مجلس الزهراء الثقافي يناقش أسرار الرموز القرآنية في محاضرة توضيح وتصحيح للرسم القرآني

زينب المطاوعة: الدمام
ضمن سلسلة المحاضرات المجتمعية للدورة الـ31 بمجلس الزهراء الثقافي يوم الاثنين الماضي، واصل الأستاذ محمد قاسم أبو سعيد تقديم محاضرته بعنوان: الرسم القرآني: توضيح وتصحيح، كاشفًا أسرار الرموز القرآنية وأهميتها في التلاوة والتدبر، خصوصًا رمزي “الميم الكاملة” و”رأس الميم”، وما يرتبط بهما من أحكام الوقف والابتداء.
افتتح الأستاذ حديثه بتأكيد ضرورة بقاء العلاقة اليومية للمؤمن مع القرآن الكريم، مستشهدًا بالآية: ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ﴾، وداعيًا إلى تجاوز حصر التلاوة في شهر رمضان. وشدد على أن “القراءة” المعتبرة شرعًا لا تتحقق بمجرد المطالعة البصرية، بل ينبغي تحريك الشفتين وإخراج الصوت، إذ بذلك يحصل الارتباط الحي مع النص القرآني.
ثم سلط الضوء على الميم الكاملة (م)، مشيرًا إلى أنها تُستخدم في مواضع الإقلاب التجويدي، وتكتب فوق النون الساكنة أو التنوين عند مجيء حرف الباء بعدها. وأوضح أن هذا الرمز ليس زخرفيًا، بل وسيلة لضبط النطق الصحيحة واستعرض أمثلة توضيحية على ذلك.
وانتقل بعد ذلك إلى شرح رأس الميم الصغيرة (ۘ)، المستخدَمة للدلالة على الوقف اللازم، وهو أقوى أنواع الوقف في التلاوة. وبيّن أن هذه العلامة ليست اختيارية، بل توقف القارئ إلزامًا عندها لحفظ المعنى القرآني من التغيير أو الالتباس. وعرض نماذج لذلك.
ومن الأمثلة اللافتة التي تناولها المحاضر، موضع نادر يتكرر فيه لفظ “الله” مرتين دون فاصل، في قوله تعالى: “لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله.. الله أعلم حيث يجعل رسالته…”. وهنا تظهر أهمية الوقف عند “رسل الله” للتمييز بين كلام الكافرين والوصف الإلهي.
كما بيّن الأستاذ أن من ثمرات الرسم القرآني التمييز بين الأفعال والفاعلين في سياق الآيات، مثل الوقف في: “فآمن له لوط وقال إني مهاجر…”، موضحًا أن لوطًا هو المؤمن وليس القائل، مما يُظهر كيف أن الوقف الصحيح يحفظ المعنى العقدي للنص.
ثم وضح بعد ذلك كيفية الصلاة على النبي، مشددًا على أن الاقتصار على عبارة “اللهم صل على محمد” دون إضافة “وآل محمد” يقع ضمن ما يُعرف بـ “الصلاة البتراء” مؤكدًا أن الروايات النبوية تنهى عن هذا النوع من الصلاة. كما بين أن النبي (ص) عند سؤاله عن كيفية الصلاة عليه، أجاب بصيغة كاملة.
كما أشار إلى أن: صلاة الله على النبي تعني الرفع والتشريف، وصلاة الملائكة تزكية ومدح، وصلاة المؤمنين دعاء وتوسّل برفع شأن النبي وطلب المغفرة.
كما فنّد المحاضر الفهم السائد الذي يربط كلمة “تسليماً” بالسلام اللفظي، موضحًا أن السياق القرآني يشير إلى الطاعة والانقياد لأوامر النبي (ص)، واستشهد بآية:“فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم…” وذلك لبيان أن التسليم المقصود هو التسليم القلبي والعقلي لأحكام الرسول (ص)، لا مجرد تحية لفظية.
وطرح الأخطاء المتكررة الصلاة على النبي ، مثل الوقوف الخاطئ عند لفظ “محمد”، والذي يُفصل المعنى ويخرجه عن سياقه الصحيح. وأوصى بضرورة وصل الصيغة كاملة: “اللهم صل على محمد وآل محمد”، مبينًا أثر ذلك في البلاغة اللفظية.
كما تناول خصوصية سورة التوبة التي تخلو من البسملة، مرجّحًا أن السبب هو أنها نزلت في سياق براءة وإنذار وليس في سياق رحمة، كما هو معتاد في باقي السور. وأوضح أن البسملة فيها جائزة بقصد التبرك لا بقصد الجزئية، خصوصًا عند البدء بالسورة في غير موضع تلاوتها المتسلسل من سورة الأنفال.
وفي لفتة لطيفة، استعرض المحاضر الفروق اللفظية بين اللهجات المحلية في القطيف والأحساء، مستشهدًا بالآيات لتوضيح مصطلحات مثل “تحتي” في سياقها القرآني، مستدلًا بآية السيدة مريم: “فناداها من تحتها ألا تحزني…” ليُبيّن أن “تحتها” هنا تعني “بجانبها” لا “أسفل منها”، في رد علمي على من يفسر المفردات بشكل حرفي بعيد عن السياق.
وفي ختام الجلسة، تشرّف مجلس الزهراء الثقافي بتقديم درع تكريمي للأستاذ محمد أبو سعيد ، تقديرًا لعطائه التوعوي والثقافي المستمر، ومشاركته الفاعلة في برامج المجلس.