د. ناصر العواد: الجامعات الناشئة فرصة ثمينة لبناء كوادر وطنية متميزة وخياراتها تتوافق مع متطلبات سوق العمل

زينب المطاوعة: الدمام
استضاف مجلس الزهراء الثقافي، ضمن فعاليات دورته الـ31، المحاضرة المجتمعية السابعة بعنوان: “الجامعات الحكومية الناشئة وسوق العمل”، قدّمها الدكتور ناصر العواد، الأكاديمي والمستشار التربوي، وذلك يوم الاثنين الماضي، وسط حضور حيوي من أولياء الأمور والطلاب والمهتمين بالشأن التعليمي، حيث تناول خلالها بواقعية وشفافية التحديات والفرص التي تقدمها الجامعات الناشئة في المملكة، ومدى مواءمتها لاحتياجات سوق العمل الحديث.
استهل العواد محاضرته بتعريف واضح للجامعات الحكومية الناشئة، مؤكدًا أنها مؤسسات تعليمية حديثة النشأة – لا يتجاوز عمرها 20 عامًا – إلا أنها تحمل إمكانات واعدة وتنتشر في مختلف مناطق المملكة مثل بيشة، الباحة، نجران، تبوك، شقراء، المجمعة، الحفر، القويعية، وغيرها. وقال: “عندما نقول ناشئة لا نعني ناقصة، بل نعني فرصًا متاحة، وعلينا إعادة صياغة نظرتنا تجاهها بعيدًا عن الأحكام المسبقة”.
وأشار إلى أن هذه الجامعات تتيح فرص قبول أكبر مقارنة بالجامعات العريقة، وتقدم حوافز للطلاب، كالمكافآت الشهرية، والأنشطة التحفيزية، والمشاركة في الأبحاث والمسابقات، مما يساعد على بناء شخصية أكاديمية مستقلة ومتميزة. وأضاف: “الطالب المجتهد يُصنع في أي مكان، وسوق العمل لا ينظر اليوم إلى اسم الجامعة بقدر ما ينظر إلى المهارة والكفاءة الشخصية”.
وفي استعراضه للواقع الاقتصادي والاجتماعي، شدد الدكتور العواد على أهمية المبادرات المجتمعية، ومنها “السكن التعاوني” كحل عملي لمشكلة السكن المكلف في المدن الكبرى، مقترحًا أن تتعاون الأسر لإنشاء مساكن جماعية للطلاب تحت إشراف مباشر منهم، مما يخفف العبء المادي عن الطلاب، ويمنحهم الاستقلالية. وقال: “الطالب اليوم بحاجة إلى بيئة داعمة تتيح له التركيز على دراسته دون القلق من تكاليف الحياة الجامعية”.
كما سلّط الضوء على فائدة “الغربة” بوصفها تجربة حياتية تُكسب الطالب مهارات الاعتماد على النفس، والتعامل مع تحديات جديدة، داعيًا الأسر إلى تعليم أبنائهم الصبر والتكيف، ومضيفًا: “الغربة شهادة موازية… إنها تُربي قبل أن تُعلِّم”.
وانتقل العواد إلى المحور الأهم: سوق العمل، مؤكدًا أن كثيرًا من التخصصات الأكاديمية التقليدية لم تعد مطلوبة، وأن التوجيه الصحيح للطلاب يجب أن يكون مبنيًا على معطيات دقيقة، لا على رغبات عاطفية أو تصورات قديمة. واستشهد ببيانات من هيئة التخصصات الصحية تشير إلى الحاجة المستمرة في سوق العمل لتخصصات الطب والتمريض لسنوات قادمة، مما يجعلها من الخيارات الآمنة والمطلوبة.
وأكّد أن بعض التخصصات الأكاديمية تفتقر إلى فرص عمل حقيقية، محذرًا من تضليل الأبناء بالرغبة دون ربطها بالواقع، داعيًا إلى دعم التوجه نحو المسارات الفنية والحِرَفية والتقنية، بما في ذلك السلامة المهنية، اللوجستيات، والوظائف المرتبطة بالبنية التحتية، وقال: “لا عيب في أن يتعلم ابنك النجارة أو اللحام أو السباكة… هذه تخصصات تدر دخلًا عاليًا وتسد احتياجًا وطنيًا كبيرًا”.
ودعا العواد إلى متابعة البرامج التي تضمن التوظيف المسبق، كابتعاث أرامكو وسابك، والأكاديمية السعودية اللوجستية، وغيرها من المبادرات التي تضمن للطالب مستقبلًا مهنيًا واضحًا. كما وجّه نقدًا لبعض الكليات الخاصة التي – حسب تعبيره – لا تحترم الطالب ولا توفر له جودة أكاديمية حقيقية، مشددًا على ضرورة تحري الدقة في اختيار المؤسسة التعليمية المناسبة.
كما دعا الدكتور ناصر العواد إلى تبني ثقافة التوجيه الواعي لأبنائنا وبناتنا، بعيدًا عن المجاملات الاجتماعية أو التوقعات التقليدية، قائلًا: “نحن لا نفتقر إلى الذكاء، بل إلى الإرشاد والدفع في الاتجاه الصحيح… أبناؤنا قادرون على التميز عالميًا إذا ما وُفّرت لهم البيئة المناسبة”.
المحاضرة تخللتها مداخلات من الحضور، تناولت أسئلة حول تخصصات المستقبل، وآليات التحويل بين الجامعات، وفرص التطوع، والعمل الجزئي خلال الدراسة، وقد أجاب عنها الدكتور العواد بكل رحابة صدر، مؤكدًا استعداده الدائم لمساعدة الطلاب قانونيًا وأكاديميًا، قائلاً في ختام حديثه: “أنا ناصر من لا ناصر له، وأبواب المساعدة مفتوحة لكل طالب وطالبة في هذا الوطن”.
وفي الختام قُدمت شهادة للمحاضر الدكتور ناصر ناصر عباس أحمد العواد من مسؤولي مجلس الزهراء الثقافي وذلك تقديرًا لمشاركته الفاعلة ضمن برامج المجلس، وتقديمه محاضرات مجتمعية هادفة ومتنوعة، أثرت الحضور ولامست قضايا المجتمع التعليمية والتربوية، داعين الله عز وجل أن يوفقه ويسدد خطاه، وأن يبارك له هذا النهج النبيل والسلوك الاجتماعي الواعي.