صديقك الأول (٢)

السيد فاضل آل درويش
ورد عن الإمام الرضا (ع): (صديقُ كلّ امرئٍ عقلُه ، وعدوّهُ جهلُه)(بحار الأنوار ج ١ ص ٨٧).
الحيد عن طريق الحيرة والخيارات غير المدروسة وحياة الضياع ناشيء من التزام الأحكام العقلية المتأنية، فالجهل بمختلف صوره فيروس مدمّر لا يجني منه الفرد إلا الخسائر المختلفة وهذا ما ينعكس بصورة سلبية على مجمل مسيرة المجتمع، فالوعي والرشد كما أنه نتاج مرجعية العقل وضبط إدارة خطانا وفق الخطوط التي يرسمها، فكذلك الضبط السلوكي والاستقامة في التصرفات مدعاة التزام العقل الداعي إلى التكامل والنزاهة النفسية بتطهيرها من الرذائل الأخلاقية، فشتان ما بين الشخصية الجذابة المتخذ صاحبها مكانة اجتماعية بارزة لاتصافه بجمالية الصدق والتواضع والإرادة الصلبة، وبين الشخصية السائرة خلف الجهل والغفلة المتصف صاحبها بالأنانية والظلم والغرور.
العقل الواعي أقرب ما يكون لصاحبه نصحا وانسجامًا وتفاهمًا وقدرة لاستثمار تلك النتائج الفكرية المستخلصة من المعطيات على أرض الواقع، فينطلق الفرد من مبدأ احترام الذات قبل احترام الآخرين والعمل وفق معادلة المحافظة على الحقوق الفردية والمجتمعية، وعند تحمّل المسؤولية تصبح العدالة خطا متوازيا مع العلاقات والتعامل بين الأفراد، فالصورة الواضحة هي أن الظلم والغش والخداع طرق تعامل تضرب العلاقات بالخراب والفساد، إذ يتحوّل الفرد حينئذ إلى ضحية لجهله واستجابته العمياء لانتفاخ الذات والحفاظ على مصالحه وإن أضرّت بحقوق الآخرين، وأي جهل أكبر من التعامل بروح الأنانية والإعراض صفحًا عن حقوق الآخرين والتجاوز عليهم، بل والأدهى من ذلك أن يقوده جهله نحو إلغاء فكرة ارتكاب الخطأ والعمل على تبرير أخطائه وصور تقصيره.
الفطرة الإنسانية تربط بين الفرد وحب الأفعال الحميدة والأخلاق الجميلة والنفرة والبعد عن تلك الأفعال المعيبة، ولذا يعبّر الإمام (ع) عن طبيعة العلاقة بين المرء والجهل بالعداوة وذلك أنه يغيّب عنه المسار الجمال والكمالي الذي يكسبه الكرامة والسمو والتألّق، وهذا لا ينعكس على المستوى الفردي وحب الذات الإيجابي والتصالح معها بل يلقي بظلاله على العلاقات الاجتماعية وانطلاق روح التعاون والتماسك والتسامح بعيدا عن المناكفات والإحن ( المشاعر السلبية )، فالمشاركة الوجداني والشعور بآلام وهموم المحتاجين هي نتيجة مهمة من نتائج الصداقة مع العقل الواعي والتوافق مع الفطرة الإنسانية النبيلة، نتاجها التفاهم والحوار وإعلاء قيمة الكلمة والفكرة والخطوة بدلًا عن الاتجاه نحو العنف اللفظي والخوض في المشاحنات والانتصارات الوهمية، ومن نتاجها الاتجاه نحو الحوار على مستوى العلاقات الزوجية والأسرية والاجتماعية عند بروز مشكلة أو خلاف بدلا عن التعنّت والعناد وتبادل اللكمات اللفظية، فعندما تتكامل العقول الجمعية تظهر منها الأفكار المجوّدة وتتجه النفوس حينئذ نحو العمل المثابر بخطة مدروسة، وفي المقابل فإن السلم الاجتماعي يهدّد الجهل بمختلف صوره بانفراطه وتضعضعه وتلاشيه، فعندما يسود التعصّب والتجاوز على حقوق الآخرين وشخصياتهم تنتشر الفوضى وعمى البصيرة والتفاعل بعاطفة عمياء لا تبقي ولا تذر مع مختلف المشكلات.