الحياة الهادفة من منظور الإمام السجاد (ع)(٥) : ثقافة العمل والأمل

السيد فاضل آل درويش
ورد عن الإمام السجاد (ع): (فإنّها دار زوال وانتقال، تنتقل بأهلها من حال إلى حال .. )(بلاغة الإمام السجاد للحائري ص ٢٩).
ليس هناك من وصف دقيق يقرّب صورة أعمار البشر كالقطار ينهي رحلة سيره في إحدى المحطات لينزل منه أناس ويصعد آخرون، وهكذا مع ولادة يوم جديد و إشراقة الشمس تبدأ رحلة البعض وتختم حياة آخر دون توقف أو استثناء، وهذا لا يعني حلول اليأس وتحوّل نهاية العمر إلى بعبع وهواجس خوف تشل قدراتنا عن أداء الدور الوظيفي المناط بنا، بل هي حقيقة تحفّزنا نحو استثمار تلك الأعمار المقدّرة لنا من رب العباد دون تضييع أي جزء منها – ولو كان بسيطًا. فالناجحون الذين حفروا أسماءهم في صفحات التاريخ كان اغتنام الأوقات والبعد عن بعثرتها أو تضييعها أو الاهتمام بسفاسف الأمور معلما مهما من شخصياتهم، وأمام الصعوبات والضغوط الحياتية لا تهدأ إراداتهم وهممهم عن مواجهة التحديات وتخطي العراقيل والمشاكل بتسليط أدوات التفكير المنطقي وتحليل الأمور واستنتاج الخلاصات والعمل بها على أرض الواقع.
هل شاهدنا يومًا قائد السفينة في البحار وهو يغالب موجات البحر الهائجة ويتعامل معها بدقة ويتحرّك يمينًا ويسارًا حتى يصل إلى بر الأمان؟!
كذلك هي تموجات الظروف والصعوبات التي نواجهها وعلينا التعامل معها بهدوء وحكمة، فضبط النفس والانفعال ليس مجرد أمنيات وأفكارًا خيالية أو مثالية بقدر ما هي ضرورات العمل مع الأزمات المتعددة في حياتنا، فالتعامل المتصلّب أو الانفعالي مع الجانب الدراسي أو المهني أو على مستوى علاقاتنا الأسرية والمهنية سيجلب لنا المتاعب والمشاكل التي نحن في غنى عنها، ونستطيع تجنبها بقليل من المرونة النفسية والقدرة على فهم الواقع والتكيف مع المتغيرات، فتحقيق إنجاز في إحدى المراحل لا يعني نهاية الأمر وختام تسلسل النجاح ولا يستدعي انتفاخ الذات والاغترار بالقدرات، فهو يعني نجاح العمل الذي قمنا به في تلك المرحلة وبسبب عوامل نجاح معينة علينا المحافظة عليها والاستعداد المستمر للانتقال إلى مراحل متقدّمة، كما أن الإخفاق في عمل أو دراسة معينة لا يعني الفشل ومغادرة منصة النجاح والبطولة، إذ أن البعض بسبب عدم فهمه للواقع أو حلول الظروف الصعبة في ساحته دون سابق إنذار، يصاب بالانهيار النفسي والسقوط على أرض اليأس والتشاؤم المستقبلي.
الحياة الهادفة التي نجدها في ثنايا الروايات الشريفة لا تشير إلى فكرة الانعزال والعزوف عن مظاهر الحياة وبهجتها، بل تعني تحمّل المسئولية والعيش بوعي وإدراك لكل ما يصدر منه أو يرغب فيه مع النظر في عواقب ونتائج الأمور لمن أراد تجنّب السقوط في حفر المسارات الخاطئة، فحالة الضبط والتوازن النفسي تعني مراعاة الحاجات الروحية والمادية وفق ضوابط الاعتدال.
والأمل يحذونا في كل خطانا بتحقيق الغايات والأهداف التي نعمل جاهدين على تحقيقها، وهذا لا يعني – بالطبع – استبعاد فكرة الإخفاق أو الخسارة في بعض المحطات والمشاريع ومجانبة الصواب في بعض الأفكار، والشخصية المرنة والمتفهّمة لطبيعة الحياة لا يفارقه الأمل بالوصول أوتغيير المسار وتعديل بعض الأفكار التي ثبت عدم جدواها، والفارق في الأمر بين شخص غارق في مشاعره المستفزة وبين آخر يحاول جاهدًا ضبط نفسه ووجدانه (الذكاء العاطفي) هو ما يحدد قدرة الفرد على تجاوز المشكلة دون تأثيرات جانبية عليه أو خسائر تلحق به.