صندوق الأفكار

السيد فاضل آل درويش
هل يمكننا أن نرتكب خطأ في طريقة تفكيرنا تبعدنا كثيرًا عن الحقيقة والواقع وتوقعنا في الكثير من المشاكل والخسائر بسببها؟!
في خضم الأحاديث المتبادلة وطرح وجهات النظر في القضايا المختلفة واحتدام طرح الآراء نسمع من ينعت تصوّرنا لقضية أو مفهوم أو ظاهرة معينة بأنه تفكير خاطيء ومسار مسدود لا يوصل إلى نتيجة منطقية، وهذا ما يجعلنا نتوقّف أمام فكرة التفكير الخاطيء وأبعاده وأشكاله وقاية من الوقوع فيها، كما أننا بالتأكيد نبحث عن ذلك الميزان والمعيار الذي من خلاله يمكن أن نصف فكرة معينة بأنها صائبة أو خاطئة، وخصوصًا أن التفكير هو أداة الإنسان لفهم نفسه والواقع من حوله والأحداث التي نمر بها، وطريقة التفكير بالتأكيد تصيبها من الآفات والموانع التي تقف في طريق تحركها نحو إصابة الحقيقة، فالمشكلة ليست في ذاتية التفكير وإنما هي الطريقة المتناغمة مع أخطاء شابتها وحرفتها عن مسارها، وخطورة التفكير بطريقة خاطئة ليست قضية ثانوية ذات تأثير محدود، بل هي طريقة التعاطي مع النفس ومفهوم التكامل والرقي وصنع المكانة اللائقة بها، كما أن السلوك العملي وطريقة التصرف هي نتاج لطريقة تفكير إذا اعوجّت سينتج عنها سلوك خاطيء، وكذلك على مستوى العلاقات الأسرية والاجتماعية لا يمكن ترسيتها على منصة التنمية والازدهار مع وجود أفكار خاطئة تهز كيانها وتقوّض دعائمها، ولتبيان الفكرة بمثال بسيط فلنتأمّل في الظنون السيئة والتفكير بخبث ولؤم في كل ما يصدر من الآخرين في مشاعرهم وآرائهم وتصرفاتهم، ألن تكون هذه الطريقة السوداوية في التفكير وسيلة لتدمير علاقاتنا وفقدانها الثقة المتبادلة المبنية على أسس منطقية وعقلائية؟!
قد يكون الخطأ في التفكير ناتجًا عن المصادر المغلوطة والمدسوسة فيها الاشتباهات، فالحقول المعرفية لها مصادرها وكتبها وعلماؤها الذين يمثلون المصادر المعرفية والمخزون العلمي الذي نستقي منه تصوراتنا وأفكارنا، وكم من إنسان قد جعل من الشبكة العنكبوتية (الإنترنت ومحرك البحث جوجل) بما تحمله من معلومات هي قطعية ولا يمكن النقاش في مصداقيتها، ثم تبين بالرجوع إلى المصادر المعرفية الموثوقة بأنه لا أصل لها وقد يكون الخطأ في المنهجية والطريقة في الربط بين المعلومات ومحاولة الاستنتاج والاستقراء مما يؤدي إلى الوصول إلى نتائج وأفكار خاطئة، فالتفكير المشحون عاطفيًّا بنحو زائد كالدلال الزائد من الأبوين لأبنائهم أو بالنحو السلبي كالحساسية المفرطة والكراهية، ستكون حاجزًا يمنعنا من التفكير والتصرف الصحيح ويتجه بنا إلى أفعال غير مقبولة وخسائرها كثيرة.
التفكير الحدي الذي لا يقبل التعددية في الأفكار (إما أبيض أو أسود، معي أو ضدي) سيدخلنا في متاهة العلاقات الوهمية والنظرات المثالية البعيدة – كل البعد عن الحقيقة والواقع، والصور التعميمة بسبب وجود حالة فردية كما لو حكمنا على جميع الأقارب أو الأصدقاء بالخيانة بسبب تجربة مريرة مع أحدهم، وكذلك فكرة التركيز على السلبيات وتجاهل الجوانب الإيجابية في شخصية الآخر، بحيث أن مجرد صدور خطأ أو تقصير من أحدهم فهذا يعني مسح كل التفاصيل الجميلة في تلك العلاقة، وعدم إنصاف الآخرين بسبب الشخصنة في الأمور والابتعاد تمامًا عن المهنية والموضوعية والمعايير في التقييم، بسبب تحويل الأمر إلى قضية شخصية والتعامل معها بمقت وسوداوية إن كان الآخر تحكمنا به مشاعر سلبية.
ما ذكرناه من أمثلة لطرق التفكير الخاطئة ليست مجرد صورة معتمة بل هي أنماط تقودنا نحو قرارات وخطوات تجلب لنا المتاعب والخسائر.