سُقيا

السيد فاضل آل درويش
هناك معادلة مهمة في منظومة تربية أبنائنا يقوم الآباء والأمهات بها، من خلال بذر تلك القيم والعادات والأفكار التي يستقيها الابن من توجيهات والديه وكذلك الطريقة العملية للتصرفات في وسط بيئته الأسرية، من ثَمّ يكون الحصاد المتباين فيما ينتج ويطرح من ثمار تسر النفس وتقر العين أو تسوء الوجه وتخيّب الآمال الموهومة، فالأمل والتطلّع للوصول إلى ذلك اليوم الذي تكتحل العين فيه بابن بارّ وطيب وخلوق ومجدّ في حياته لا يأتي من فراغ ولا يتكوّن من فقاعات الأماني الكاذبة، بل هو نتاج عمل مثابر ومتابعة مستمرة يبذل فيه الوالدان الجهود والأوقات لتقويم سلوك وفكر أبنائهم، فالصلاح والأخلاق الطيبة والجدية في الدراسة والعمل وما يقابلهما من صفات سيئة هي نتيجة محتمة – بشكل كبير – لعامل مهم وهو تربية الآباء السليمة أو الخاطئة، فالبيئة الأسرية والمدرسية والاجتماعية تشكّل البنية الرئيسة لشخصية الأبناء، ولعل الآباء والأمهات يقدّمون لأبنائهم الطريق الهدّام عن قصد أو دونه فينتج عن تصرفاتهم وتوجيهاتهم تشوّهًا أخلاقيًّا واجتماعيًّا عند أبنائهم، وعماد القيم الفاسدة هي روح الأنانية والتبلّد الوجداني والعطائي تجاه حاجات الآخرين من حوله وكأنهم غير موجودين في قائمة اهتماماته أصلًا، كما أن فكرة الحصول على المبتغيات بأي طريقة كانت ولو تمّت بأسلوب الخداع والمراوغة والتلون الاجتماعي (النفاق) والانتهازية والنفعية الضيقة، وأسلوب العدوانية والتوحّش في التعامل مع الآخرين عند الاختلاف معهم دون اللجوء إلى التسامح والتغافل هو كذلك أسلوب تربوي خاطيء قد يتلقاه الأبناء من أسرهم، وأسلوب احترام شخصية الآخر في وجوده وأفكاره قيمة تربوية تنميها الأسرة في أفرادها، وفي المقابل قد يتسرّب إلى نفسه الهتك المعنوي لشخصية الآخر بالغيبة والظنون السيئة لتكون طريقة في التعامل مع الآخرين وتلقي بظلالها على علاقاته المضطربة حينئذ، فهل يتوقّع بعض الآباء والأمهات من أبنائهم أن يبروهم ويتعاملوا معهم بالطريقة المُثلى، وقد تلقّوا منهم التربية الفاسدة والأخلاق السيئة التي شكّلت شخصياتهم؟!
تربية الأبناء مهمة تستحق كل الجهد والوقت المبذول من أجل تحقيقها، وهي عملية متابعة مستمرة تتضمن ملاحظة أفكار الأبناء وطريقة تفكيرهم في تحقيق طموحاتهم ورغباتهم، وكذلك سلوكياتهم وطريقة تصرفهم مع الآخرين بما يتضمّن المفردات الأخلاقية بغية الوصول إلى تكامل نفسي ومعرفي واجتماعي يقر العين، وأما التربية الفاسدة فهي نافذة الأبناء للنظر إلى هذه الحياة في أهدافهم وأفكارهم وعلاقاتهم المختزلة للخبث والجحود والخداع، ففي نظر الابن بعد تلقي مثل هذه التربية والتمرّس عليها والتعامل بها تنقلب عنده سلة المفاهيم والقيم، فيغدو مفهوم الصدق – مثلًا – ضعفًا في التفكير (غباء) لا يمكنه التعامل به في طريقه لتحصيل مصالحه وتثبيت موقعيته الاجتماعية، كما أن مواساة الآخرين ومد يد العون لهم يراه مضيعة للوقت والجهد ولا يعود عليه بمنفعة كما يرى.