية مزيفة اخترقناها؟! لم يكن سوى “خالد”! كيف لم تعرف؟! لماذا لم يُطلعوها؟!
فهد وقد استشاط غضبًا:
اللعنة! ما كان يجب أن أعتمد عليكم! كان عليّ إخبارها بنفسي.
التفت إلى خالد بسرعة:
هل تعرف أين غرفتها؟
خالد، وهو يحاول تمالك أعصابه:
نعم، غرفتها بجانب المطبخ. يمكننا الوصول إليها عبر الممر الخلفي بالقرب من المبنى الذي استأجره موظفو الحراسات الأمنية.
فهد وقد اتسعت عيناه قلقًا:
بجانب المطبخ؟ الوضع خطير جدًا… خزان الغاز هناك، وإذا وصلت إليه النيران، فسيحدث انفجار هائل… ولكن ربما لا يزال لدينا فرصة إذا أسرعنا، بحسب نظام الصمامات، سيستغرق وصول الوقود إلى المطبخ دقائق أخرى.
فهد، وهو يهرول مسرعًا:
لننتقل إلى هناك فورًا… كل ثانية الآن قد تكون فارقة!
رغم أن الظهور العلني يشكل خطرًا كبيرًا على فهد، خاصة مع تعقب فريق النقيب مدرك له، إلا أن حياة إنسانة في خطر كانت أهم من أي اعتبار. ركز فهد كل تفكيره على إنقاذ ناهد، وهو الذي حفظ خرائط الفندق عن ظهر قلب بعد أن درسها لفترة طويلة.
كان يركض بأقصى سرعته، يحاول أن يسبق النيران المتسارعة، يتفادى الأدخنة المتصاعدة، ويحسب كل خطوة بحذر… هذا ما كان يخشاه، أن يكون هناك خطأ ولو بسيطًا، قد يكلّفهم ذلك الكثير!
رصد أحد المراقبين في فريق النقيب مدرك فهد وهو يركض باتجاه خلف الفندق، فاتصل فورًا بالنقيب ليخبره بلهفة:
سعادة النقيب، لقد رصدت فهد! إنه يركض خلف الفندق الآن… هل نتحرك للقبض عليه؟
رد عليه النقيب مدرك بسخرية وهو يبتسم بزاوية فمه:
القبض على الفهد؟ هل نسيت؟ على الورق، الفهد الآن في إفريقيا يحتسي القهوة تحت شجرة موز! لم أقل إنني أريد القبض عليه… أريد رصده فقط. تابع تحركاته لحظة بلحظة، لا تدعه يغيب عن عينيك.
وصل فهد أخيرًا إلى الباب المؤدي للمطبخ، قلبه ينبض بعنف، وعيناه تبحثان عن أي مخرج سريع. لاحظ قرب المطبخ من المبنى الذي أشار إليه خالد سابقًا، فالتفت إلى عوض وقال بحزم:
سأهتم بناهد… عليك أنت أن تنبه من بداخل المبنى ليُخلوا المكان فورًا، لا وقت للمجاملة! إذا وصلت النيران إلى خزان الغاز، سينفجر ويُدمّر كل ما حوله!
هز عوض رأسه بسرعة، وهو يحاول كتم ارتباكه:
حاضر! ولكن أنقذها… أرجوك.
أخذ فهد نفسًا عميقًا قبل أن يندفع باتجاه الفندق، فيما ركض عوض لتحذير الآخرين، بينما كانت النيران تزحف كوحش جائع يقترب أكثر فأكثر.
قبل اشتعال الحريق، لم تستوعب ناهد سبب قلق والدها قبل أن تتم جملتها له، ولكن فجأة طار الهاتف المحمول من يدها من شدة فزعها، إذ اهتز المكان بقوة نتيجة الانفجار الذي دوّى في أرجاء الفندق. ارتجفت يداها وهي تحاول استيعاب ما يحدث، ثم أسرعت إلى باب غرفتها وفتحته قليلًا لتتفقد الوضع، ولكنها صُدمت بما رأته؛ الأنابيب التي كان يفترض أن تتدفق منها المياه لإطفاء الحرائق، كانت تضخ سائلًا ذا رائحة نفّاذة وقوية… رائحة الوقود واضحة!
شهقت بفزع وأغلقت الباب بسرعة قبل أن يتناثر الوقود داخل غرفتها، لا تدري ماذا تفعل! دقائق ثقيلة مرّت وكأنها ساعات، رائحة الوقود تزداد وضوحًا، تشعر أنها ستتحول إلى كتلة من اللهب في أية لحظة.
فجأة، سمعت صوت شيء يتحطم، التفتت لتجد نافذتها مكسورة، فهد صار يلتقط أنفاسه بصعوبة بعد أن أسقط الزجاج بكل قوته، نادى عليها ليتأكد من أنها بخير، ومد يده نحوها ليساعدها على الخروج. كانت هذه اليد نفسها التي أنقذتها في طفولتها تمتد لها مجددًا… لم تتردد للحظة، أسرعت نحوه.
لكن قبل أن تخرج تمامًا من النافذة، دوّى انفجار هائل من المطبخ! وصلت النيران أخيرًا إلى خزان الغاز، ليحدث انفجارًا عنيفًا أطاح بهما معًا عدة أمتار باتجاهين مختلفين، لو تأخر فهد أجزاء من الثانية فقط، لأصبحا الآن مجرد أشلاء!
عندما نهضت ناهد بصعوبة، التفتت لترى الدمار من حولها… الانفجار كان قويًا لدرجة أنه دمر أيضًا المبنى الذي استأجره موظفو الفندق بالكامل، لم يتبقَ منه سوى رماد وأطلال… أصبح أثرًا بعد عين!
ولكن… أين فهد؟
صارت ناهد تنادي عليه بفزع، تبحث في كل اتجاه، وتركض يمينًا ويسارًا، تصرخ باسمه دون توقف. فجأة، لمحت شيئًا وسط الركام داخل الفندق… إنه فهد! كان عالقًا بين الأنقاض، والنيران تقترب منه تدريجيًا. تجمدت للحظات مما رأت، ثم اندفعت نحو المبنى وهي تصرخ باسمه، ولكن يدًا قوية أمسكت بها بعنف من الخلف.
كان الحارس الشخصي خلفها، وأمامها وقف أبو مشاري بوجهٍ محمّر من الغضب العارم. رمى بها بقوة ناحية أبي مشاري، الذي ضرب ظهرها بعصاه بعنف وهو يهتف بغضب:
تعرفين فهد؟! إذن أنتِ من كنتِ تسربين عني كل شيء! أنتِ السبب في كل ما يحدث!!
رفع يده ليضربها مجددًا، ولكن فجأة، قفز عوض ورمى بنفسه على أبي مشاري في محاولة يائسة لمنعه. لم يكن يفكر بشيء سوى حماية ابنته، كان يريد أن يسدد له ضربة قوية، لولا أن الحارس الشخصي تدخّل بسرعة خاطفة، أمسك بعوض كما لو كان دمية، رفعه بيد واحدة بسهولة مخيفة، ثم رماه بعيدًا بجانب ابنته.
ولكن ناهد لم تعد ترى أو تسمع شيئًا… كانت عيناها مثبتة فقط على فهد المحاصر وسط ألسنة اللهب. اختفى كل شيء من حولها، لم تعد تدرك سوى النيران التي تتصاعد. صرخت مطالبة بإنقاذه، ولكن لم يتحرك أحد… بدت وكأنها فقدت صوابها، جسدها كله كان يرتجف من الرعب والغضب في آنٍ واحد.
لم تنتظر، لم تفكر، لم تتردد… وقبل أن يمنعها أحد، انطلقت بجنون، قاذفة بنفسها وسط النيران دون أن تلقي بالًا لأي شيء آخر!
ناااااهد!!
صرخ عوض برعب وهو يحاول اللحاق بها، ولكن بعض موظفي الفندق أمسكوا به بشدة، وهم يهتفون:
اللحاق بها انتحار!! لا أحد سيخرج حيًا من هناك!
وسط ألسنة اللهب التي التهمت كل شيء، وقف الجميع مذهولين، وصوت عوض يصدح يائسًا باسم ابنته، بينما كانت ناهد قد اختفت تمامًا داخل الدخان الكثيف.