أقلام

تهذيب النفس في الصحيفة السجادية

السيد فاضل آل درويش

التربية الأخلاقية تقع في صلب المضامين والمقاصد التي تضمّنتها الأدعية في الصحيفة السجادية، مما يؤكد على أنها ليست مجرد كلمات مجردة عن التآزر مع العقل الواعي والنفس اليقظة لما يحاك لها من عدوها اللدود (الشيطان والأهواء النفسية)، بل هي رحلة ملكوتية في غمار المناجاة التي توقظ النفس من سبات الغفلة والتقصير وعدم المبالاة بيوم الحساب، وهذه الأدعية تعد النفس لتحمّل المسؤولية تجاه التحديات ومن ثم اتخاذ المسار والقرار الذي يحفظ النفس من السقوط في أتون النزوات، وليس هناك من جهد جهيد للشيطان كتزيينه لبني آدم ارتكاب المعصية وفقدان الحساسية الإيجابية والخوف من الله تعالى، وبداية الخيط في فك هذا اللغز المتعلّق بالمنطقة بين الفهم الفكري والتصرف السلوكي تجاه المخالفة وممارسة المعصية، تنشأ من الإشارة إلى السؤال حول المعرفة النظرية بحقيقة الذنوب وآثارها الوخيمة على الإنسان، وإذا كانت هناك ثمة معرفة ولو بنحو إجمالي ينشأ من البيان القرآني لقصص الأمم السابقة مثلًا وكذلك منحى التوجيهات القرآنية المتعلقة بالجانب الأخلاقي والتربوي، فيتبادر إلى الذهن ما يتعلق بالسبب لهذا العمى والاستجابة السريعة لهتاف المعصية مع وجود معرفة مسبقة بخطرها ونتائجها المدمرة على مستقبل الفرد الأخروي، فالإنسان الذي يرتكب المعصية المقررة لمصيره المؤلم في يوم القيامة، كيف يقدم على ذلك مع وجود إرادة عنده تمكّنه من الإقدام أو الإحجام والتراجع، مع وجود المعرفة بخطأ هذا الاتجاه الذي يسلكه وما يحفه من مخاطر النقم والعقوبات الإلهية، فلماذا نجد الإصرار والاستمرارية دون أدنى مراجعة للحسابات وإعادة التموضع بعد التخلي عن هذا الخطر المحدق، وهذا جوهر مهم من جواهر تلك الأدعية السجادية التي تدعو إلى تعزيز المعرفة بالوعي وتفتّح البصيرة وصولًا إلى تعزيز الإرادة وتقويتها لاتخاذ القرار الصائب بالتراجع والتوبة والإقلاع عن الذنب.

النفس البشرية في صراع مستمر ما بين قوة العقل الواعي الداعي إلى الخير والصلاح والفضيلة، وبين الشهوات والغرائز المتفلّتة التي تميل بالفرد إلى النزوات وفعل الآثام، وهنا يقع الفرد في قرار مصيري ووجود حقيقي يقرره ذلك الضمير عندما يتصف بالنباهة والقوة أو الضعف والتلاشي، ومن عوامل الهدم الدالة على الانغماس في الشهوات هو محاولة التبرير وإيجاد الأعذار لارتكاب المخالفات واستصغار وتحقير أثرها في ميزان الأعمال، حيث يتيح له ذلك التبرير الوصول إلى ساحة التصالح والسلام مع ذاته، كما أن البيئة المحيطة به (أصدقاء السوء) تشكل طريق ضعف للفرد في الاستجابة لنزواته، وهنا تأتي أهمية الوعي وفهم حقيقة الإنسان وقدرته على اتخاذ القرار مهما كانت الظروف المحيطة به.

الاعتراف بالخطأ والتقصير بداية اليقظة ومناعة الضمير، فبدلًا من التخبّط في التبرير أو احتقار الذنوب يلج لبوابة تحمّل المسؤولية والقدرة على استحداث استدارة وتراجع بعد محاسبة النفس وإعادة ترتيب أوراقه ورسم خريطة طريق لتوازنه الفكري والنفسي، فالتوبة قرار وموقف شجاع بعد تسلسل السقوط في وحل المعاصي التي لا تأتي فجأة بل هي تدرج وخطوات سلبية لتتحول إلى سلوك مستمر ومتحكم فيه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى