أقلام

المارد الخفي: بين التجربة الصينية ورؤية السعودية 2030

زكي الجوهر

من بين أنقاض الأحياء القديمة وصوت آلات البناء التي لا تنام، تولد “المعجزة الصينية” بثمنٍ يدفعه البشرُ سرًّا! كتاب “السرعة الفائقة” ليس مجرد تحليلٍ اقتصادي، بل هو كشفٌ صادمٌ لوجه التنمية حين تفقد إنسانيتها. فما حدث في الصين ليس شأنًا محليًّا، بل هو جرس إنذارٍ لكل أمةٍ تسعى للتحول السريع!

انتهيتُ للتو من قراءة الكتاب “السرعة الفائقة: سعي الصين لهندسة المستقبل” لدان وانغ، وإليكم رأيي فيه ..

إذا كنتم مهتمين بتحول الصين، أنصحكم بشدة بقراءة هذا الكتاب. إنه مكتوب بإتقان. حجته الرئيسة هي أن الصين أمة مهندسين، للأفضل والأسوأ. تبني الصين وتصنع أشياءً مبهرة بوتيرة سريعة، ولكن النهج الهندسي له ثمن بشري واجتماعي أيضًا.

مع ذلك، يؤكد وانغ في جميع أنحاء الكتاب على ضرورة أن تتعلم الولايات المتحدة من النهج الهندسي الصيني. لذا، فإن النقد متبادل. وربما يكون من باب الإطراء إلى حد ما على الصين أن يقوم وانج بتقييمها في بعض الأحيان كما لو كانت دولة غنية.

معجزة صينية بثمن إنساني

كتاب السرعة الفائقة لدان وانغ يكشف الوجه الآخر للتنمية في الصين.

أرقام مذهلة:

• 40 ألف كيلومتر من القطارات السريعة.

• 70% من ناطحات السحاب العالمية.

• 800 مليون شخص خرجوا من الفقر.

ولكن خلف هذه الإنجازات تقف قصة أخرى: عمال يعيشون في ظروف قاسية، قرى تُهدم دون تعويض، وشباب يلهثون وراء سباق استهلاكي دون نهاية.

التنمية ليست أرقامًا فقط

يحذر وانغ من خطأ شائع: اختزال التنمية إلى مشاريع هندسية ضخمة وسرعة نمو اقتصادي بلا ضمير اجتماعي.

يقول: “الصين علمت العالم كيف تبني المصانع، لكنها نسيت أن تبني الضمير”.

السعودية ورؤية مختلفة

على الضفة الأخرى، تطرح رؤية السعودية 2030 نموذجًا مختلفًا:

• الإنسان أولًا: عبر برامج جودة الحياة وتمكين المرأة والشباب.

• اقتصاد متنوع: بناء مدن ذكية مثل “نيوم” ليس هدفًا بذاته، بل وسيلة لخلق بيئة مستدامة.

• استدامة بيئية: مبادرات “السعودية الخضراء” و”الشرق الأوسط الأخضر” تعكس إدراكًا أن التنمية دون بيئة نقية مجرد سراب.

• شفافية ومساءلة: فتح المجال للمشاركة المجتمعية والحوكمة الرشيدة لتجنب مساوئ النموذج السلطوي المغلق.

الدرس المستفاد

الصين مثال على سرعة دون روح، والسعودية أمام فرصة لتقديم نموذج متوازن يجمع بين:

• الطموح الاقتصادي،

• العدالة الاجتماعية،

• الحفاظ على البيئة،

• وصون كرامة الإنسان.

الخلاصة

التنمية ليست قطارات سريعة ولا ناطحات سحاب، بل ابتسامة مواطن يشعر أنه في قلب كل مشروع.

ورؤية السعودية 2030 تمثل محاولة جادة لصياغة هذا التوازن: أن نكون أمة حديثة… دون أن نفقد روحنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى