كنوز المعرفة في أدعية ومناجاة الإمام السجاد (ع)

زاهر العبد الله
الإمام السجاد (عليه السلام) من خلال أدعيته ومناجاته في (الصحيفة السجادية) قدَّم ثروةً علميةً شاملةً تغطي مختلف المجالات العقدية والأخلاقية الفكرية والعلمية والروحية والاجتماعية، حيث تجلّت في كلماته علومٌ عميقة متعددةٌ في شتى نواحي الحياة، منها:
1. علومه في العقيدة والتوحيد.
فلا تجد دعاء أو مناجاة تخلو من توحيد الله وتمجيده وتنزيهه وتقديسه حيث تبين عمق المعرفة بالله سبحانه وتعالى ونختصرها فيما يلي:
أ- شرح أصول التوحيد والصفات الإلهية.
ب – الرد على الشبهات العقدية بطريقة لطيفة.
ج- بيان حكمة الله تعالى في الخلق والتقدير.
مثال على ذلك: في الصحيفة السجادية
دعاؤه عليه السلام إذا ابتدأ بالدعاء بدأ بالتحميد لله عز وجل والثناء عليه الحمد الله الأول بلا أول كان قبله، والآخر بلا آخر يكون بعده، الذي قصرت عن رؤيته أبصار الناظرين، وعجزت عن نعته أوهام الواصفين. ابتدع بقدرته الخلق ابتداعًا، واخترعهم على مشيته اختراعًا، ثم سلك بهم طريق إرادته، وبعثهم في سبيل محبته لا يملكون تأخيرًا عما قدمهم إليه، ولا يستطيعون تقدمًا إلى ما أخرهم عنه. وجعل لكل روح منهم قوتًا معلومًا مقسومًا من رزقه، لا ينقص من زاده ناقص، ولا يزيد من نقص منهم زائد. ثم ضرب له في الحياة أجلًا موقوتًا، ونصب له أمدًا محدودًا يتخطى إليه بأيام عمره، ويرهقه بأعوام دهره، حتى إذا بلغ أقصى أثره واستوعب حساب عمره، قبضه إلى ما ندبه إليه ..(١)
2. التربية الأخلاقية والنفسية
عالجت أدعية الإمام السجاد (ع) ومناجاته الأمراض النفسية والسلوك غير السوي وتنقية السريرة من أوساخ الغفلة وتزكية النفس وتهذيب الأخلاق وحفّزت على المعاملة الحسنة وركزت على إصلاح النفس في عدة نواحي منها
– تزكية النفس وتهذيب الأخلاق.
– علاج أمراض القلوب مثل الغرور والحسد والكسل.
– تعليم كيفية التعامل مع الناس بالحلم والصبر.
شاهد على ذلك من أدعيته ومناجاته يجسدها دعاء مكارم الأخلاق ونذكر منه بعض مقاطعه
منها:
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ، ومَتِّعنِي بِهُدًى صَالِحٍ لَا أَستَبدِلُ بِهِ، وطَرِيقَةِ حَقٍّ لَا أَزِيغُ عَنهَا، ونِيَّةِ رُشدٍ لَا أَشُكُّ فِيهَا، وعَمِّرنِي مَا كَانَ عُمُرِي بِذلَةً فِي طَاعَتِكَ، فَإِذَا كَانَ عُمُرِي مَرتَعاً لِلشَّيطَانِ فَاقبِضنِي إِلَيكَ قَبلَ أَن يَسبِقَ مَقتُكَ إِلَيَّ، أَو يَستَحكِمَ غَضَبُكَ عَلَيَّ.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ، وحَلِّنِي بِحِليَةِ الصَّالِحِينَ، وأَلبِسنِي زِينَةَ المُتَّقِينَ، فِي بَسطِ العَدلِ، وكَظمِ الغَيظِ، وإِطفَاءِ النَّائِرَةِ، وضَمِّ أَهلِ الفُرقَةِ، وإِصلَاحِ ذَاتِ البَينِ، وإِفشَاءِ العَارِفَةِ، وسَترِ العَائِبَةِ، ولِينِ العَرِيكَةِ، وخَفضِ الجَنَاحِ، وحُسنِ السِّيرَةِ، وسُكُونِ الرِّيحِ، وطِيبِ المُخَالَقَةِ، والسَّبقِ إِلَى الفَضِيلَةِ ..
إلى أن يقول: اللَّهُمَّ لَا تَدَع خَصلَةً تُعَابُ مِنِّي إِلَّا أَصلَحتَهَا، ولَا عَائِبَةً أُوَنَّبُ بِهَا إِلَّا حَسَّنتَهَا، ولَا أُكرُومَةً فِيَّ نَاقِصَةً إِلَّا أَتمَمتَهَا..(٢)
3. الفقه وأحكام الشريعة:
لم تخلُ أدعية الإمام السجاد عليه السلام من:
أ- الإشارة إلى العديد من الأحكام الشرعية من خلال ثنايا الأدعية.
ب- بيان أهمية العبادات كالصلاة والصوم والحج.
ج – ذكر حقوق الله وحقوق العباد.
نأخذ شاهد من كلماته عليه السلام في دعاء مكارم الأخلاق
اللَّهُمَّ اجعَل مَا يُلقِي الشَّيطَانُ فِي رُوعِي مِنَ التَّمَنِّي والتَّظَنِّي وَالحَسَدِ ذِكرًا لِعَظَمَتِكَ، وتَفَكُّراً فِي قُدرَتِكَ، وتَدبِيرًا عَلَى عَدُوِّكَ، ومَا أَجرَى عَلَى لِسَانِي مِن لَفظَةِ فُحشٍ أَو هُجرٍ أَو شَتمِ عِرضٍ أَو شَهَادَةِ بَاطِلٍ أَوِ اغتِيَابِ مُؤمِنٍ غَائِبٍ أَو سَبِّ حَاضِرٍ ومَا أَشبَهَ ذَلِكَ نُطقًا بِالحَمدِ لَكَ، وإِغرَاقًا فِي الثَّنَاءِ عَلَيكَ، وذَهَابًا فِي تَمجِيدِكَ، وشُكرًا لِنِعمَتِكَ، واعتِرَافًا بِإِحسَانِكَ، وإِحصَاءً لِمِنَنِكَ.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ، ولَا أُظلَمَنَّ وأَنتَ مُطِيقٌ لِلدَّفعِ عَنِّي، ولَا أَظلِمَنَّ وأَنتَ القَادِرُ عَلَى القَبضِ مِنِّي، ولَا أَضِلَّنَّ وقَد أَمكَنَتكَ هِدَايَتِي، ولَا أَفتَقِرَنَّ ومِن عِندِكَ وُسعِي، ولَا أَطغَيَنَّ ومِن عِندِكَ وُجدِي. ..(٣)
4. علم الاجتماع والسياسة
لم تخلو أدعية ومناجاة الإمام السجاد (ع)من النصح والتوجيه للراعي والرعية في صلاحهم في أمر دينهم ودنياهم في مناحي ثلاثة :
أ- التوجيه نحو العدل الاجتماعي.
ب- الدعاء للمجتمع والأمة الإسلامية بالوحدة والصلاح.
ج – النصح للحكام بالعدل ومراعاة حقوق الرعية.
ورد عن الإمام السجاد عليه السلام في رسالة الحقوق حينما قال
وحق رعيتك بالسلطان أن تعلم أنهم صاروا رعيتك لضعفهم وقوتك، فيجب أن تعدل فيهم وتكون لهم كالوالد الرحيم، وتغفر لهم جهلهم ولا تعاجلهم بالعقوبة وتشكر الله على ما آتاك من القوة عليهم. (٤)
5. علم معالجة الروح والسلوك الإنساني.
تناولت بعض المناجاة للإمام السجاد عليه السلام لمعالجة إدبار الروح عن خالقها ومعالجة التوترات النفسية في المناجاة الخمس عشر للإمام تعالج ذلك في
أ- تحليل مشاعر الإنسان مثل الخوف والرجاء.
ب- علاج القلق واليأس بالتوكل على الله.
ج – تعزيز الثقة بالنفس من خلال الإيمان بالقدرة الإلهية.
فحين تنظر لعناوين كل مناجاة تجد أنها تعالج جانباً من روح وسلوك النفس منها مناجاة الخائفين والتوابين والراجين والمتوسلين والرغبين وو. نأخذ مثال
قوله (ع) في مناجاة التوابين : اللهم تب علي حتى لا أعصيك، وألهمني الخير والعمل به، وخشيتك بالليل والنهار، أبدا ما أبقيتني يا رب العالمين.(٥).
٦. العلوم الكونية والطبيعية.
الإمام السجاد في بعض أدعيته أشار إلى عظيم خلق الله والتفكر فيه مما يزيد يقينه وتقربه من ربه سبحانه وتعالى في عدة جوانب منها
أ- الإشارة إلى عظمة الخلق في السماوات والأرض.
ب- التأمل في الظواهر الطبيعية كالليل والنهار والمطر.
ج – ربط العلوم الكونية بالحكمة الإلهية.
نأخذ شاهداً من كلماته عليه السلام
دعاؤه عليه السلام إذا نظر إلى الهلال أيها الخلق المطيع الدائب السريع، المتردد في منازل التقدير المتصرف في فلك التدبير.آمنت بمن نور بك الظلم، وأوضح بك البهم وجعلك آية من آيات ملكه، وعلامة من علامات سلطانه، وامتهنك بالزيادة والنقصان، والطلوع والأفول، والإنارة والكسوف في كل ذلك أنت له مطيع، وإلى إرادته سريع.سبحانه ما أعجب ما دبر في أمرك، وألطف ما صنع في شأنك، جعلك مفتاح شهر حادث لأمر.فأسأل الله ربي وربك، وخالقي وخالقك، ومقدري و مقدرك، ومصوري ومصورك، أن يصلي على محمد وآله..(٦)
٧. اللغة والأدب والفصاحة
المتقلب في كلمات الإمام السجاد عليه السلام يرى البلاغة والفصاحة في أجمل صورها والتي تحمل في طياتها
أ- بلاغة وفصاحة الأدعية، مما يجعلها نموذجاً للأدب الرفيع.
ب- استخدام الأساليب البيانية المختلفة كالاستعارة والتشبيه.
ج- جمالية الصياغة وعمق المعنى.
شاهد على ذلك في مناجاة الراجين حين يقول
إلهي من الذي نزل بك ملتمسا قراك فما قريته؟! ومن الذي أناخ ببابك مرتجيا نداك فما أوليته؟! أيحسن أن أرجع عن بابك بالخيبة مصروفا ولست أعرف سواك مولى بالإحسان موصوفا؟! كيف أرجو غيرك والخير كله بيدك؟! وكيف أؤمل سواك والخلق والأمر لك؟! أأقطع رجائي منك وقد أوليتني ما لم أسأله من فضلك؟ أم تفقرني إلى مثلي وأنا أعتصم بحبلك..(٧)
خاتمة:
كلمات الإمام السجاد عليه السلام في الصحيفة السجادية الكاملة ليست مجرد مجموعة أدعية، بل هي موسوعة علمية إيمانية تقدم رؤيةً متكاملةً للإنسان والكون، وتُعدُّ من أهم المصادر التراثية التي تجمع بين العقل والقلب، والعلم والإيمان.
المصادر
(1) الصحيفة السجادية (ابطحي) – الإمام زين العابدين (ع) – الصفحة ١٧.
(2) الصحيفة السجادية (ابطحي) – الإمام زين العابدين (ع) – الصفحة ١١١.
(3) الصحيفة السجادية الكاملة – الإمام زين العابدين (ع) – الصفحة ١٠٦.
(4) شرح رسالة الحقوق – الإمام زين العابدين (ع) – الصفحة ٤٦١.
(5) الصحيفة السجادية (ابطحي) – الإمام زين العابدين (ع) – الصفحة ٢٢٢.
(6) الصحيفة السجادية (ابطحي) – الإمام زين العابدين (ع) – الصفحة ١٩٩.
(7) الصحيفة السجادية (ابطحي) – الإمام زين العابدين (ع) – الصفحة ٤٠٦.