أقلام

جيناتنا ليست العامل الحاسم الوحيد في تحديد مدى نجاحنا أو إخفاقنا، وفقًًا لـ بروفيسور كاثرين بيج هاردن

المترجم : عدنان أحمد الحاجي

تنصل من المترجم:

“دراسات، مثل هذه، التي تناولت جدلًا حول حتمية أو عدم حتمية الجينات في اضفاء سمات حياتية معينة على المحلوق البشري نقلناها كما هي من منظور مؤلفتها، قد لا نتفق مع محتواها جزئيًا أو كليًا. نقل هذه المعارف إلى القاريء العربي إنما هو بهدف إثراء المحتوى العلمي واستفزاز التفكير وعرض وجهات نظر متنوعة قد تكون مصدر إلهام لتوليد أفكار أخرى قد تعزز أو تدحض المحتوى الأصلي لهذا النوع من الدراسات.”

قد تؤثر بنيويات حمضنا النووي الصغيرة المكونة لأجسامنا في مخرجات حياتنا أكثر مما كنا ندرك. مع أن الجينات قد لا تحتم قدرنا في الحياة، إلا أنها قد تؤثر في مخرجات حياتنا [من الصحة والهناء النفسي والوظيفة والعلاقات الاجتماعية وجودة الحياة بشكل عام]، وفقًا لهذه الباحثة.

يعتقد الكثير منا أن العمل الجاد (أو الدراسة والمذاكرة الجادة) سيُحقق النجاح. ولكن ماذا لو كان هناك أمرٌ خارج عن سيطرتنا قد يؤثر في مدى نجاحنا؟

تفيد نتائج الدراسات الحديثة بأن جيناتنا يمكن أن تؤثر في مدى تقدمنا في مراحل الدراسة ومقدار دخلنا المالي كراشدين.

تقول كاثرين بيج هاردن Kathryn Paige Harden، أستاذ علم النفس وعلم الوراثة السلوكية (1) من جامعة تكساس، إن الإقرار بـ “اليانصيب الجيني)” يمكن أن يُسهم في بناء مجتمع تسوده المساواة. [الياتصيب الجيني هو المفهوم القائل بأن أي سمات أو قدرات وراثية، مواتية أو غير مواتية، يرثها الشخص من والديه محددة أو محتومة إلى حد كبير عن طريق الصدفة، حسب التعريف (2)].

ومع ذلك، أثار كتابها المعنون بـ، “اليانصيب الجيني: لماذا الحمض النووي مهم للمساواة الاجتماعية”، جدلًا واسعًا، حتى أن البعض وصفه بالمفهوم “الخطير (3)”.

تتفهم البروفيسور هاردن الانتقادات الموجهة إليها. وتقول إن تاريخ علم الجينات و”تحسين النسل الرديء (4)” التي تبناها الكثير من رواد هذا المجال تجعله مجالًا صعبًا للخوض فيه وتضيف: “لم يسبق زمن، منذ عهد داروين فصاعدًا، لم يكن فيه نقاش، يتناول الوراثيات (5) أو التطور (التغير في السمات الوراثية) (6) أو قابلية التوريث (انتقال السمات الجسمية أو النمط الظاهري phenotype إلى النسل (7)) عند البشر، أمرًا يثير القلق والجدل.”

ومع ذلك، ترى برفسور هاردن أنه آن الأوان “لإحياء” هذا الحقل وتبني فكرة أن جيناتنا، وإن لم تُحتم مصيرنا بالكامل، إلا أن لها دورًا في ذلك.

لم يكن الناس متأكدين من نجاح هذه الدراسة

حتى انطلاق مشروع البحث العلمي الدولي، مشروع الجينوم البشري (HGP)، عام 1990، لم يكن هناك معرفة تُذكر بشكل البشر على المستوى الجزيئي. هذا يعني أن دراسة أوجه التشابه والاختلاف الجينية بيننا كانت شبه مستحيلة.

بحلول عام 2003، عندما اختتم مشروع الجينوم البشري أعماله، نجح الباحثون في رسم خريطة لأكثر من 90٪ من الجينوم البشري. وفي مارس 2023، أُكمل مشروع الجينوم البشري، وذلك بالانتهاء من وضع التسلسل الكامل للحمض النووي DNA البشري (8).

تقول البروفيسور هاردن: “يحتوي كل إنسان في كل خليه من خلاياه على 23 زوجًا (المجموع 46) من الكروموسومات، إلا إذا كان الشخص مصابًا بحالة مثل [متلازمة داون]، حيث يورث كروموسومًا إضافيًا.”

تتكون جميع هذه الكروموسومات، أي الحمض النووي، من أحرف الحمض النووي الأربعة: G ، C،T ، وA .

تقول بروفيسور هاردن: “البشر يتشابهون وراثيًا بنسبة تزيد على 99%”، مضيفةً أن “معظم ما يفعله الحمض النووي البشري هو تشكيل الجسم البشري.”

يهتم باحثون مثل بروفيسور هاردن بالنسبة المتبقية – والتي هي أقل من واحد بالمائة – والتي هي عمدة الاختلاف بين الناس.

وتقول إن معظم الدراسات تركز على الاختلافات في أحرف الحمض النووي المفردة بين الناس، والمعروفة باسم تعدد أشكال النوكليوتيدات المفردة (SNPs) (9)، وهي نوع التباين الجيني بين البشر الأكثر شيوعًا.

تقول: “قد يكون لديّ حرف T في موضع معين على DNA خلاياي، وقد يكون حرف C في موضع آخر على DNA خلاياك.”

“[قد يكون هناك] ملايين من [هذه المتغيرات الجينية (10)] متفرقة في جميع أنحاء الجينوم البشري.”

قبل حوالي عقدين، بدأ الباحثون بدراسة أي متغير من متغيرات النوكليوتيدات المفردة (SNPs) مقترن بسمات معينة. تقول البروفيسور هاردن: “[على سبيل المثال] إذا كانت السمة التي نهتم بها هي طول القامة، فقد نحدد أي متغير من المتغيرات الجينية (SNPs) أكثر شيوعًا لدى طوال القامة مقارنةً بقصار القامة.”

لقد توسعت المعرفة بالجينوم البشري بعد ما يقرب من عقدين من الدراسة

في البداية، ركزت هذه الدراسات على مشكلات، مثل ارتفاع مستوى الكوليسترول، والتنكس البقعي [فقدان البصر عند كبار السن] (11)، وداء السكري من النوع الثاني.

ساعدت هذه الدراسة في تحديد المتغيرات الجينية المرتبطة بزيادة قابلية الإصابة بهذه الحالات في مرحلة الشيخوخة

ولكن منذ ذلك الحين، تغير تركيز مجال هذه الدراسات.

يتناول الباحثون الآن دراسة مخرجات تركز بشكل أكثر على الجانب الاجتماعي، مثل مدى تقدم الشخص في الدراسة وقطعه مراحل تعليمية، ومقدار دخله، وما إذا لم يكن مدمن مخدرات أفيونية.

تقول البروفيسور هاردن: “الكثير من الناس كان شاكًا في نجاح هذه الدراسة.” بيد أن الدراسة أثبتت أنماطًا من التلازم بين تأثير التغير في التركيب الجيني لسمة ظاهرية في التركيب الجيني لسمة أخرى (12، 13) لها علاقة بهذه المخرجات السلوكية النفسية.

الجينات والشخصية

حين يتعلق الأمر بمستوى الأداء المدرسي للأطفال والمراهقين، تقول بروفيسور هاردن: “إننا نعلم بالفعل أنه ليس على حد سواء.”

وتضيف: “لدينا الكثير من الدراسات التي تناولت هذا الموضوع في علم النفس التربوي (14) وعلم النفس التنموي (15).”

ونعلم أن الفقر والحرمان خارج المدرسة (معاناة العائلة من الفقر) يؤثران سلبًا في مخرجات الطلاب التعليمية (16).

لكن بروفيسور هاردن تُجادل بأن القدرة الإدراكية (17) جانب آخر من المعادلة.

وتقول: “لو كانت لدى الشخص ذاكرة عاملة (18) أفضل، أو تفكير مكاني بصري [القدرة على إدراك وفهم العلاقات المكانية بين الأشياء، وتصورها في الفراغ، واستخدام هذه التصورات في حل المشكلات واتخاذ القرارات (19)] أفضل، أو مفردات قوية [القدرة على اختيار مفردات أكثر وضوحًا للمعنى المراد تبليغه]، فإن ذلك من شأنه أن يجعل عملية التعلم المدرسي أسهل عليه.”

عوامل غير إدراكية لها دورها أيضًا في عملية التعلم. ومن بين هذه العوامل عامل السمات الشخصية (20، 21)، وهو عامل تُوليه بروفيسور هاردن اهتمامًا كبيرًا. وتقول: “هناك سمات شخصية قد تجعل التعلم المدرسي أسهل أو قد تجعله أصعب.”

تقول البروفيسور هاردن إن دراسة أجريت عام 2022 وجدت آلاف المتغيرات الجينية التي كانت شائعة تقريبًا بين الذين شقوا طريقهم في مراحل التعليم.

أشياء مثل سمة اندفاعية الشخص (22) ومدى التنظيم عنده [صفة شخصية يتميز الشخص فيها بطبيعته بالترتيب والدقة ومراعاة المواعيد والاهتمام بالتفاصيل. وسلوكياته في الحياة والعمل منظمة ومُخطط لها وفعّالة (23)]، ومدى مثابرته [المثابرة صفة شخصية، حيث يتميز الفرد بالصمود ووجود الدافع (24) الذي يدفعه إلى التركيز على انجاز المهمة وتحقيق الهدف مهما كانت التحديات والصعوبات (25)]. وتضيف أن هذه السمات لجيناتنا دور فيها، ولو جزئيًا على الأقل.

العلاقة بين الجينات والنجاح في التعليم والاقتصاد علافة معقدة. تقول بروفيسور هاردن إن الناس غالبًا ما يحاولون تبسيطها بمقارنتها بلعبة البوكر [حيث يراهن كل لاعب استنادًا إلى تقديره لقوة يده مقارنة بالآخرين (26)].

وتضيف: “هناك جينات أو أوراق لعبة بوكر تُوزّع عليك، ولكن لا يزال هناك عامل أخر وهو طريقة لعبك بأوراق البوكر تلك.” لكن تأثير الجينات على سمات، مثل سمات الشخصية يعني أن هذه الاستعارة (لعبة البوكر) قد لا تصمد.

وتقول: “جيناتنا تؤثر أيضًا في كيفية لعبنا بالأوراق التي تُوزّع علينا. إنها تؤثر في مدى دافعنا (24)، ومدى تخطيطنا، ومدى تحكمنا في اندفاعاتنا وانفعالاتنا [في مقاومة الاندفاعية والإغراءات].”

وتضيف: “هذا يجعل من المستحيل تقريبًا تمييز هذا الخط الفاصل بين الجهد والقدرة على التصرف وبين عامل اليانصيب الوراثي.”

تنوع الجينات

تشير بروفيسور هاردن إلى وجود نقص مُثير للجدل في الدراسات التي تناولت تنوع الجينات.

وتقول: “حاليًا، تأتي الغالبية العظمى من المعلومات المُتوفرة لدينا حول الجينوم البشري من شريحة محدودة من سكان العالم، وهم ذوو الأصول الأوروبية الشمالية.”

وتضيف: “الدراسة الأكثر شيوعًا هي تلك التي تُجرى على الذين اجياتبرون أنفسهم بريطانيين بيض.” وتُجادل بأن هذا ليس “مُجحفًا” فحسب، بل إنه “ضار بالعلم.” وتقول بروفيسور هاردن: “نحن نُهمل مجموعة هائلة من التنوع الجيني”. وتعتقد أن توسيع تنوع الجينات يُمثل فرصة عظيمة للدراسات في المُستقبل في هذا المجال. ولكن في هذا الأثناء، لا نملك سوى دراسات لا تنطبق بالضرورة على جميع سكان المعمورة.

الناس متعطشون لأدوات وحلول جديدة.

نظرًا للمتغيرات الجينية (أي بمعنى أن الجينات ليست ثابتة]، تقول بروفيسور هاردن الكثير يتساءل عن أهمية الدراسات الحديثة.

وتُرجع ذلك إلى وجود مجال للتدخل البيئي وإحداث فرق. [تتضمن التدخلات البيئية تغييرات في البيئة الاقتصادية أو الاجتماعية أو بيئة المحيط (27)]. “كون الشيء متعلقًا بالوراثيات لا يعني أنه لا يمكننا التدخل بيئيًا.”

ومن الأمثلة التي سلّطت الضوء عليها كانت طريقة توظيف العلاج الأسري (28) للمساعدة في علاج مشكلات معاقرة المراهقين للمشروبات الكحولية.

وتقول: “[من الناحية الجينية]، ليس كل المراهقين مُعرّضين على حد سواء للإصابة بمشكلة معاقرة الكحول. بعض هذه العوامل الوراثية تتعلق بمدى استقلاب الجسم للكحول، لكن بعضها الآخر يتعلق بسمات شخصية.”

“هل يميل الشخص إلى أصدقاء صاخبين مزعجين؟ هل يرغب في الذهاب إلى الحفلات التي تُقدّم فيها مخدرات؟

وتقول بروفيسور هاردن إن التجارب المُمنضبطة المعشاة (29) أثبتت أن العلاج الأسري، الذي يهدف إلى تحسين العلاقات والتواصل بين الوالدين والمراهقين، علاج فعال ويساعد المراهقين “المعرضين بشكل أكثر لاحتمال الانخراط من الناحية الجينية في هذه السلوكيات.” [مما يعني ان العامل الجيني ليس حتميًا في وجود التدخل البيئي]. ذلك لأن أحد المسارات بين العامل الجيني واحتمال إدمانهم يمر عبر بيئتهم الاجتماعية (30).

سؤالٌ حول إمكانية إحداث تغيير قد طُرح في كتاب بروفيسور هاردن.

كيف يمكن إعادة تصور استخدام المساحات العامة، وظروف العمل، وإمكانية الحصول على الرعاية الطبية، والقواعد القانونية والأعراف الاجتماعية، بحيث لا تُبلور عشوائية الطبيعة (غير المنضبطة بقواعد) في نظام طبقي (كالنظام الطبقي في الهند] جامد غير متغير؟

تقول بروفسور هاردن إنه بالرغم من وجود بعض “المعارضة” وعدم القبول من جانب بعض الأكاديميين، إلا أن هناك أيضًا اهتمامًا معقولًا من قبل مشرعين ومؤسسات حكومية.

“لقد تواصلوا بي وأعربوا عن رغبتهم في معرفة المزيد عن هذه الدراسة. ‘”أعتقد أن الكثير من الناس متعطشون لأدوات وحلول جديدة.”

مصادر من داخل وخارج النص

1- https://ar.wikipedia.org/wiki/علم_الوراثة_السلوكي

2- “هناك 70 تريليون تركيبة جينية محتملة يمكن أن يرثها أيٌّ طفل من أبيه وأمه. يؤدي اليانصيب الجيني إلى اختلافات عديدة بين الناس – في التعليم والذكاء والشخصية.” ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان:

The Genetic Lottery | Featuring Dr. Kathryn Paige Harden

3- https://quillette.com/2021/09/30/the-culture-war-is-coming-for-your-genes/

4- https://ar.wikipedia.org/wiki/تحسين_النسل

5- https://ar.wikipedia.org/wiki/علم_الوراثة

6- https://ar.wikipedia.org/wiki/التطور

7- https://ar.wikipedia.org/wiki/توريث_(أحياء)

8- https://sites.google.com/ucsc.edu/t2tworkinggroup

9- https://ar.wikipedia.org/wiki/تعدد_أشكال_النوكليوتيدات_المفردة

10- “المتغير الجيني هو تغيير دائم في تسلسل الحمض النووي (DNA) المكوِّن للجين. كان يُعرف هذا النوع من التغيير الجيني سابقًا باسم طفرة جينية ، ولكن نظرًا لأن تغيرات الحمض النووي لا تُسبب مرضًا دائمًا، يُعتقد أن المتغير الجيني هو المصطلح الأدق. يمكن أن تؤثر المتغيرات الجينية على وحدة بناء واحدة أو أكثر من وحدات الحمض النووي (النيوكليوتيدات) في الجين.” ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان:

https://medlineplus.gov/genetics/understanding/mutationsanddisorders/genemutation/

11- https://ar.wikipedia.org/wiki/تنكس_بقعي

12- https://www.nature.com/articles/s41588-022-01016-z

13- https://en.wikipedia.org/wiki/Genetic_correlation

14- https://ar.wikipedia.org/wiki/علم_النفس_التربوي

15- https://ar.wikipedia.org/wiki/علم_النفس_التنموي

16- https://www.abc.net.au/news/2018-04-20/inequality-in-australian-schools-ses-resources-poverty-ceda/9679028

17- https://ar.wikipedia.org/wiki/مهارات_إدراكية

18- https://popsciarabia.com/المفاهيم-العلمية/الذاكرة-العاملة/

19- https://natureexplore.org/wp-content/uploads/2016/08/Visual-Spatial_Defined.pdf

20- https://ar.wikipedia.org/wiki/شخصية

21- https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/S1041608024001298

22- https://ar.wikipedia.org/wiki/اندفاعية

23- https://www.indeed.com/career-advice/career-development/organized-personality

24- https://ar.wikipedia.org/wiki/دافع

25- https://en.wikipedia.org/wiki/Persistence_(psychology)

26- https://ar.wikipedia.org/wiki/بوكر

27- https://snaped.fns.usda.gov/resources/policy-systems-environmental-change

28- https://ar.wikipedia.org/wiki/علاج_أسري

29- https://ar.wikipedia.org/wiki/تجربة_منضبطة_معشاة

30- https://ar.wikipedia.org/wiki/بيئة_اجتماعية

المصدر الرئيس

https://www.abc.net.au/news/2022-07-19/do-genes-play-role-in-how-successful-we-are-kathryn-paige-harden/101200088

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى