أقلام

الحياة الهادفة من منظور الإمام السجاد (ع)(٤)  سنة التبدّل والتغيير

السيد فاضل آل درويش

ورد عن الإمام السجاد (ع): (فإنّها دار زوال وانتقال، تنتقل بأهلها من حال إلى حال ..)(بلاغة الإمام السجاد للحائري ص ٢٩).

فهم حقيقة الدنيا والسنن الإلهية فيها يكسب الفرد فهمًا وإدراكًا لكيفية التعاطي والتعامل معها بعيدًا عن الوهم والمثالية والسير عكس عقارب الساعة والسقوط في حفر متاهاتها ، فمن مسارات الوهم التي تجعل من الإنسان ضحية وفريسة سهلة لقبضة الزمن العاصف هو التعلّق بالآمال والأماني الكاذبة بدوام الحال وسير الأمور باتجاه واحد يداعب مشاعره ورغباته دون تغيير أو مرور بمنعطف يقلب المشهد، فالدنيا بطبيعتها لا تتصف بالثبات ودوام الحال فالتغيّر والتبدّل سمة لا تفارقها، وعلى الفرد فهم هذه الحقيقة والتوافق والتكيّف معها، وهذا ما نلمسه بالوجدان في جميع أمورنا وأحوالنا كالصحة حيث يعترينا السقم والألم فجأة ودون سابق إنذار ودون وجود مؤشرات في بعض الأحيان عن مداهمته، وكذلك مشهد العلاقات والارتباط بالآخرين يعتريه من الظروف الحياتية ما يشد عصب تلك العلاقة أو يضعفها ، وهنا يأتي أهمية إدراك هذه الحقيقة والتوافق معها و الذي يكون من ثماره عدم التعلق بالحال الدائم أو الدهشة والاستغراب من مداهمة الظروف الحياتية الصعبة والأزمات المختلفة، كما أن طريقة التفكير المنطقية تتعامل مع الظروف بالبحث بنحو مستمر عن معالجة لعوامل الألم والتعب وصولًا إلى الحلول الممكنة والتكيف مع الأوضاع الصعبة إن لم يتمكن من حلحلتها ومعالجتها كليًّا.

هل طابع التغير والتبدل يعد عامل قوة بعد استيعابه والتعامل معه أو ضعف للفرد يبعثر أوراقه وحساباته ويعيده للمربع الأول في كثير من الأحيان؟!

الحقيقة أن هذه السمة (سنة التبدل) عامل يحرك قوى الإنسان الفكرية والمهارية والقدراتية نحو تقبّل هذا الواقع في الميدان الحياتي وتقبل الدخول في مواجهة التحديات والصعوبات لتحقيق أهدافه وطموحاته، فدخول الفرد في معترك الحياة متسلحًا بالقدرة على البحث والاستنتاج والعمل مدفوعا بالإرادة والهمة هو ما يصنع روح التنمية والازدهار على المستوى الفردي والمجتمعي ، كما أن هذه السمة للحياة الدنيا (التغير) تكسبه أملا يتحرك من خلاله نحو تغيير واقعه الصعب وانتشال نفسه من أرض الضعف والأحزان، والاستعداد للنهوض مجددا والقدرة على تغيير الواقع وتسجيل نقاط قوة واقتدار والمضي نحو تخطي المراحل المتلاحقة، فأخطاء الماضي وتجارب الآخرين ومضات تنير الطريق لمن أراد تجنّب الوقوع فيها مستقبلًا، وهذا يعني فهم حقيقة التبدل والتعامل مع هذا العامل بمقتضى التكيف والتأقلم والاستعداد لمواجهة التغيرات في مشهدية الواقع، فلو نظرنا إلى مبدأ الادّخار – من خلال اقتطاع جزء من الراتب مثلًا – فهذا يعني فهما لهذه السنة من الناحية الاقتصادية لمواجهة الظروف والاحتياجات المادية في بعض الأوقات الصعبة، كما أن انتهاز الفرص الدراسية أو المهنية أو المهارية وغيرها يعد من ثمار فهم سنة التبدل في القدرة البدنية (من قوة الشباب إلى ضعف كبر السن أو الصحة)، فيشمر ساعديه بهمة عالية لتحقيق أهدافه قبل أن تفوته الفرصة ويعض أنامله ندمًا وتحسّرُا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى