مدارس، طموح، فُرص، ثقافة، حياة الحلقة الأولى

أمير الصالح
نفتخر بغالبية شباب مجتمعنا ووطننا لما حققوه من نجاحات في العالم التقني والأكاديمي والتجاري والعلمي والمهني. وفي الوقت ذاته نقيم موضوعيًّا الفجوة القائمة لدى البعض الآخر من شباب المجتمع، آملين أن يستنطق الآخرون سبل النجاح وتعمم نماذجه ويتفادى شباب المستقبل إخفاقات النماذج غير الناجحة. لا عجب إن كان بعض الشباب والفتيات في مطلع عمر العشرينات لا يعرفون كيف يتصرفون بحكمة وثقة وفطنة وكياسة ورزانة واستقلالية. إن أيًّا منهم وقع في معظلة ما تتطلب التفاعل الإيجابي والشجاعة مثل إدارة شؤون حادث سيارة كان يقودها أو التصرف الأنجع عند إضاعة الطريق في مدينة كان يزورها، أو التصرف الأفضل إذا سُرق جواله/محفظته /جوازه أثناء سفره، أو تعرض لابتزاز مالي من أي شخص في عالم الواقع/ عالم الرقمي، أو تم إلغاء عقد عمله دون مسوغ قانوني/ مهني/ أدبي معتد به، أو تم إلغاء ترشيحه في سباق وظيفي دون أي مبرر، … أو … إلخ . فتنطوي الأيام وتضيع على الجيل الصاعد الفرص ويختنق الطموح لديهم ويضمر الأمل ويزداد منسوب الشعور بالإحباط والقهر والغبن ويتوارون عن الأنظار ويكثر تعداد الانطوائيين. قبل إطلاق رشقات الاتهام سواء نحو الشباب أو والديهم أو المجتمع أو مخرجات التعليم أو البيئة، دعونا نتدارس الأمر برمته.
لقطات ماضية (Flashback )
دعنا نعمل flashback لحياة ذاك الشباب / الفتيات في بناءهم النفسي الهش بدأ من مرحلة الدراسة في الثانوية العامة وسنوات الجامعة الأولى، في مرحلة الدراسة بالثانوية العامة يوجه الطالب من قبل أهله وبيئته لتكريس كامل وقته للدراسة، وكان وما يزال غالبية الطلاب في المجتمعات المدنية منغمسًا في التحضير لاجتياز الاختبارات التالية:
توفل / آيلتس / ستيب
القدرات، التحصيلي، الاختبارات الشهرية، الدراسة العامة، بناء المجموع التراكمي للشهادة الثانوية
وبعد ذلك، إن وجد الطالب المجد عنده فائضًا من الوقت قد يمارس هواية معينة كالسباحة أو الجري، أو يشاهد برامج ترفيهية بسيطة، أو يخرج مع بعض زملائة بالمدرسة، أو يلعب بالألعاب الإلكترونية، أو يتحاور مع الchatgpt. ومعنى ذلك ان الأنشطة غير المنهجية شبه منعدمة في جدوله وتكوينه الفكري وصقله المعرفي؛ والمبادرات في قاموس بعض الطلاب غير متعارف عليها البتة؛ والحوارات الفكرية العامة الناهضة بالوعي شبه ممسوحة من فضائه.
حال بعض الطلاب
حاليًّا يستشعر بعض أولياء الأمور أن المدرسة أصبحت ذات وزن نوعي منخفض جدًّا في تحديد مسار مستقبل الأبناء عند التسجيل الجامعي أو الانتقال نحو الحياة الأكاديمية. فالطالب من بداية دخوله المرحلة الثانوية يكون الهاجس الأول له ولوالديه هو: كيف يحصل على أعلى نسبة في اختبار القدرات واختبار التحصيلي اللذين لهما نصيب الأسد في ترجيح النسبة الموزونة لدى لجان القبول بالجامعات المحلية؛ وكذلك اجتياز اختبار ستيب/ توفل/ آيلتس للغة الإنجليزية، الذي يعد اجتيازه شرطًا رئيسًا للدخول في بعض التخصصات عند الجامعات المحلية، أو الترشيح لبرامج بعض الشركات الدرلية والمحلية الكبرى. بينما قيمة النسبة الموزونة للمرحلة الدراسة الثانوية تتراوح من 10% إلى 30 % على حسب الجامعة المراد الالتحاق بها محليًّا. وهنا يثير بعض الآباء تساؤول: هل قيمة ثلاث سنوات دراسية مضنية بالمرحلة الثانوية مع الحضور والمواظبة لا تتعدى تلكم النسب المنخفضة في النسب الموزونة؟
وبالتالي يستشعر بعض الطلاب وبعض أولياء أمورهم بأن المدرسة للمرحلة الثانوية العامة فقدت أهميتها النوعية وبريقها لديهم. قد يقول أحدهم هذه قراءة منقوصة؛ ولكن القراءة الأولى في ذهن بعض الطلاب وموضوعيًّا هكذا يتم رصدها. وعليه نسمع ونقرأ عن تقلص نسب التركيز للمدرسة والدراسة المقررة عند بعض الطلاب! وما قد يزيد الطين بلة هو تزايد استخدام الطلاب لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في إعداد الحلول للواجبات المدرسية والتقارير العلمية طمعًا في توفير وقت أكبر لاختبارات التحصيلي والقدرات والتوفل!
صناعة طلاب علم أم جامعي نياشين
لا ريب أن بعض الطلبة والطالبات أضحى هوس استحصال درجات عالية في اختبارات القدرات والتحصيلي والآيلتس وإخواتهم هم الهم الأكبر لإحراز مقعد مبتعث أو لقب “الأول على الدفعة للمرحلة الفلانية”، أو التفاخر بشيئ من ذلك. وفي الواقع أن البعض لديه نهم في الحفظ ولكنه أجوف في فهم شؤون حياته وإدارتها، وتوظيف المحتوى العلمي الذي حفظه. وهو بكله ثقل على والديه ومجتمعه! حتى إن حصل على شهادة دكتوراه وعلق عدة أوسمة أكاديمية!!
فلا تستغرب أن تجد رجل/ امرأة في مقتبل عمره ويحمل لقب أكاديمي كبير وفي الوقت ذاته يسيطر على دماغه بيعًا وشراءً، وإدارة شاب آخر أقل درجة أكاديمية إلا ذاك الثاني الذي يجيد إدارة أمور البيع و الإقناع والتفاوض وإدارة شؤون الحياة وفنون اتخاد القرارات. وقيل قديمًا “العلم بالراس وليس بالكراس”. نشجع بأن يتقدم كل الأبناء والبنات لإحراز شهادات مهنية محلية ودولية وفي الوقت ذاته نشجعهم على ترجمة تلكم المعارف العلمية والمهنية المفعمة بالثقة والجرأة إلى الإقدام والتفوق والتمكن في ميادين العمل وحقول التطبيق.
مسؤولية الوالدين
وجود محتوى إدارة شؤون الحياة بشكل ضئيل جدًّا في أدمغة بعض الشباب سواء المجتهدين (الدوافير) أو المستهترين جعلهم ألعوبة وأضحوكة في أيدي البعض في العالم الواقعي وفي العالم الرقمي. وهنا المسؤولية التربوية أضحت مضاعفة على الوالدين الأوفياء والنخب الفكرية وأصحاب المنابر لملء الفراغ العملي في حياة الأبناء المنغمسين بهوس النياشين الأكاديمية أو بالعالم الافتراضي أو التفاهة أو بالشهوات أو الدراسة محدودة الأفق. فما بين سباق غالبية الطلاب والطالبات على حفظ محتوى بعض المناهج الدراسية والتفنن في اكتساب أعلى الدرجات وتخطي سباق المقاعد المحدودة في الاختصاصات المطلوبة بالجامعات المرموقة تتضاعف المسافة بينهم مع إجادة إدارة شؤون الحياة، فيصبح المجتمع أو بعض بؤرة مشيع بحمله الشهادات الأكاديمية، ولكنه مجوف من إدارة شؤون الحياة. فلا عجب أن نرى مستوى نجاح الحياة الاجتماعية والأسرية بين صفوف أبناء الجيل الماضي مع قلة حملة الشهادات الأكاديمية التي تفوقت على أبناء الأجيال التي أتت بعدها والمحرزة على نسب أعلى في الشهادات الأكاديمية.
كتب تصقل شخصية الشباب /الفتيات
هل قمت بإهداء أو إرشاد ابنك/ ابنتك نحو قراءة كتب تصقل بها فكره وتقوي بها نفسه وتعده من خلالها للحياة؟ الجواب يتضمن نعم أو لا أو نعم ولكن …!
نعم أهديته الكتب التالية:
أصول البحث .. لمؤلفة: الشيخ عبد الهادي الفضلي.
الدين والفلسفة ….مطهري
العدل الإلهي…مطهري
الإسلام ومتطلبات العصر .. لمؤلفة: مطهري
المرسل ..الرسول …الرسالة … لمؤلفه: الصدر
بحث حول الإمام المهدي …الصدر
فقه الأخلاق … الصدر الثاني
الكاشف … شيخ محمد جواد مغنية
النباهة والاستحمار … شريعتي
الأب الفقير الأب الغني لروبرت كيواسكي
العادات الذرية Atomic habits
قوة الآن
القوة الناعمة
التفكير السريع …التفكير البطيء
رواية ١٩٨٤م
ولكن لم نتناقش بالقدر الذي فهمه ومارسه في حياته لأطمئن على صقل فكره وقوة همته وحسن بصيرته وجميل تقواه ومخالفته لهواه.
ختامًا
نعم يسعى الآباء كلهم ويشجعون أولادهم وبناتهم على إحراز أفضل الشهادات واقتناص أفضل الوظائف وفي الوقت ذاته يساهمون في نجاحهم في الدار الآخرة وصقلهم لحب الله والدين والوطن والمجتمع والخير والوفاء لهم. الجرعة الثقافية والتوعوية والإرشادية والتحصينية والإيمانية والفكرية تبدأ وتنتهي من البيت والأسرة الكبيرة والحي وداخل المجتمع. دور المدارس ولا سيما العالمية والأهلية في غالب الأحيان مركز نحو استحصال أكبر قدر من الدرجات الدراسية؛ ولا يساهم في إعداد الشباب والفتيات من الطلبة والطالبات للحياة الواقعية بناء على المتغيرات والمستجدات المتسارعة والفضاء الرقمي المفتوح. فالبعض من الشباب هش وينكسر عند أول صدمة أو عقبة أو إشكال أو شبهة عقدية، والواقع يتطلب الحكمة والجلد والصبر والنفس الطويل والمثابرة واقتناص الفرص لتجذير روح الإيمان والطهارة والعفاف والنجاح.