البصيرة، تصحيح النظر الفكري

أمير الصالح
الخلاصة
الفضول نوعان: الفضول قد يكون نعمة وقد يكون نقمة على صاحبه. لنتذكر بأن الفضول القاتل وبراءة التفاعل بمواقع التواصل الاجتماعي في وقت الفراغ قد ينتهي بالشخص إلى الانحراف، وبالبعض إلى الانجراف وبالبعض إلى اكتساب الشذوذ والعياذ بالله والأشد قسوة منه أنه قد يؤدي بالبعض إلى الانتحار. في المقابل فإن الفضول المعرفي الفاعل يزيد لصاحبه من جذوة الجدية في التحصيل الثقافي عبر مواقع الإنترنت الموثوقة، وقد تجعل من الشخص إن أحسن توظيف فضوله مهنيًا محترفًا ومميزًا و موسوعيًّا ومحل احترام الجميع.
تمهيد
في الماضي،كانت مجتمعاتنا مكونة غالبًا من بدو رحل ومزارعين وصُناع. كان الهم الأكبر لدى كل تلكم المكونات البشرية حينذاك هو تأمين لقمة عيش كريمة وصيانة الانتماء وحفظ الهوية. مع تفجر مردود الثروات الطبيعية ماليًّا وتكون منظومة الدول بالشكل الحديث، بدأت التركيبة الاجتماعية تتمايز فيما بينها بين إقطاعي عقاري وإقطاعي صناعي وإقطاعي تجاري وموظفين وكسبيين، ومع توافر الخيرات وتناثر النِعم وإحراز أوقات أكبر للراحة والاستمتاع، زاد معدل الاستهلاك وكسر حاجز القناعة واستطال عنق الفضول لدى شرائح مختلفة من أبناء المجتمع حتى حد إدمان التقسيط في شراء أتفه الأشياء. لك أن تتخيل كوب قهوة الصباح بالتقسيط !! ؛ أنصح بمشاهدة حلقة فخ التقسيط كما هي بالرابط التالي https://youtu.be/Y1tuwJ_nmnQ?si=ZvOmDTo_scw6A6BF. وقراءه ملخص كتاب The Big short . وكانت قنوات الإعلام حينذاك هي التلفزيون والراديو كمدخل للتعرف على العالم وأضحى لاحقًا الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) ثم تطبيقات السوشل ميديا المختلفة هي البحر ولا تعلم أين سيسير بني البشر بعد ذلك لنسج سلوك البشر.
النقاش
لاشك أن هناك مجاميع علمية صناعية وشركات تجارية دولية ودول عالمية ممن يستخدمون الذكاء الصناعي والبحث التقني وعلوم سيكولوجية الإنسان ومحفزات إفراز هرمونات الجسم البشري بشكل مفرط للسيطرة على بني البشر، واستنزاف مواردهم والسيطرة على عقولهم وسلوكهم ومشاعرهم وقناعاتهم، ومن الحكمة بمكان التعرف على أدوات الزمان وآليات عملها لقطف ثمار المعرفة والعلم بما يجلب المصلحة ويدفع الضرر (العارف بزمانه لا تهجم عليه اللوابس).الإمام الصادق.
آلية عمل الخوازميات في تطبيقات التواصل ومنصات البحث في الإنترنت
عندما يتصفح أي شخص مواقع وتطبيقات السوشل ميديا في الإنترنت سواء فيس بوك أو أنيستجرام أو تيك توك أو تويتر وأخواتها فإن خوازميات البرمجة مُعده سلفًا لرصد كل تصفحات المتصفح والمواقع التي يزورها واهتماماته بهدف جذبه ومن ثم إغراقه بكم هائل من المقاطع والروابط لجعله مستهلكًا للنت وللبضائع والأيدلوجيات التي يروج لها آخرون؛ والتي مهمتها الرئيسة أن تستنزف وقت المتصفح في الإنترنت لاستحصال مكاسب مالية بالدرجة الأولى ومكاسب أخرى من ضمنها اختطاف الهوية وزرع أنماط سلوك معينة. و تعمل الخوازميات في الحواسيب أيضًا على رمي طُعمْ بين الحين والحين الآخر عبر صور خادشة للحياء أو مقاطع فيديو قصيرة لإثارة الغريزة الجنسية وزرع الفضول الجنسي البهيمي لدى الشخص المتصفح. وفي الوقت ذاته تقوم الخوازميات باستدراج المتصفح لأكبر قدر من إثارة المتعة البصرية والصوتية عبر مقاطع إباحية تدر المزيد من هرمون الدوبامين المغذي للشعور بالسعادة والمتعة. عناوين مثل: الحق قبل أن يحذفوا المقطع، أو لن تصدق ما ستراه، أو مقاطع مسربة ومثيرة للجدل ، …. إلخ . هذه التلميحات بعناوين جذابة ومختلفة في عالم السوشل ميديا وصفحات الإنترنت أدت وتؤدي دورها في استدراج ضحلي الفكر وقليلي التجارب والسذج والطيبين ولا سيما الشباب والفتيات للمزيد من الانغماس لإرواء الفضول وقد يصل بهم الأمر يومًا ما حد الإدمان. والعكس صحيح يحدث لمن يحسن توظيف فضوله المعرفي عند البحث في المعارف والعلوم البشرية والطبيعية والأخلاقية والعلمية والإدارية والثقافة المالية حد الاستمتاع بزيادة مساحة الوعي والرشاد.
آلية عمل الإدمان لدى الإنسان
أبحاث علمية وطبية كثيرة سلطت الضوء على آلية تنشيط وعمل هرمون المتعة/ السعادة في المخ ( الدوبامين Dopamine) عبر مفرزات ومستقبلات خلايا عصبية بالمخ. يعمد البعض في تخصيب أسباب استمرار إفراز الهرمون عبر تناول / مشاهدة / ممارسة المزيد من محفزات إفراز الدوبامين ما يخلق له المتعة أو المزيد منها، و ارتفاع تركيز الدوبامين يجعل الإنسان المستهلك لذلك الشيء يريد المزيد والمزيد منه سواء خيرًا كان أو شرًا. وعلميًا يقال بأن مخدر الميتافون لديه إمكانية حجز هرمون الدوبامين المفرز في الفراغ بين خلايا عصبية معينة لإطالة أمد الشعور بالمتعة والسعادة. وهذا الأمر يحفز صاحبه على تناول المزيد من المخدرات لإطالة فترة المتعة ونشوة اللذة كما هو يظن. والشيء ذاته يحدث لمن يصل حد الهوس في مشاهدات مطولة لمشاهد مخلة بالأدب والعفة والعياذ بالله. وهذا مشروح في اليوتيوب التالي:
ولعل حلقة من حلقات برنامج( القصة وما فيها) التي تناولت موضوع إدمان مشاهدة المقاطع كافية لمعرفة أمور من الحكمة تدارسها ومعالجتها بحكمة وعقل ورزانة
حلول
كل سلوك بشري سواء كان جيدًا أو سيئًا يبدأ بتربية النفس وتهذيبها وترويضها. بذل الجهد بأن يؤدي كل شخص حقوق أعضاء جسده كما جاء في رسالة الحقوق المروية بلسان الإمام علي بن الحسين (ع) واستحضار توجيهات الله ورسوله الكريم في صيانة النفس عن الهوى … ومن ذلك : ” اعلم رحمك الله ،….. وأما حق بصرك …فغضه عما لا يحل لك ..وترك ابتذاله إلا لموضع عبرة تستقبل بها بصرًا أو تستفيد بها علمًا، فإن البصر باب الاعتبار ” ، رسالة الحقوق للإمام علي بن الحسين المُلقب بزين العابدين (ع).
ختامًا
لم ولن يجد الإنسان أحدًا يحبه كأبويه وأجداده، ومن المروي أن أبوا هذه الأمة هما النبي محمد والإمام علي. ومن المهم أن يفهم ويعي الإنسان إرشادات النبي الكريم محمد (ص) وحكم الإمام علي (ع)، وأنصح بقراءة مجموعة منتخبة من الكتب منها ″ رسالة الحقوق للإمام زين العابدين ″ لتكون لديه خارطة طريق لنجاة من مهالك المغريات والشهوات والانحرافات والخرافات.