النظام يبدأ من التفاصيل الصغيرة: دروس من تجربة زيمباردو وتعاليم الإسلام

زكي الجوهر
في عام 1969، أجرى عالم النفس الأمريكي فيليب زيمباردو تجربة مشهورة ترك فيها سيارتين متطابقتين في بيئتين مختلفتين، ليدرس أثر الظروف المحيطة على السلوك الإنساني. النتيجة كانت صادمة: السيارة التي تُركت في حي يعاني من مظاهر الفوضى والجرائم تم تخريبها بسرعة، بينما بقيت السيارة الأخرى في حي منظم آمنة لأيام… حتى قام الباحث نفسه بكسر جزء منها، فبدأ التخريب الجماعي مباشرة.
هذا المشهد يلخص حقيقة مهمة: الفوضى تجلب الفوضى، والنظام يجلب النظام.
الإسلام .. ريادة في حفظ النظام العام
منذ أكثر من 1400 عام، وضع الإسلام قواعد واضحة لحماية الممتلكات العامة والخاصة، وربط ذلك بالإيمان، فقال ﷺ: «لا ضرر ولا ضرار» (حديث حسن). ونهى القرآن عن الفساد في الأرض، فقال تعالى: “وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا” (الأعراف: 56).
فحماية الممتلكات، وصيانة المرافق، واحترام القوانين، ليست فقط التزامًا مدنيًا، بل عبادة يتقرب بها المسلم إلى الله.
وقد أدركت الشريعة أن إهمال المخالفات الصغيرة قد يفتح الباب لانتهاكات أكبر، فجاءت الأحكام الشرعية بالوقاية قبل العلاج، وبالحزم أمام البوادر الأولى للفوضى.
المملكة العربية السعودية .. تطبيق عملي للنظام من المنبع
تجسد المملكة هذه المبادئ الإسلامية في سياساتها الأمنية والاجتماعية، عبر:
1. تطبيق الأنظمة بصرامة على المخالفات الصغيرة قبل الكبيرة، مثل رمي النفايات، والكتابة على الجدران، والاعتداء على المرافق العامة.
2. تعزيز الثقافة المجتمعية من خلال الحملات التوعوية التي تذكّر بأن الممتلكات العامة أمانة للجميع.
3. تطوير البنية التحتية والخدمات بما يرسّخ الشعور بالانضباط والجمال، فالمكان النظيف والمنظم يزرع في النفوس احترامه.
4. التكامل بين الأمن والمجتمع، حيث تُشجع المملكة المواطنين على الإبلاغ عن المخالفات، وتكافئ المبادرات التي تحافظ على النظام.
الرسالة المحفزة
إن ما تعلمناه من تجربة زيمباردو، وما سبقنا إليه ديننا الحنيف، وما تطبقه المملكة اليوم، يؤكد أن النظام يبدأ من التفاصيل الصغيرة.
احترام إشارة المرور، المحافظة على نظافة الشارع، الإبلاغ عن أي تخريب، والحرص على صيانة الممتلكات العامة، كلها ليست أمورًا ثانوية، بل هي حجر الأساس لبناء بيئة آمنة، مستقرة، ومتطورة.
فلنكن جميعًا حراسًا للنظام، فإن يدًا تبني ويدًا تحمي، قادرة على صناعة وطنٍ يُضرب به المثل في الرقي والتحضر.