أقلام

كُنتَ هنا

السيد فاضل آل درويش

الأيام لا تختلف في طبيعتها المادية من ناحية شروق الشمس وغروبها (كعامل زمني)، والفارق بين الأمس والغد هو إرادتك ونضج عقلك، فعداد الأيام المادية لا يتغيّر في تفاصيله ومسيره وإنما الفارق بينها يكمن في طريقة تعاملك ومقدار ما حققته من نقاط مكتسبة على المستوى المعرفي والمهاري، فإذا نظرت يومًا إلى نبتة صغيرة لتوها كانت بذرة تحت الأرض – مثلًا – فسترى مع مرور الأيام امتداد ساقها وتفرّع أغصانها وتكاثف أوراقها حتى تبدو يومًا شجرة كبيرة، وهذا يدل على أن مسألة الزمن بمعياره المادي ثابت وله معالمه المتشابهة، ولكن المتغيّر هو تكامل المراحل والخطوات بالنسبة للإنسان، وهذا يؤكد على حقيقة مهمة وهي تحمّل المسؤولية وفق فهم هذه الحقيقة وهي تحويل عداد الأيام إلى مراحل لتحقيق أهدافك وآمالك دون تأخير أو تسويف، وليس هناك من ضرر جسيم يلحق بنا كمحاولة التسطيح المعرفي بعامل الزمن وتبلد أحاسيسنا تجاه تقادم الأيام وتقليب أوراق دفتر الأعمار، من خلال فكرة تشابه الأيام فلا ندرك القيمة الفعلية والثمينة لكل يوم يمر علينا ومقدار ما نستطيع تحصيله من منجزات فيه، فتقريب الصورة بأن الحياة مجموعة لصور متشابهة ومتكررة يصنع الوهم ويبعثر القدرات قبل الأفكار ويفقد الفرد حماسه نحو تحقيق طموحاته، والحقيقة أن كل يوم يمثل فرصة متاحة يمكنك اقتناصها وتحويلها إلى جزئية ومفردة من مشروع غاياتك بقدر ما تحمله من همة واصطبار، كما أن الصعاب والعقبات والعراقيل تمثل محطة تحديات لإرادتك وقدرتك على تحمل مسؤولية المعالجة والبحث عن مسارات واحتمالات وحلول مقترحة تستطيع أن تتجاوز من خلالها تلك المرحلة المضنية، وهذا ما يصنع مستقبلًا جديدًا ويفتح بابًا أوسع لتحقيق أهدافك، بعد ما اكتسبته من خبرات وقدرات على معالجة الأخطاء وتعلم الدروس منها، فكل يوم يعد ورقة من أغصان ذلك اليوم ويحمل معه الدروس والعِبَر التي يمكنك تعلمها والاستفادة منها، وما يصنع الفرق بيننا هي تلك الفروق الفردية والمهارات الخاصة إذا استطعنا توظيفها على أرض الواقع، ويمكنك قراءة نفسك بسهولة من خلال إعادة تعريف ذلك اليوم المحدّد بتاريخ معين بما صنعته وفهمته وأدركت واقعه من جزئيات متعددة استطعت تحصيلها واكتسى مخزونك المعرفي والسلوكي بريشها، فالأيام لا تتكرّر أبدًا وإنما الحقيقة أنها تحمل في جعبتها الكثير من الهدايا والجوائز تستطيع اكتشافها والتعرف والحصول عليها بعملك المثابر وهمتك العالية.

ويا للبؤس عندما نلقي بالمسؤولية عن فوات حظوظنا وإخفاقنا وأخطائنا على عاتق الأيام والزمن التعيس الذي نعايشه أو الظروف غير السانحة لتألقنا ونجاحنا، هذه الروح السلبية نتاج الفهم الخاطيء لعداد الأيام والانسحاب عن ميدان العمل وروح المبادرة، فمن أدرك ذاته وما تضمّه من قدرات متاحة استطاع حينئذ تفعيلها وتوظيفها لتحقيق إنجاز يؤمّله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى