بقلم الرصاص

السيد فاضل آل درويش
كواشف شخصية الآخر ودواخله من أفكار وأفعال مضمرة تمثّل رغبة ملحة عند الواحد منا، وذلك ليتمكّن من التعامل وفق صورة واضحة بعيدًا عن الأقنعة والاشتباه والخداع، ولكنه بعيد المنال إن سرنا خلف المدعيات من الكلمات الصادرة من الشخص ذاته، والتي يعبّر فيها عن مكنوناته وإمكاناته، وما يوقعنا في فخ شخصيات تتميز بالانتهازية أو المخادعة أو ضحية الأحلام الوردية والسقوف العالية أو ضعف الإرادة هو الاكتفاء بالمدعيات الكلامية، فكلها حالات مشاهدة بالوجدان يمكن مصادفتها والتفاعل مع الصورة المرسومة للآمال المشتركة وتكون نهايتها التبخّر والتلاشي، وهذا ما يدعونا إلى البحث عن معيار حقيقي نبني عليه خطانا الاجتماعية ونقيم عليه أسس علاقات وازنة وراسخة.
المواقف العملية هي المعيار والمؤشر على تجلي صفات الفرد النفسية والأخلاقية ونضج عقله، فتلك المحطات الصعبة تظهر من يحتمي خلف الكلمات المعسولة والرنانة لينسحب في الخفاء ويطوي سجل علاقات بقلم الرصاص كما يقال، بينما هناك من ترى منه صدق المواساة والمشاركة الوجدانية والعمل الجاد على تخفيف التوتر النفسي والتشوش الفكري الذي نعاني منه إثر الأزمات؛ ليكون العامل الزمني شاهدًا ومؤشرًا على العشرة الطيبة والموقف الصادق ويؤسس لعلاقات ناجحة وقوية أمام هجمات الزمن الصعب.
الثبات في المواقف العملية يتطلّب شخصية صادقة في مودتها وتبذل جهدها للمساعدة، وذلك أن الظهور المفاجيء للأزمات لا يمنح أحدًا فرصة لبلورة موقفه وتظهيره وإعطائه صبغة جميلة من خلال كلمات الود والعطف، وإنما تحفّز المحن والصعاب ما بداخل الإنسان من قيم وطريقة تفكير دون أية إضافات أو خفاء لجزئيات من تلك المواقف، فمن كان يحمل في دواخله الصدق والأمانة والمساندة سيبرزها بشكل عملي في ساعة الاختبار الحقيقي، بينما أصحاب الأقنعة الزائفة يتساقطون على عتبات الأزمات وتظهر حقائقهم ومعادنهم ويرحلون مع أول منعطف ينفذون منه، وستتجلّى منهم الحقيقة المخفية من أنانية وخيانة وتخلّ عن المسؤولية الاجتماعية ومؤازرة وقت الشدائد.
الظروف الصعبة ومواجهة ضغوط حياتية لا يخلو منها أحد مهما كان وضعه الاجتماعي أو المالي بكل أحواله، وبالتالي لا يمكن لأي فرد التذرّع في أوقات مرور صاحبه بشدة بأنه يمر بظروف مشابهة تمنعه حتى من مجرّد المشاركة الوجدانية، فالانشغال بأمور المعيشة والعمل على تحقيق الأهداف لا يعيق أبدًا عن الإحساس بهموم الأصدقاء والوقوف معهم في محنهم بقدر الإمكانات المتاحة.
المواقف الصعبة تعد كاشفًا لحقيقة النوايا وصدقها بعد أن يواجه الجميع الحدث بما يمتلكه من صفات، فيتساقط البعض ويتحوّل كالرماد بعد أن صهرته حرارة المواجهة وهناك آخرون كالذهب يزدادون ألقًا بعد أن أثبتوا أنهم جديرون بالصحبة، فشتان ما بين من تتملّكه الأنانية وبين من يضحّي بشيء من وقته وجهده في سبيل مساعدة أصدقائه، وبالتأكيد فإن الأوقات الصعبة والأزمات يتلوها تقييمًا شاملًا لمجمل علاقاتنا فهناك من يغادر أو تفتر العلاقة معه أو تزداد متانة بعد وقفاته الصادقة.